ما هي حقوق المرأة التي أصبحت زوجة؟
إنّ المرأة التي أصبحت زوجة بعقد الزوجية لها حقوق كما عليها واجبات.
أمّا الواجبات فقد تقدّم الكلام عنها في حقوق الزوج على زوجته ، وقد تقدّم أنّ حقّه عليها يتلخّص في أمرين :
الأول : حقّ الاستمتاع.
الثاني : حقّ المساكنة الذي يتضمّن قيادته للبيت الزوجي لجعله متماسكاً لا يشوبه التفكيك.
وكلا هذين الحقّين مقيّدان بكونهما معروفاً ، ولا يجوز الخروج بهما عن حدّ
__________________
(١) المراد من الأفضلية هنا هو الأصلحيّة ، فلاحظ.
الاعتدال إلى التحكّم والشذوذ.
أمّا حقوق الزوجة على الزوج الذي يعبّر عنها بواجبات الزوج اتجاه الزوجة ، أو حقّ الزوجة على الزوج ، فهو ما نريد بحثه هنا.
نقول : عندما يوجد عقد الزوجية فهو يتضمّن حقوقاً على الزوج لزوجته وواجبات ، ويوجد فرق بين الحقّ والواجب الذين توجها إلى الزوج ، ويتلخّص الفرق بينهما في :
١ ـ الحقّ : هو سلطنة مجعولة من قبل الشارع المقدّس للإنسان ، وهو هنا المرأة الزوجة ، وهو مرتبة ضعيفة من الملكية ، ويمكن لصاحب الحقّ إسقاط حقّه بالتبرّع أو مقابل عوض (١).
٢ ـ الحكم : هو جعل واعتبار من الشارع المقدّس ـ سواء كان رخصة أو إلزاماً أو وضعاً ـ على المكلّف ، فقد يكون الحكم تكليفاً بالرخصة بالمعنى العام ـ الإباحة أو الاستحباب أو الكراهة ـ وقد يكون الحكم إلزاميّاً ـ وجوباً أو حرمة ـ ، وقد يكون الحكم وضعيّاً ـ كالصحة والفساد ـ وهذا الحكم غير قابل للإسقاط.
والآن نتعرّض إلى حقوق الزوجة ، فنقول : إنّ الزوجة لها حقوق على زوجها تتلخص بما يلي :
١ ـ أنّ لها حقّ الاستمتاع بالزوج وحقّ المساكنة ـ كما كانا للزوج ـ ; لأنّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٢) فإنّ هذه الآية وإن وردت في الطلاق ، إلاّ أنّها تشمل ما قبله بالأولوية.
__________________
(١) نعم ، يوجد استثناء بعض الحقوق من ذلك حيث ثبت أنّها غير قابلة للإسقاط.
(٢) البقرة : ٢٢٨.
وقال تعالى : (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) (١) ، فالزوج سكن للمرأة وهي سكن له ، والاستمتاع حقّ للطرفين ، والمساكنة حقّ لهما معاً ، وهذا يقتضي أن تكون الحقوق متقابلة ومتوازنة ، فلكلّ واحد منهما على الآخر من أداء حقّه إليه مثل الذي عليه له ، فالحقوق بينهما متبادلة وهما اكفاء ، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلاّ وللرجل عمل يقابله لها ، فهما متماثلان في الحقوق والأعمال ، كما هما متماثلان في الذات والإحساس والشعور والعقل.
وقد روي عن ابن عباس أنّه قال : «إنّي أُحبّ أن أتزيّن للمرأة كما أُحبّ أن تتزيّن لي ; لأنّ الله تعالى يقول : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ)» (٢).
نعم ، إنّ الله تعالى قال : (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) عقيب قوله : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، فما هي تلك الدرجة التي للرجال على النساء في خصوص الزوجية؟
والجواب : إنّ ابن عباس طبّق (٣) الدرجة التي ذكرها الله تعالى في هذا الموضع على الصفح من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها ، وإغضاؤه عنه ، فقد قال : «ما أحبّ أن أستنطف ـ أي آخذ ـ جميع حقّي عليها» ; لأنّ الله تعالى قال : (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ …).
فكأنّ المرأة تواجه صعوبات كثيرة للقيام بمسؤوليات الزوج والبيت ، فلاينبغي أن يتعامل معها وكأنّها شريك في تجارة ، فيحاسبها على كلّ شيء قد وقع منها يعدّ تعدّياً على حقوقه ، بل يقابل ما وقع منها من تقصير في حقوقه بالصفح والغفران.
__________________
(١) البقرة : ١٨٧.
(٢) الكشّاف ١ : ٢٠٧.
(٣) راجع التبيان للطوسي ٢ : ٢٤١ وراجع الجامع لأحكام القرآن للطبري ٢ : ٤٥٣.
ولهذا فقد روي أنّ امرأة جاءت إلى النبي صلىاللهعليهوآله فسألته عن حقّ الزوجة على الزوج؟ فقال : «… وإذا أذنبت غفر لها …» (١).
وقال الإمام الصادق عليهالسلام : «كانت امرأة عند أبي عليهالسلام تؤذيه فيغفر لها» (٢).
وقد ورد في وصية الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام لولده محمّد بن الحنفية إذ قال له : «ولا تملك المرأة من الأمر ما يجاوز نفسها ، فإنّ ذلك أنعم لها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها ، فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ، فدارِها على كلّ حال ، وأحسن الصحبة لها ليصفوا عيشك» (٣).
وبهذا يفهم أنّ الأوفق والأصلح لها عدم تحمّل مسؤوليات النفقة وقيمومة البيت.
وعلى كلّ حال ، فإنّ الدرجة في الآية الكريمة إمّا أن تكون بمعنى الصفح والغفران فيما لو تعدّت على بعض حقوق الزوج ، أو تكون بمعنى القيام بأمرها والمحافظة عليها ومساعدتها في الاُمور التي لا تقدر عليها ، كما لو كان هو المتبادر من الدرجة التي للرجال على النساء ، وهذا أمر طبيعي ، فإنّ كلّ من يغفر للآخر تعدّيه عليه أو يقوم بمساعدة الآخرين فهو له فضل درجة علية.
ولهذا نقول : بما أنّ الآية واردة في مقام التماثل بين الزوجين في الحقوق ـ لا في حقوق الرجال على النساء مطلقاً ـ فلايناسب أن يكون معنى الدرجة هو مسؤوليته الجهاد أو حقوق الميراث كما روي ذلك أيضاً ; لأنّ هذا إن كان فضلاً عليها فليس هو مختصّ بالتماثل في حقوق الزوجية التي كانت الآية بصددها.
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٤ : باب ٨٤ من مقدّمات النكاح ، حديث ٣.
(٢) وسائل الشيعة ١٤ : باب ٨٨ من مقدّمات النكاح ، حديث ١.
(٣) المصدر السابق : باب ٨٧ من مقدمات النكاح ، حديث ٣.
وعلى هذا فنرى أنّ الظاهر هو ندب الشارع الرجال إلى الأخذ على النساء بالفضل ، وما ذاك إلاّ العفو عنها ، كما أنّها إذا عفت الزوجة عن الرجل عند تقصيره في إعطاء حقوقها فيكون لها عليه فضل ، ولكن الشارع أراد الفضل للزوج عليها فندب إليه ، كما يظهر من تطبيق ابن عباس للفضل عليها ، أو أنّ الشارع أخبر عن فضل الرجال على زوجاتهم لقيامهم بتدبير اُمورهن ورعايتهن وحفظهن ، فإنّ هذا عبارة عن فضل للزوج على زوجته بالقيام بأمرها ولو كان هذا الفضل بسبب إيجاب الشارع النفقة والمسكن والقيمومة على الزوج.