بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين الطاهرين وصحبه الميامين.
نشكر الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي التي أولت لنا هذا البحث القيّم في الدورة السابعة عشر المنعقدة في عمّان ، ونرجو أن يكون بحثنا مقبولاً قبولاً حسناً.
المؤلّف
تمهيد
إنّ موقع المرأة في نظام القِيَم في الإسلام ، وفي نظام الحقوق والواجبات الإسلامية ، متّحد مع موقع الرجل ; وذلك :
١ ـ لأنّهما ينتميان إلى حقيقة واحدة وهي الإنسانية ; فالإنسان نوع واحد في الجنس الحيواني ، وجميع أفراد هذا النوع متّحدة ومتساوية في الإنسانية ، فلا تفاضل بين الناس في الإنسانية ، فلا تفاضل لاُنثى على اُنثى ، ولا لذكر على ذكر ، ولا لذكر على اُنثى ، ولا لاُنثى على ذكر.
وهذا ما أكّده القرآن الكريم حيث قال : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَة وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (١).
٢ ـ المساواة في الولاية : قال سبحانه وتعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢).
فالولاية في الإسلام لله وللرسول ولأهل البيت وللمؤمنين ، ومعنى الولاية في هذا المورد هو الحبّ والودّ والقرب ، والولاية أوسع الروابط وأوشجها في الإسلام ، ومنها الولاية بين المؤمنين والمؤمنات.
٣ ـ المساواة في أصل الخلق : فالذكر والاُنثى متّحدان في أصل الخِلقة ، قال
__________________
(١) النساء : ١.
(٢) التوبة : ٧١.
تعالى : (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى * مِن نُّطْفَة إِذَا تُمْنَى) (١).
وقال تعالى : (أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالاُْنثَى) (٢).
وقال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ مِن سُلاَلَة مِّن طِين * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَار مَّكِين * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (٣).
وقد ورد في السنّة ما يؤكّد هذا المعنى في قول الإمام علي عليهالسلام في عهده لمالك الأشتر حين ولاّه مصر ، فقال له : «واعلم يا مالك إنّ الناس صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخلق» (٤).
٤ ـ المساواة في الهدف : إنّ هدف الإنسان ـ ذكراً أو أنثى ـ في هذه الحياة هو هدف واحد أيضاً ، فهدف إيجاد الإنسان هو عبادة الله وإعمار الأرض والتمتّع بها ، قال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِْنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ) (٥).
وقال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (٦).
وقال تعالى مخاطباً الإنسان : (ذكراً أو أنثى أيضاً) (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الاَْرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الاَْرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ
__________________
(١) النجم : ٤٥ ـ ٤٦.
(٢) القيامة ٣٦ ـ ٣٩.
(٣) المؤمنون : ١٢ ـ ١٤.
(٤) نهج البلاغة : كتابه عليهالسلام إلى مالك الأشتر ، رقم ٥٣.
(٥) الذاريات : ٥٦.
(٦) البقرة : ٣٠.
اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (١).
وقال تعالى أيضاً : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْم وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَاب مُّنِير) (٢).
وقال تعالى أيضاً : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (٣).
٥ ـ المساواة في المسؤولية والثواب : إنّ مسؤولية الإنسان ـ ذكراً أو اُنثى ـ عن أعماله في الدنيا والآخرة واحدة ، بمعنى أنّ مسؤولية المرأة ليست أقلّ ولا أكثر ولا أصغر ولا أكبر من مسؤولية الرجل ، بل هما متساويان في المسؤولية أمام الله ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الاِْنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ) (٤).
وقال تعالى : (وَنَفْس وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (٥).
وقال أيضاً : (وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْس إِلاّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٦).
وقال تعالى : (وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى … أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ
__________________
(١) الحج : ٦٥.
(٢) لقمان : ٢٠.
(٣) الأعراف : ٣١ ـ ٣٢.
(٤) الانشقاق : ٦.
(٥) الشمس : ٧ ـ ١٠.
(٦) الانعام : ١٦٤.
الَّذِي وَفَّى * أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَن لَّيْسَ لِلاِْنسَانِ إِلاّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الاَْوْفَى) (١).
ونفهم من كلّ ما تقدّم أنّ التكليف الإسلامي موجّه إلى الإنسان ككلّ دون تمييز أو تفريق.
وقد روي عن أُمّ المؤمنين «أُم سلمة» رضياللهعنها أنّها قالت : يا رسول الله لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء؟! فأنزل الله : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِّنكُم مِّن ذَكَر أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْض فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللهِ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (٢).
وقال تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٣).
وقال تعالى : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)» (٤).
٦ ـ المساواة في الإخوّة : ومبدأ الإخوّة بين المؤمنين المصرّح به في القرآن الكريم هو عبارة عن المساواة بين الذكر والاُنثى في المرتبة ، فقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
__________________
(١) النجم ٣١ و ٣٦ ـ ٤١.
(٢) آل عمران : ١٩٥. راجع تفسير الميزان ج ٤ / ٩٠.
(٣) التوبة : ٧٢.
(٤) الأحزاب : ٣٥.
إِخْوَةٌ) (١).
وقال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (٢).
فليس الذكر أصلاً والاُنثى تابعة ، ولا العكس هو الصحيح ، بل هما في رتبة واحدة متساوية.
٧ ـ الاختلاف الفسلجي والسيكولوجي : ومع كلّ ما تقدّم من اتّحاد بين الذكر والاُنثى في نظام القِيَم والحقوق والواجبات في انتمائهم إلى الإنسانية والولاية ووحدة الخلق والهدف والمسؤولية والإخوّة ، إلاّ أنّ الاختلاف بين الذكر والاُنثى في الصنف أمر واضح ، فالمرأة تختلف عن الرجل فسلجياً وسيكولوجياً ، وهذا يقتضي تنوعاً في وظيفة كلّ منهما في الاُسلوب والطريقة التي يتبّعها في القيام بدوره في وظيفته العامة ، فلكلّ منهما وظيفة خاصة ينتج منهما الوظيفة العامة للإنسان في الحياة.
فهناك وظيفة عامة يشترك فيها الذكر والاُنثى ، وهناك وظيفة خاصة لكلّ منهما حسب خصوصية صنفه ، وهذه الوظيفة الخاصة لكلّ من الذكر والاُنثى تكون كلّ واحدة منهما مكملّة للاُخرى في تحقيق الوظيفة العامة للنوع الإنساني.
وبمعنى آخر ، أنّ الوظيفة الخاصة لكلّ من الرجل والمرأة تكون علاجاً لنقص أو إيجاداً لكمال في تحقيق الوظيفة العامة ، فالرجل والمرأة بوظائفهما الخاصة يوجدان الينبوع البشري الذي أراده الله لاستمرار الحياة وعبادة الله.
وليس هذا الاختلاف في الصنف مقتصراً على البشر ، بل هو قانون عام في سائر أجناس وأنواع وأصناف المخلوقات. قال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنسَانَ فِي أَحْسَنِ
__________________
(١) الحجرات : ١٠.
(٢) آل عمران : ١٠٣.
تَقْوِيم) (١).
وقال تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الاَْعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (٢).
وقال تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْء خَلَقْنَاهُ بِقَدَر) (٣).
وقال تعالى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (٤).
وقال تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (٥).
ومن نافلة القول بأن تنوّع الوظيفة الخاصة لا يكون نتيجة للأفضلية أو الدونية ; لأن التنوّع تنوّع وظيفي للذكر والاُنثى ناشيء من تحقيق الوظيفة العامة من هذا التنوّع ، وليس تنوّعاً قيميّاً أو أخلاقياً ناشئاً من أسباب تتصل بالإنسانية.
وبمعنى آخر : إنّ الوظيفة العامة للبشر هو استمرار الينبوع البشري ليقوم بعبادة الله وإعمار الأرض ، وهذا يقتضي التناسل والتكاثر. والتناسل والتكاثر المتعارف المرغوب فيه ـ والذي يضمن استمرار البشرية في الكون ـ لا يكون عملية ذاتية لأيّ من الذكر والاُنثى ، بل هو نتيجة تفاعل وتكامل بين الذكر والاُنثى ، لذا هيّأ الله كلّ صنف لجانب من عملية التناسل لا يمكن أن يقوم به الصنف الآخر جسديّاً ونفسيّاً وعاطفيّاً.
وهذه العملية الجنسية بين الذكر والاُنثى تقتضي الحمل ، ونمو الحمل والولادة بعد ذلك ، ثمّ بعدها الحضانة والتربية.
كما أنّ النسل يحتاج إلى القوت والمأوى والكساء ، والإنسان يحصّن بها حياته
__________________
(١) التين : ٤.
(٢) الأعلى : ١ ـ ٣.
(٣) القمر : ٤٩.
(٤) طه : ٥٠.
(٥) الفرقان : ٢.
من أخطار الطبيعة وآفات الجسد.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون المهمة الأُولى من وظيفة الاُنثى ، وأن تكون المهمة الثانية من وظيفة الذكر.
وقد اقتضت حكمة الله تعالى أن تُخلَق الاُنثى مؤهلة من الناحية النفسية والجسدية لما يناسب مهمة الحمل وما ينتج عنها ، وأن يخلق الذكر مؤهلاً من الناحية النفسية والجسدية لما يناسب مهمة العمل في الطبيعة والمجتمع.
ومعلوم أنّ تقسيم العمل هذا يقتضي تنوّعاً في الوظائف الخاصة ، ولكن هذا التنوّع لم ينشأ عن أفضلية أحد الصنفين على الآخر. فوظيفة كلّ من الذكر والاُنثى عامل محايد بالنسبة للقيمة الإنسانية والأخلاقية لكلّ واحد من الصنفين (١).
ثمّ إنّ اختلاف الوظيفة الخاصة للذكر عن الاُنثى ، الذي يقتضي الاختلاف في التكوين الجسدي والعاطفي ، يقتضي أيضاً الاختلاف في التشريع الذي ينظّم عمل كلّ واحد من الصنفين ; ليقوم الإنسان بمهمته العامّة للخلافة على الأرض ، لأنّ النظام التشريعي لكلّ كائن يجب أن يتوافق مع نظامه التكويني (الجسدي والنفسي)
__________________
(١) نعم ، الإسلام اعتمد معياراً لتشخيص الأفضلية والدونية ، وهو مدى التزام الإنسان بوظيفته العامة من خلال الالتزام بمقتضيات الوظيفة الخاصة ، وقد عبّر عن هذا الالتزام في نظام القيم الإسلامي بالتقوى ، وفي مصطلح الفقهاء بالعدالة.
كما اعتمد الإسلام معياراً آخر للتفاضل بين البشر ، ألاّ وهو العلم مع الإيمان ، فقد قال تعالى : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات) المجادلة : ١١.
وقال تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الاْخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ) الزمر : ٩.
وهذان المعياران يمكن أن يحصل عليهما كلّ صنف من الذكر والاُنثى على حدٍّ سواء ، فالذكر يمكن أن يكون متقيّاً سائراً على وفق موازين الشرع في تحقيق وظائفه الخاصة والعامة ، وكذا المرأة على حدٍّ سواء ، كما أنّ الذكر والاُنثى يمكن لكلّ واحد منهما أن يحصل على العلم مع الإيمان الذي ينفع به نفسه واُمته.
ووظائفه.
وخلاصة لما تقدم نتمكن أن نقول : إنّ أيّ إنسان (سواء كان رجلاً أو امرأة) إذا وجد فيه الاستعداد للوصول إلى حقّ ما ، فالحقّ موجود له طبيعيّاً ; لأنّ الاستعداد الذي وجد فيه يكون دليلاً على أنّ من حقّه الوصول إلى حقّه الذي وجد فيه استعداد للوصول إليه ، فحركة الإنسان ضمن استعداده الذي وجد فيه هو حقّ طبيعي للإنسان ، وهذا هو طريق الوصول إلى الكمال الذي ينشده الإسلام من خلقه البشر.
وعلى هذا ستكون الحقوق الاجتماعية للفرد (سواء كان رجلاً أو امرأة) هي عبارة عن الاستفادة من المواهب والحقوق الطبيعية ، فيتمكن الفرد أن يصل إلى عمل أو منصب أو فكر أو رأي ، أو طهارة أو تقوى أو علم ، أو أيّ شيء آخر من حقوقه الطبيعية بواسطة الاستفادة من حقوقه الطبيعية.
نعم ، هناك حقوق مكتسبة متفاوتة لوجود تفاوت في القدرات في سبيل الحصول على الحقّ العام ، ولو أردنا أن نساوي بين الحقوق المكتسبة لكان هذا ظلماً لبعض أفراد الإنسان ، ولهذا نرى أنّ بعض الأفراد سيكون رئيساً ، والآخر مرؤوساً ، والثالث عاملاً ، والرابع صانعاً ، والخامس اُستاذاً ، والسادس ضابطاً ، والسابع جنديّاً ، والثامن وزيراً ، وهكذا ، ولا اعتراض على هذا لو كان ناشئاً من اختلاف في القدرات عند إعمال الحقّ العام.