الرئيسية / القرآن الكريم / تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان سورة المائدة

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

9

((وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ )) بالله ورُسله وما جائوا به ((وَعَمِلُواْ )) الأعمال ((الصَّالِحَاتِ )) وذلك يلازم ترك السيئات ((لَهُم مَّغْفِرَةٌ )) لذنوبهم ((وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)) وجملة (لهم مغفرة) في موضوع نصب مفعولاً لوعد ولعل سر الإتيان بالجملة إفادة أنّ المطلب مقطوع به فإنّ الجملة الإسمية تفيد اليقين .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

10

((وَالَّذِينَ كَفَرُواْ )) فلم يؤمنوا إيماناً صحيحاً ((وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا )) ببراهيننا وأدلّتنا التي أقمناها على التوحيد وسائر الأصول ((أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)) الذين يصاحبون النار ويخلدون فيها .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

11

ثم ذَكَّرَ المؤمنين بنعمة من نعمه سبحانه وأنه كيف وفّى لهم بميثاقه حيث أنقذهم من كيد أعدائهم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ ))، أي قَصَدَ وأرادَ ((قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ )) والمراد ببسط اليد إيذائهم وقتلهم واستئصالهم، قال القمي : يعني أهل مكة من قبل فتحها، فكفّ أيديهم بالصلح يوم الحديبية، وقيل أن المراد بذلك العموم، أي مَن أرادَ السوء بالمسلمين، وقيل المراد بالقوم خصوص بني النظير حيث أرادوا قتل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأُخبر بذلك فنُجّي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من كيدهم، وقيل غير ذلك ((فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ))، أي منعهم عن الفتك بكم بل نصركم عليهم ((وَاتَّقُواْ اللّهَ )) بامتثال أوامره واجتناب زواجره ((وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)) يكلون إليه سبحانه أمورهم ويجعلونه نصيراً وظهيراً لهم .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

12

لو كانت الآية السابقة حول بني النظير -وهم من اليهود- لكان الإرتباط بين الآيتين واضحاً إذ بيّن سبحانه هنا أنهم خانوا الأنبياء من قبل ما تفضّل الله عليهم بكل خير ونعمة فكيف لا يريدون خيانة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويحتمل أن يكون الإرتباط منجهة الميثاق فيريد سبحانه أن يذكّر المسلمين حتى لا يكونوا كاليهود الذين خانوا ونقضوا الميثاق بعد أخذه منهم إذ قد سبق قوله (وميثاقه الذي واثَقَكُم به) ((وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ)) العهد الأكيد الذي أخذه الله منهم على لسان أنبيائه ((وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا )) من النقب وهو الكشف، فكان النقيب -وهو كفيل القوم- ينقب عن أسرارهم ويكشف ضمائرهم ليسير بهم نحو الخير والصلاح في المجتمع، أي أمرنا موسى بأن يبعث من الأسباط الإثني عشر إثنى عشر رجلاً كالضلائع يتحسّبون ويأتون بني إسرائيل بأخبار أرض الشام وأهلها الجبارين فاختار من كل سبط رجلاً يكون لهم نقيباً، أي أميناً كفيلاً، فرجعوا يهنون قومهم عن قتالهم لما رأوا من شدة بأسهم وعُظم خَلقهم إلا رجلين منهم بن يوقنا يوشح بن نوى ((وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ))، أي قال لبني إسرائيل وكونه معهم بمعنى أنه يؤيدهم وينصرهم ويهديهم ((لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ )) يامعشر بني إسرائيل ((وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ ))، اي أعطيتموها ((وَآمَنتُم بِرُسُلِي )) الذين يأتون من بعد موسى (عليه السلام) ولذا أخّرَ الإيمان من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ((وَعَزَّرْتُمُوهُمْ ))، اي عظّمتموهم أو نصرتموهم ((وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا ))، أي أنفقتم في سبيله فإنه كالقرض الذي يُعطى ثم يُؤخذ والمراد بكونه حسناً أن لا يكون فيه مَنّ ولا إيذاء ولا دواعي غير الله سبحانه ((لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ ))، أي أُذهبنّ، ومعنى التكفير التغطية، أي أُغطّي بالغفران ((سَيِّئَاتِكُمْ)) التي صدرت منكم وهو جواب (لئن أقمتُم) ((وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ))، أي من تحت قصورها وبساتينها ((فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ))، أي بعد أخذ الميثاق ((مِنكُمْ )) يابني إسرائيل ((فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ))، أي أخطأ وسط الطريق فإنّ (سواء) كل شيء وسطه .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

13

((فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ ))، أي بسبب نقض اليهود ميثاقهم الذي كان بين وبينهم حيث أنهم تركوا الصلاة ورفضوا الزكاة وكذّبوا بالرُسُل وقتلوهم ((لَعنَّاهُمْ ))، أي طردناهم عن ساحة القُرب وقطعنا رحمتنا منهم حيث جعلنا بعضهم قردة وخنازير وجعلناهم مشرّدين مطرودين دائماً لا تقوم لهم قائمة ((وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً )) يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق وتميل نحو الظلم والكفر وجعله سبحانه قلوبهم قاسية بمعنى تركه اللُطف بهم حتى ردئت ملكتهم كمن يعصي إستاذه في أوامره قيترك تدريسه وتهذيب أخلاقه حتى يصبح جاهلاً ذا أخلاق سيئة ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ )) جمع كلمة ((عَن مَّوَاضِعِهِ )) وتحريفهم الَلِم على قسمين بمحو بعض التوراة وإثبات غيره مكانه وقسم بتأويله على غير المعنى المقصود منه ((وَنَسُواْ حَظًّا ))، أي قسماً ((مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ ))، أي من الأحكام التي ذكرناهم في التوراة بتلك الأحكام فإنه قد فُقَدَ بعض التوراة مما لا يعلّمونه الأمة، أو المراد من النسيان أ،ه صار كالمعنى عندهم من جرّاء عدم العمل، فإنّ النسيان يُطلق على ما أهمله الإنسان، يُقال : نسيني، أي أهملني، قال سبحانه (نسوا الله فنَسِيَهُم) ((وَلاَ تَزَالُ )) يارسول الله ((تَطَّلِعُ )) باستمرار ((عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ ))، أي طائفة خائنة أو نفس خائنة إذا قالوا قولاً خالفوه وإذا عاهدوا عهداً نقضوه -كما أراد بنو النظير الغدر به والخيانة بعد الميثاق ((إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ)) أما الإستثناء من الجميع أو من الجملة الأخيرة، فإنّ (قليلاً منهم) ليسوا كذلك كعبد الله بن سلام أو إنّ قليلاً منهم لا يخون ((فَاعْفُ عَنْهُمْ ))، أي عن هؤلاء ((وَاصْفَحْ ))، أي تجاوز فإنّك لستَ منتقِماً وإنّ ذلك ليس من شأنك ((إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) فإنّ العفو والصفح إحسان والإحسان محبوب حتى بالنسبة إلى المجرم .

تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان

سورة المائدة

14

هذا كان شأن اليهود أما النصارى فليسوا أحسن حالاً من اليهود من بعض الجهات ((وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى )) قولاً باللفظ لا إعتقاد بالقلب كما تقول : فلان يقول أني مسلم، تريد بذلك أنه ليس بمسلم حقيقة بل مسلم قولاً ((أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ )) من إقامة الصلاة وإيتاء لزكاة والإيمان بالرُسُل واتّباع أوامر الله ((فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ )) كما نسي اليهود ذلك من ذي قَبل ((فَأَغْرَيْنَا )) التسليط والتحريش والتحريض ((بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)) فإنهم إنقسموا إلى أقسام وأخَذَ بعضهم يعادي بعضاً عداءاً لا مثيل له حتى إنّ عداء بعضهم لبعض بَلَغَ إلى حيث لم يبلغ عدائهم لليهود والمسلمين والوثنيين وقد شهد التاريخ قديماً مذابح من فرق النصارى ومعادات الكاثوليك والبروتستانت والأرثوذكس فعلاً لا يحتاج إلى برهان وهذا أحد معاجز القرآن الحكيم كإخباره عن ذلّة اليهود وأنه ضُربت عليهم الذلّة والمسكنة، وهنا سؤال أنه كيف يكون إلى يوم القيامة وفي زمان المهدي (عليه السلام) يُسلم الكل وجهه إلى الله ثم أنّ يوم القيامة إنما يكون بعد موت الناس عشرات السنوات ؟ والجواب : أنّ هذا معناه بقاء العداوة ما بقوا يعتبر عن إستمرار الشيء إلى الأخير بمثل هذا التعبير ((وَسَوْفَ )) في يوم القيامة ((يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ ))، أي يُخبرهم سبحانه ((بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)) ويقف التعبير إلى هذا الحد ليرسم صورة من التهديد كما تقول للمجرم غداً أُنبّئك بما عملتَ اليوم، تريد بذلك تهديده بالعقاب القاسي .

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...