الرئيسية / القرآن الكريم / آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره

آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره

المبحث الرابع

اليهود .. والاستشراق

لا شك أن اليهود وجدوا فرصتهم في الاستشراق لتحقيق أهدافهم الدينية والسياسية. فلتحقيق أهدافهم الدينية ركز اليهود في أبحاثهم على إضعاف الإسلام والتشكيك في قيمته بإثبات فضل اليهودية على الإسلام بادعاء أن اليهودية هي مصدر الإسلام الأول.

أما لتحقيق أهدافهم السياسية فقد عمل اليهود لخدمة الصهيونية فكرة أولا ثم دولة ثانيا.

فالظروف كلها تؤكد أن كتاباتهم تعزز هذا الرأي (١).

أما سبب عدم تصريح اليهود بهذه الأهداف فيرجع إلى أن اليهود استطاعوا أن يكيفوا أنفسهم ليصبحوا في إطار الحركة الاستشراقية الأوربية النصرانية. فقد دخلوا الميدان بوصفهم الأوربي لا بوصفهم اليهودي حتى استطاع بعضهم أن يصل لمقام مرموق في الاستشراق كاليهودي (جولد تسيهر) الذي أصبح زعيم علماء الإسلاميات في أوربا بلا منازع. ولا تزال كتبه حتى اليوم تحظى بالتقدير العظيم والاحترام الفائق من كل فئات المستشرقين.

وكذلك لم يظهر اليهود أنفسهم بوصفهم يهودا حتى لا يعزلوا أنفسهم عن المجتمع. خاصة أنهم منبوذون في كل مجتمع وبالتالي يقل تأثيرهم. فبهذا النهج الذي سلكوه وبذلك كسبوا مرتين : كسبوا أولا فرض أنفسهم على الحركة

__________________

(١) الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي ص ٥٣٤.

٦٩

الاستشراقية وكسبوا ثانيا بتحقيق أهدافهم بالنيل من الإسلام ، وإضعاف الروح المعنوية للمسلمين لتضعف مقاومتهم بالتالي لليهود.

وتاريخ اليهود مع الإسلام وحقدهم عليه وحربهم له قديم منذ أن بعث الله سيدنا محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بهذا الدين العظيم.

قال تعالى : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ..)(١).

وقد بقي اليهود يتحينون كل فرصة لحرب الإسلام والكيد له وتحريض من يقف في حربه فكانت الفرصة مواتية لهم بظهور الحركة الاستشراقية متسترين تحت رداء العلم (٢).

وكان من بين هؤلاء المستشرقين اليهود :

١ ـ جولد تسيهر اليهودي المجري وكتبه كلها مليئة بالافتراءات والأباطيل ضد الإسلام. مثل كتابه : (العقيدة الإسلامية) و (مذاهب التفسير الإسلامي) ولنا وقفة طويلة مع افتراءاته في موطنها من الرسالة.

٢ ـ مكسيم رودنسون ـ يهودي ماركسي ـ ألف كتابا بالفرنسية عن محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والكتاب مشحون بالافتراءات الاستشراقية على الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ورسالته وكثير من هذه الافتراءات مستمدة من التفسير المادي (الاقتصادي) للتاريخ عند «كارل ماركس».

ومن التحليل النفسي (الجنسي) للإنسان عند سيجموند فرويد ـ وكلها افتراءات ساقطة مبتذلة نعف عن مجرد ذكرها (٣).

__________________

(١) سورة المائدة آية ٨٢.

(٢) الاستشراق ـ زقزوق ـ ٤٨ ـ ٥٠ بتصرف.

(٣) رؤية إسلامية للاستشراق ص ٤٩ ـ ٥٠.

٧٠

٣ ـ دافيد سانتلانا (١٨٥٥ ـ ١٩٣١ م) يهودي سياسي جامعي. ولد في أسرة يهودية في تونس ومن أصل أسباني قديم وأسرته تحمل الجنسية الإنكليزية. كان أبوه قنصلا بريطانيا في تونس. وحاول (سانتلانا) أن يقيم تشابها بين الفقه الإسلامي وبين القانون الروماني والقانون الأوربي الحديث.

مع أن هذه المحاولة لا يقوم عليها دليل ، أو حجة سليمة فقد خدمت روحه وتطلعاته الاستشراقية انكلترا وإيطاليا وفرنسا معا.

وكان أكثر اهتماماته بالحركة الصوفية ورجالها ومبادئها وربطه بالتصوف اليوناني الأفلاطوني والتصوف المسيحي (١) … إلخ.

٤ ـ «ليفي بروفنسال» في المغرب العربي. يهودي فرنسي استعماري وكان أستاذا جامعيا في جامعة (تولوز) في باريس ولد في الجزائر العاصمة من أسرة يهودية ، وشب على أيدي كبار المستشرقين الفرنسيين أمثال : «رينيه باسيه» و «جيروم».

واستطاع بذكائه الماكر أن يخفي مشاعره اليهودية ، على الرغم من تورطه في كثير من كتاباته في الإساءة للإسلام والتنصير من مجتمع المسلمين مما حقق له ولأمثاله لمعانا وشهرة في مجتمعاتهم وبين قومهم.

وقد ركز في كتاباته على إهمال البعد الديني في انتشار الإسلام السريع والمبكر في العالم حينذاك زاعما أن ذلك لحب السيطرة وجمع الثروة ، وبخاصة في الأندلس والمغرب العربي ، وقد صور العرب طبقة أرستقراطية خاصة في الأندلس (٢).

٥ ـ بول كراوس (١٩٠٤ ـ ١٩٤٤) تشيكي سياسي جامعي صهيوني (٣). وغير هؤلاء كثير.

__________________

(١) مستشرقون ـ سياسيون ـ جامعيون ـ مجمعيون ـ نذير حمدان ص ٩٨ وما بعدها.

(٢) مستشرقون ـ نذير حمدان ص ١٠٣ ـ ١٠٨.

(٣) نفس المرجع السابق ص ١٠٨ وما بعدها.

٧١
٧٢

المبحث الخامس

طوائف المستشرقين

لم يكن المستشرقون على درجة واحدة في دراسة الإسلام خاصة والدراسات الشرقية على وجه العموم ، مع أنهم جميعا تزيوا بمسوح العلم وأظهروا الولاء والإخلاص للبحث والتقصي إلا أن الكثير منهم أساءوا للعلم وأهله بمناهجهم الفجة ، وتسخيرهم إياهم لأغراضهم الخاصة.

ويمكن تقسيم هؤلاء المستشرقين بالنسبة لموقفهم من الإسلام إلى فئات :

١ ـ طائفة لم تملك الفهم اللغوي والبلاغي الدقيق ، فأخطئوا بسبب ذلك في فهم النصوص ومصطلحاتها البلاغية والبيانية وحملوها ما لا تحتمل ، وصرفوا دلالاتها ومقاصدها عن حقيقتها وأتوا بأمور شكلية ، ونتائج خاطئة وهؤلاء كثير ؛ كالذي ألف قاموس «المنجد» حيث أحصى الدكتور مصطفى جواد أغلاط المنجد فقط المقصودة والتي مبعثها الجهل بالعربية إلى «ثلاثمائة وأربعة وعشرين» غلطا.

٢ ـ طائفة أثرت في دراساتهم مآرب السياسة ، والتعصب الديني (التنصيري) أو الصهيوني ، فوجهوا الحقائق وفسروها بما يوافق أغراضهم وأهدافهم.

ومن المؤسف أن يسخر هؤلاء العلم الذي يسمو به الإنسان ، ويحرر من عبودية الجهل والعادة الخاطئة والوصول به للإنسانية الكاملة لإذلال الإنسان أو استعباده أو الطعن في تراثه وعقيدته بغير حق. (١) أمثال : «جب» وشاتليه ،

__________________

(١) المنتقى في دراسات المستشرقين ص ج ، د من التمهيد.

٧٣

وكريستان سنوك هيروجرونجيه ، وجولد تسيهر ، وإبراهام كاش ، وغيرهم.

فهؤلاء كانوا يبحثون عن مواطن الضعف في الشريعة الإسلامية والحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي .. إلخ.

٣ ـ طائفة أوتيت سعة من العلم والتمكن في العربية ، والإخلاص للبحث ، والتحرر ، والإنصاف ، والتجرد من الأهواء ، فآتت دراساتهم ثمراتها ، فمنهم من وصل نور الإسلام لنفسه وقلبه فقال فيه كلمة حق ولم يؤمن أمثال : توماس كارليل ، وجوستاف لوبون ، وأميل درمنجم ، والبارون كاراديفو ، وغيرهم.

ولا يعني هذا أنهم لم يقعوا في أخطاء تجاه الإسلام.

ـ ومنهم من بهره الإسلام بحقائقه فوصل إلى قلبه نوره فآمن به أمثال : اللورد هدلي ، وإتيان دينيه ، ولوين روس ، والدكتورة لورافنيسيا فاليري ، وموريس بوكاي ، وغيرهم كثير.

ـ ومنهم من آمن به فكريا فقط فتراجع عن افتراءات القرون الوسطى أمثال : رينان ، وأوغست كونت ، ورينوتويب الذي ألف كتابا له يعتذر فيه للإسلام ويدافع عنه باسم (اعتذار إلى محمد والإسلام) (١).

٤ ـ طائفة منهم كانوا يعينون لهم غاية أو يضعون لهم قاعدة كلية توهما ثم يبدءون بجمع المعلومات لها سواء كانت من مصادر أصيلة أو غير أصيلة.

كما لاحظنا هذا في أعمال «جولد تسيهر» حيث كان يقول بنتائج خطيرة ويقرر مسائل هامة قبل بدايته في البحث ويأتي لها بأدلة من كتب النوادر والفكاهة والمجون ، أو كتب الحيوان .. إلخ (٢).

٥ ـ طائفة منهم كانوا يضعون في كتاباتهم مقدارا خاصا من السم ، ويحترسون في ذلك فلا يزيدون على هذه النسبة حتى لا يستوحش القارئ ولا

__________________

(١) الحركات الإسلامية والقوى المضادة ـ الكيلاني ص ١٥.

(٢) الإسلاميات بين كتابات المستشرقين والباحثين المسلمين ـ الندوي ص ١٦.

٧٤

يثير ذلك منه الحذر ولا تضعف ثقته بنزاهة المؤلف ممن هم ليسوا من أهل الاختصاص ، أو من متوسطي العقل. أمثال : جوستاف لوبون كما جاء في كتابه (حضارة العرب) وبروكلمان في كتابه (تاريخ الأدب العربي) وغيرهما (١).

٦ ـ طائفة دفعهم لدراسة العلم الشغف العلمي ، وحب الاطلاع فبذلوا في دراسة الشرقيات عامة والإسلام خاصة جهودا مضنية. فظهر على أيديهم دراسات طيبة ، وحققوا من كتب التراث ، أو صنفوا فيه كتبا أخذت حظها من الاحترام والموثوقية حتى غدت مرجعا لأبناء جنسهم وللمسلمين على حد سواء .. أمثال : «البروفيسور ت. و. آرنولد صاحب كتاب (الدعوة إلى الإسلام) «واستانلي بول» وكتابيه «صلاح الدين الأيوبي» و «العرب في الأندلس» و «د / سبرنجر» صاحب المقدمة النفيسة لكتاب (الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني) و «إدوارد لين» صاحب (المعجم العربي الكبير) ، وهو في تسع مجلدات شرح فيه مواد اللغة العربية باللغة العربية شرحا موسعا والكتاب فيه فوائد لعلماء اللغة العربية والنحو ولغيرهم.

وأشرف الأستاذ «أ. ي. ونسنك» على كتاب (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث) وهو لمجموعة من المستشرقين حيث فرغوا فيه تسعة من كتب الحديث. وغيرها كثير (٢).

٧ ـ طائفة منهم (إلحادية) درست الإسلام بنوايا الحرب السافرة للأديان عموما ، ولفض الناس من حولها (٣). ومن هؤلاء : «م. ر. رحماتوف» كاتب اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والسفير للاتحاد السوفياتي بموريتانيا. حيث ألف كتابه (هل يمكن الاعتقاد بالقرآن) بهجوم سافر وأسلوب مفضوح.

وقد رد على هذا الكتيب الأستاذ «عبد الله كنون» جزاه الله خيرا ..

__________________

(١) الإسلاميات ص ١٧.

(٢) الإسلاميات للندوي ص ١٣ ـ ١٤.

(٣) الحركات الإسلامية والقوى المضادة ـ نجيب الكيلاني ص ١٢١.

٧٥

شاهد أيضاً

أدعية أهل البيت عليهم السلام في تعقيب الصلوات

القسم الثاني التعقيبات العامة وما يدعى به بعد الفرائض الخمس ١٥٧ ١٥٨ قال السيد الخوئي ...