الرئيسية / القرآن الكريم / مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) – الشيخ جعفر السبحاني – ج 1٠

مفاهيم القرآن (العدل والإمامة) – الشيخ جعفر السبحاني – ج 1٠

/ القرآن الكريم / مفاهيم القرآن الكريم

الفصل الثاني مظاهر العدل الإلهي في عالم الخلق آيات الموضوع 1 – * (خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) * . (1) 2 – * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) *. (2) 3 – * (والسماء رفعها ووضع الميزان) *. (3) إن لعدله سبحانه مظاهر في عالم الخلق والتشريع، وسنعرض في هذا الفصل مظاهر عدله في عالم الخلقة.
* 1 – السماوات ورفعها بغير عمد يقول سبحانه في هذا الصدد: * (خلق السماوات بغير عمد ترونها) *.
(١) لقمان: ١٠.
(٢) فاطر: ٤١.
(٣) الرحمن: ٧.
(٢١)

إن رفع صرح هذا البناء الشامخ دون الاستعانة بدعائم مرئية يكشف عن تناغم دقيق في عالم الخلقة، ولولاه لتداعت أركان العالم وانهارت، وهذا النظام الرائع تقاسمته قوتا الجاذبية والطاردة (النابذة)، وفي ظل التعادل القائم بينهما انتظمت حركة النجوم والكواكب والمجرات في مساراتها.
فالجاذبية قانون عام جار على جميع الأجسام في هذا العالم، وهي تتناسب عكسيا مع الحد الفاصل بين الجسمين إذ تتعاظم كلما تضاءلت المسافة، وتتضاءل كلما ازدادت الفاصلة، فلو دارت رحى النظام الكوني الدقيق على قوة الجاذبية فقط لارتطمت الكواكب والنجوم بعضها مع بعض ولتداعى النظام السائد، ولكن في ظل قانون الطرد يحصل التعادل المطلوب، وقوة الطرد تلك تنشأ من الحركة الدورانية للأجسام.
ومهما يكن من أمر ففي ظل هاتين القوتين تبقى الملايين من المنظومات الشمسية والمجرات معلقة في الفضاء دون عمد، وتحول دون سقوطها وفنائها، وإلى هذه الحقيقة يشير القرآن الكريم، ويقول: * (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها) *. (1) وتتضح دلالة الآية من خلال ملاحظة أمرين:
الأول: إن قوله ” ترونه ” وصف ل‍ ” عمد ” وهي جمع عمود.
الثاني: إن الضمير في ” ترونها ” يرجع إلى الأقرب الذي هو ” عمد ” لا إلى السماوات التي هي أبعد، ومعنى الآية أنه سبحانه رفع السماوات من دون أعمدة مرئية، وهو لا ينفي العمود بتاتا، بل وإنما ينفي العمود المرئي، ولازم ذلك وجود العمد في رفع السماوات من دون أن يراها البشر، وهذا هو المعنى الذي اختاره ابن
(١) الرعد: ٣ –
(٢٢)

عباس وغيره. (1) وهو الظاهر مما رواه الحسين بن خالد، عن علي بن موسى الرضا عليه السلام، فإنه عليه السلام قال في تفسير الآية: ” أليس الله يقول: بغير عمد ترونها؟ ” فقلت: بلى، قال: ” ثم عمد لكن لا ترونها “.
ويؤيده ما روي عن الإمام علي عليه السلام، أنه قال: ” هذه النجوم التي في السماء مدائن مثل المدائن التي في الأرض، مربوطة كل مدينة إلى عمود من نور “. (2) ورواه الطريحي أيضا لكن قال: ” عمودين من نور ” مكان قوله ” عمود من نور “. (3) ولعل المراد من العمودين هما قوتا الجاذبية والطاردة.
إن الكتاب الكريم صاغ الحقيقة المكتشفة من قبل ” نيوتن “، بعبارة يسهل فهمها على عامة الناس، وقال: * (بغير عمد ترونها) *.
وقد أشار سبحانه في غير واحد من الآيات، أنه سبحانه هو الممسك للسماوات من الزوال، وقال: * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) *. (4) وكونه سبحانه هو الممسك لا يمنع من وجود علل طبيعية حافظة لسقوط السماوات وزوالها، فقد جرت سنته سبحانه على تدبير العالم من خلال العلل الطبيعية التي هي من سننه سبحانه وجنوده الغيبية.
وأشار الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في غير واحد من خطبه إلى خلقة الأرض، وقال: ” أرساها على غير قرار، وأقامها بغير قوام، ورفعها بغير دعائم “.
وعلى كل تقدير فالتوازن الموجود في خلق السماوات والأرض هو مظهر من
(١) التبيان: ٦ / ٢١٣.
(٢) سفينة البحار: مادة نجم.
(٣) مجمع البحرين: مادة كوكب.
(٤) فاطر: ٤١.
(٢٣)

شاهد أيضاً

تحف العقول – ابن شعبة الحراني

بسم الله الرحمن الرحيم * (ما روى عن النبي صلى الله عليه وآله في طوال ...