تجب المواقعة كلّ أربعة أشهر مرّة
أقول : إذا كان للمرأة الحقّ في المعاشرة الجنسية متى احتاجت وطلبت من الزوج ، كما يحقّ للرجل المعاشرة الجنسية مع زوجته استناداً إلى آية (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) من حيث تقابل الحقوق ، فما معنى الروايات الواردة ـ عند الطرفين ـ بأنّ الزوج لا يجب عليه المعاشرة الجنسية إلاّ في كلّ أربعة أشهر مرّة واحدة ، والواجب عليه إدخال مقدار الحشفة فقط؟
ففي صحيحة صفوان بن يحيى عن الإمام الرضا عليهالسلام أنّه سأله عن رجل يكون عنده المرأة الشابة ، فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ، ليس يريد الإضرار بها ، يكون لهم مصيبة ، يكون في ذلك آثماً؟ قال عليهالسلام : «إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك» (١).
وصحيحة حفص بن البختري عن الإمام الصادق عليهالسلام قال : «إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه ، فإمّا أن يفيء ، وإمّا أن يطلّق ، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمولي» (٢).
وقد روى أهل السنّة أنّ الخليفة عمر بن الخطّاب عندما سمع شيئاً من زوجة أحد الصحابة الذاهبين للجهاد ، فسأل ابنته حفصة عن أقصى ما تستطيع المرأة أن تصبر عن زوجها ، فقالت : أربعة أشهر ، فأمر أن لا يزيد فراق الزوجات وإن كان
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٤ : باب ٧١ من مقدّمات النكاح ، حديث ١.
(٢) وسائل الشيعة ١٥ : باب ١ من الإيلاء ، حديث ٢.
للجهاد عن أكثر من أربعة أشهر.
أقول : وأنت ترى أنّ الروايات والقصّة كلّها واردة في حالات استثنائية ، لا يمكن سريانها على الحالات الاعتيادية ، فلا تبقى إلاّ المعاشرة بالمعروف ، فلاحظ.
٢ ـ لا يجب على الزوجة الخدمة المنزلية : (من كنس أو طبخ وترتيب البيت) بمقتضى عقد الزوجية ، بل الواجب ـ كما تقدّم ـ مقدّمات الاستمتاع بها من تنظيف وإزالة للمنفر والاستحداد ، والمساكنة مع الزوج وذلك :
١ ـ لعدم وجود أيّ دليل على وجوب الخدمات المنزلية على الزوجة في الروايات.
٢ ـ الأصل الأولي هو عدم سلطة أحد على أحد في عمل ما ، سواء كان زوجاً على زوجة أو أجنبي على آخر.
٣ ـ روايات تدلّ على استحقاق الاُم الاُجرة على إرضاع ولدها إذا طلبتها ، فقد قال تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) (١) وهذه الآية وإن وردت في الطلاق ، إلاّ أنّها لا تفرق من ناحية أخذ الاُجرة على الإرضاع إن طلبتها الاُم ، سواء كانت المرأة مطلّقة أم لا ، لأنّ محلّ الورود لا يخصص الوارد ، كما هو محرّر في علم الاُصول.
٤ ـ يجب على الزوج الإنفاق على الزوجة ، حيث جعل هو القيّم على تدبير اُمور الزوجة والمحافظة عليها بقوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض وَبِمَا أَنفَقُواْ).
ولذا قال صاحب الجواهر قدسسره معبّراً عن الرأي المشهور بين الشيعة الإمامية فقال : «أوجبوا على الزوج لزوجته نفقة الخادمة إن كانت الزوجة من أهل الإخدام لشرف أو حاجة ، والمرجع فيه العرف ، فإن كانت من أهل بيت كبير ولها شرف وثروة لا تخدم
__________________
(١) الطلاق : ٦.
بنفسها فعليه إخدامها وإن تواضعت في الخدمة بنفسها» (١).
نعم ، يستحب لها الخدمة في بيت الزوج من باب إعانة الزوج وإدخال السرور عليه ، وقد وردت روايات تدلّ على ذلك ، منها ما رواه الصدوق مسنداً إلى الإمام الصادق عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه قال : «أيّما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً ، نظر الله إليها ، ومن نظر الله إليه لم يعذّبه» (٢).
نعم ، قد يوجد ارتكاز ذهني عند عرف خاص على أنّ الزوجة يجب عليها القيام بأعمال المنزل من طبخ وكنس وترتيب ورعاية الأطفال ، وحينئذ سيكون قيام عقد الزوجية مبتنياً على هذا الارتكاز ، فتكون الخدمة المنزلية ورعاية الأطفال مشروطة في عقد الزواج ، فيجب على الزوجة القيام بها ، ويقتصر في وجوب الخدمة على القدر المتيقّن ، وهذا أمر خارج عن مقتضى عقد الزوجية ، بل هو نشأ من الارتكاز الذهني عند عرف خاص.
٣ ـ حقّ الزوجة في الإرواء الجنسي : إنّ الشريعة المقدّسة تعتبر الممارسة الجنسية ليست علاقة غريزية حيوانية محضة ، بل هي ممارسة عاطفية وأخلاقية وجمالية ، كما أنّها ليست امتيازاً للزوج ، لا يكون للزوجة فيها نصيب في المشاركة ، بل إنّ الزوجة هي شريك للرجل ، فيتفاعلان في الممارسة الجنسية ويشتركان في تأهيل نفسيهما لها.
فقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام قوله : «إذا جامع أحدكم فلايأتيهن كما يأتي الطير ، ليمكث وليلبث» (٣).
وعن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله
__________________
(١) راجع جواهر الكلام ٣١ : ٣٣٦ ـ ٣٣٨.
(٢) وسائل الشيعة : باب ٦٧ من أحكام الأولاد ، حديث ١.
(٣) وسائل الشيعة ١٤ : باب ٥٦ من مقدّمات النكاح ، حديث ١.
فلايعجّلها» (١).
وعن الصدوق في حديث الأربعمائة : «إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلايعجّلها ، فإن للنساء حوائج» (٢).
فهذه الروايات وإن لم تكن تفيد حكماً إلزامياً وجوبياً ; لأنّها مقيّدة بإرادة الإنسان ، ولو كان واجباً لما قيّد بالإرادة ، إلاّ أنّه يستفاد منه الإرشاد إلى قضية حقّ المرأة في الإرواء الجنسي ، فالزوج وإن كان حقّ المبادرة للعملية الجنسية هو له ، وعلى الزوجة الاستجابة ، إلاّ أن كيفية العملية الجنسية تشترك فائدتها للطرفين.
وأمّا حقّ العزل عن المرأة فقد وردت روايات تمنع من العزل عن الحرة إلاّ بإذنها ، وروايات تقول بأنّ الماء هو ماء الرجل يضعه حيث شاء. فالاُولى تحرّم العزل عن الحرة إلاّ إذا وافقت على ذلك ، والثانية تجيز العزل ، فحَمَلَ الفقهاء روايات المنع إلاّ بإذنها على الكراهة.
ولكن إذا ثبت أنّ العزل عن المرأة يكون في ضررها ; لعدم استيفائها حاجتها من الإرتواء الجنسي ، أو ثبت أنّ العزل عن المرأة يوجب ضرراً لها كالخلل النفسي والعصبي ، فسوف يكون الجمع بين الروايات المانعة من العزل إلاّ بإذنها وروايات الجواز هو حمل روايات الجواز على العزل الذي لا تتضرّر به الزوجة ، وأمّا روايات المنع إلاّ بإذنها فتُحمل على تضرّرها بالعزل ، فيكون حراماً ، إلاّ إذا وافقت على ضررها ولو لمصلحة عدم حملها ، كأن يكون حملها أكثر ضرراً من ضررها العصبي والنفسي فلاحظ.
٤ ـ حقّ الزوجة في المضاجعة : والمضاجعة هو حقّ المبيت عندها في المكان
__________________
(١) المصدر نفسه : حديث ٢.
(٢) المصدر نفسه : حديث ٤.
الذي تنام فيه ليلة من كلّ أربع ليال. وهذا حقّ آخر غير حقّ الوطء ، فالزوج له أن يكتفي بالمبيت فقط ، كما له الحقّ في المجامعة ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام قوله : «إنّما عليه أن يبيت عندها ليلتها ويظلّ عندها إلى صبيحتها ، وليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك» (١).
وقد عرّف صاحب الرياض المضاجعة بقوله : «وهي أن ينام معها قريباً منها عادة ، معطياً لها وجهه دائماً أو أكثرياً ، بحيث لا يعدّ هاجراً وإن لم يتلاصق الجسمان» (٢).
٥ ـ حقّ الزوجة في التكريم والعفو عنها إذا أخطأت : فيجب على الزوج أن يتصرّف معها بكرامة إنسانية ومودّة عاطفية ، وإذا أخطأت غفر لها وسامحها. وهذا هو المعنى المتقدّم للمعاشرة بالمعروف ، وأنّ الزوج له عليها درجة في مسامحتها والغفران لها.
فقد ورد في معتبرة صفوان ، عن إسحاق بن عمار ، قال : قلت للصادق عليهالسلام : ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال : «يشبعها ويكسوها ، وإن جهلت غفر لها» (٣).
وفي رواية الصدوق عن الإمام زين العابدين عليهالسلام في رسالة الحقوق قال : «وأمّا حقّ الزوجة فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ جعلها سكناً وأنيساً ، وتعلم أنّ ذلك نعمة من الله عزّ وجلّ عليك فتكرمها وترفق بها …» (٤).
ويؤيّد ما تقدّم ما ذكر من روايات أهل السنّة عن حكيم بن معاوية القشيري قال : قلت : يا رسول الله ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟ قال : «أن يطعمها إذا طعمت ،
__________________
(١) وسائل الشيعة باب ٥ من النشوز ، حديث ١.
(٢) الشرح الصغير على المختصر النافع ٢ : ٣٩٤.
(٣) وسائل الشيعة باب ٨٨ مقدّمات النكاح ، حديث ١.
(٤) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٣٧٨.
ويكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلاّ في البيت».
أي لا تقول لها قبيحاً ولا تهجرها إذا فعلت ما يوجب التقبيح والهجر إلاّ في البيت ، وهذا هو من مصاديق التكريم حتى إذا أخطأت وفعلت ما يوجب الهجر من دون سبب من الزوج.
ثمّ إنّ الغفران هنا واجب على الزوج ; لأنّه وارد في جواب السؤال عن حقّ الزوجة وفي سياق النفقة الواجبة ، فلاحظ.
المرأة الأُمّ
إنّ القرآن الكريم يوجب الإرضاع للولد الذي ولدته أُمّه فصارت أُمّاً بذلك ، قال تعالى : (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (١) ، فإنّ جملة «يرضعن» ظاهرة في الإنشاء لا الإخبار ; لعدم تطابقه مع الواقع الخارجي على نحو كلّي.
وقد يقال : إنّ الفقهاء حملوا إرضاع الولد حولين كاملين على الاستحباب ; وذلك لأنّ الآية الكريمة في صدد بيان مدّة الرضاع لمن أراد أن يتمّ الرضاعة ، لا لبيان أصل وجوب الإرضاع عليهن بالذات ، على أنّ الحكم الإلزامي لا يعلّق على إرادة الإنسان.
وحينئذ يقال : إنّ الاستحباب إتمام الرضاعة للحولين كما قالت الآية الكريمة ، فإن لم يكن هناك أدلّة على وجوب إرضاع الاُمّ لولدها على نحو التعيين والتخصيص ، إلاّ أنّه يوجد واجب كفائي على كلّ من يقدر على تغذية هذا المولود
__________________
(١) البقرة : ٢٣٣.
الجديد ورعايته وحفظه من الموت ، والاُمّ أحد الأفراد المأمورين بذلك خصوصاً اللباء : وهو أول اللبن في النتاج ، فقد قيل : إنّ الولد لا يعيش بدونه (١) ، ولكن الصحيح إنّ الولد لا يقوى ولا تشتد بنيته إلاّ باللباء ، فحينئذ يجب على كلّ الناس ومنهم الاُمّ إرضاع الوليد هذا اللبن ، سواء كان منها أو من غيرها إذا حصلت ولادة مقارنة لها.
ثمّ إنّ مدّة الرضاع هي إحدى وعشرين شهراً ، كما أشارت الآيات القرآنية التي ذكرت أنّ حمله وفصاله ثلاثون شهراً ، فقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الاِْنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً) (٢).
فإذا عرفنا أنّ مدّة الحمل الطبيعية الغالبة تسعة أشهر ، يتبيّن لنا أنّ مدّة الرضاع هي واحد وعشرون شهراً واجبة على الاُمّ إن لم يكن مرضعة اُخرى له ; لأنّ غذاء الطفل واجب على كلّ من يقدر على تغذيته بالواجب الكفائي.
ولكن هل هذا الرضاع الواجب على كلّ من يقدر عليه يكون بلا أجر؟
الجواب : إنّ الدليل القرآني ذكر أنّ المرأة الزوجة لها الحقّ في أخذ الاُجرة على هذا الرضاع حيث قالت الآية القرآنية في سورة الطلاق (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوف وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى) (٣).
فالحقّ الذي للطفل الذي تقدّم الكلام عليه يبقى كما هو ، إلاّ أنّه حقّ للطفل بأجر كما صرحت بذلك الآية الكريمة وإن كان حقّ الاُمّ في إرضاع ولدها مقدّم على غيرها إذا طالبت أجراً متعارفاً ، ولكن عند التعاسر والطلب غير المتعارف للأجر
__________________
(١) إلاّ أنّ هذه الدعوى يكذّبها الوجدان ، فإننا شاهدنا وعاصرنا من ولد ولم يرضع اللباء ، وعاش عيشة متعارفة ، إلاّ أنّه عليل البدن مريض الحال.
(٢) الأحقاف : ١٥.
(٣) الطلاق : ٦.
يعطى الحقّ للأب في إعطاء الولد للرضاعة فقط لامرأة اُخرى بأجر متعارف.
ثمّ إنّ الأدلّة الشرعية من الروايات الكثيرة جعلت حقّ حضانة الولد إلى الأُمّ ، فإن كان ذكراً فالحضانة سنتان ، وإن كانت اُنثى فالحضانة سبع سنين على المشهور وإن كان هناك قول قوي يقول : بأنّ الحضانة في الذكر والاُنثى مدّة سبع سنين.
ومن الواضح أنّ جعل حقّ الحضانة بيد الأُم لأجل إعطاء مجال لها لتمارس دورها التربوي خاصة في المراحل المبكّرة للولد ، حيث تكون الأُم هي الأنسب من الأب لما تحمله من رقّة وحنان ، ولأجل إرواء نهمها لأن تكون أمّاً مربية تنعم بولدها في مراحل حياته كلّها.