ثقافة زيارة الحسين ع _ ح ١
____
لن اعود الى الوراء
( الزائر التائب)
___
ان تراكمات الذنوب ، وحُجُب الثقافات الشيطانية الثقيلة، قد تصل بقلب الإنسان الى مرحلة يصعب فيها عليه أن يتجاوز كل تلك الحجب لكي يصل الى الهدى، فعينه لا تبصر ، و اذنه لا تسمع ،. و قلبه لا يفقه ، وحياته من نكد الى أنكد.
وهنا نطرح سؤالا :
ألا يمكن لهذا الإنسان في لحظة من لحظات اليقظة ان يستفيق من غفلته ، ويرجع إلى رشده ، ويتوب الى الله تعالى ، ويستثمر فرص العودة المتاحة إليه، والتي يعدها الله تعالى لعباده رحمة بهم ، وشفقة عليهم ، ومحبة لعودتهم إلى فطرتهم ؟
الجواب : هذا اكيد _ والحال هذه _ ان الانسان يمكنه ذلك ، حيث يتحول من الهجران الى الوصل ، ومن البعد إلى القرب ،ومن الغفلة إلى اليقظة ، ومن التقصير إلى الاستقامة، فتتغير كل حياته من الحالة السلبية الى الحالة الايجابية ،
قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) طه : ١٢٤.
اي من الضنك المادي والروحي والنفسي والاجتماعي والسياسي والأمني الى الحالة الإيجابية ،
قال تعالى : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ) الطلاق : ٢.
قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) الأعراف ٩٦.
وهذا باب مشرع وسبيل مفتوح لاصلاح الإنسان ، فهو إن صلُح ، فأن ذلك يعني أنه صلحت نفسه ، فتصلح معيشته وحياته ، ويصلح مجتمعه ، وتصلح آخرته.
فشهر رمضان المبارك على سبيل المثال ، وليلة القدر ، ويوم عرفة ، محطات هامة للتغيير والانابة والتوبة والدعاء والضراعة الى الله تعالى، فيها يحدث الرب الكريم _ اذا اوجد العبد المقتضي _ هزة داخلية في أعماقه ، لما خص الله فيها هذه الأزمنة المقدسة بخصوصية الإجابة ، وجعلها منازل للرحمة ، ومتنفسات للمغفرة.
لذلك نقرأ في ادعية ليلة القدر هذا الدعاء :
( اللهم ان كنتُ عندك من الاشقياء فأمحني من الاشقياء واكتبني في السعداء)، هذا هو التحول والتغيير.
وكذلك من المحطات التي جعلها الله تعالى نوافذ لرحمته ، ونصت الروايات الواردة عن أهل البيت ع على أنها من الفرص العظيمة للتوبة والإنابة والتغيير ؛ زيارة الامام الحسين ع.
فمن الكرامات التي أعطيت لسيد الشهداء ع في عالم الدنيا أن جعل الله جل شأنه زيارته بمثابة المطهّر العظيم في كل عام لزواره , فيخرجون بعد زيارتهم، بلطفه ومنه وتفضله، مطهرين من السيئات ، معززين بالحسنات ، مغمورين بالأجر والثواب والرحمة وغيرها من آثار وبركات الزيارة .
اذن فلنتحرك بوعي وفطنة ونحو نتوجه الى زيارة المولى ابي عبدالله الحسين ع ، ولنكن حذرين في تعاملنا مع هذه الفرصة الاستثنائية ، والتي نحن بأمس الحاجة لها اليوم ، كي نجعلها ممرا نسلكه نحو الفرج القريب ، لأنها _ اي الزيارة _ مقدمة مهمة من مقدمات تغيير النفوس والقلوب والطباع والأخلاق نحو مرضاة الله تعالى، وبالتالي توفير الأرضية المناسبة لرفع البلاء.
فنحن نخرج من بيوتنا ، ونترك كل مساراتنا اليومية ، ولا مقصد لنا الا الإمام الحسين ع ، وعندها لابد أن نكون مستعدين لامتثال مايريده عليه السلام منا ، ومنه :
١. ان نتحرك بتوبة نصوح
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم : ٨
٢. ان تكون عندنا رغبة صادقة نحو التغيير
قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد : ١١
٣. ان نعزم على ترك كل اهوائنا، وامزجتنا، وتشتت أفكارنا ، لنتجه نحو هوى الإسلام ، ومذاق الشريعة ، و مزاج العترة الطاهرة ، وبذلك فزنا و سعدنا وكتبنا في عداد زوار الإمام الحسين ع .
روي عن الإمام الصادق ع :
(.. من خرج من منزله يريد زيارة قبر الحسين بن علي ع إن كان ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحى عنه سيئة، حتى إذا صار في الحائر كتبه الله من المفلحين المنجحين..) كامل الزيارات، ص : ٢٥٣
وروي عنه عليه السلام :
( من زار قبر الحسين ع لله وفي الله أعتقه الله من النار، وآمنه يوم الفزع الأكبر، ولم يسأل الله حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا أعطاه) كامل الزيارات ، ص : ١٤٥
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
https://t.me/AAZzfj
____
الشيخ عمار الشتيلي
النجف الاشرف
٩ صفر ١٤٤٥ هج