المبحث الثالث
كتاب القرآن
لمؤلفه : ريجي بلاشير (١)
تعريف بالمؤلف :
ولد ريجي بلاشير في ٣٠ يونيو سنة ١٩٠٠ م في ضاحية مونروج في (باريس) ، ثم سافر إلى المغرب سنة ١٩١٥ م وتلقى فيها دراسة الثانوية والجامعية فقد حصل على الليسانس منها سنة ١٩٢٢ م.
ثم سافر بعدها للجزائر وتابع بعد ذلك دروس أستاذه «وليم مرسية» حتى حصل على الدكتوراة من جامعة باريس سنة ١٩٣٦ م ، ثم عين بعدها مدرسا في المدرسة الوطنية للغات الشرقية لسنة ١٩٥٠ م. ثم أستاذا الكرسي اللغة والأدب العربي في (السوربون) لغاية سنة ١٩٧٠ م حين تقاعد وشغل عدة مناصب غيرها. وله عدة مؤلفات منها :
١ ـ القرآن وهو قيد التعريف في هذه الدراسة.
٢ ـ مقدمة عن القرآن وسأعرف به كذلك لاحقا.
٣ ـ ترجمة القرآن الكريم باللغة الفرنسية مرتبا السور والآيات حسب النزول. ثم أعاد الترجمة سنة ١٩٥٧ م حسب ترتيب المصحف.
٤ ـ له كتاب لخص فيه أبحاث المستشرقين الذين كتبوا عن حياة النبي محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ.
__________________
(١) انظر المستشرقون نجيب العقيقي ١ / ٣٠٩ ـ ٣١٢. وموسوعة المستشرقين ـ بدوي ص ٨٢.
٥ ـ كتاب بعنوان (معضلة محمد).
وله عدة أبحاث حول القرآن وغيره منها :
٦ ـ نبذة عن النفس في القرآن ـ نشر هذا البحث في مجلة الساميات ١ ، ١٩٤٨ م.
التعريف بالكتاب :
صدر هذا الكتاب باللغة الفرنسية. ترجمه للعربية الأستاذ «رضا سعادة» وأشرف على الترجمة د. الأب فريد جبر. وحققه وراجع نصه الشيخ محمد على الزغبي. طبعة دار الكتاب اللبناني ـ بيروت ـ ط ١ لسنة ١٩٧٤ م.
وهو يقع في (١٧٩) صفحة من القطع المتوسط وهو في سبعة فصول :
الفصل الأول ـ :
وهو بعنوان : (المصحف بنيته وتكوينه):
تحدث «بلاشير» في هذا الفصل عن نشأة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في الجزيرة العربية ومقدار تأثره باليهودية والنصرانية ، ثم تحدث فيه عن جمع القرآن الكريم مقررا أن أول جمع تم في عهده ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وذلك بتأثره باليهود ـ لأنه أحب أن يكون له كتاب خاص به كما لليهود كتاب ـ ثم تحدث عن الجمع الثاني في عهد «أبي بكر» ـ رضي الله عنه ـ والجمع الثالث في عهد الخليفة الثالث «عثمان بن عفان» ـ رضي الله عنه ـ.
ثم انتقل للحديث عن القراءات القرآنية ودورها في فهم النص القرآني. واعتراض بعض العلماء عليها زاعمين أنها تهدم قدسية النص القرآني. ثم تحدث عن موقف بعض الفرق الإسلامية من النص القرآني.
ثم تحدث بعد ذلك عن ترتيب الآيات والسور القرآنية في القرآن الكريم وتفسير القرآن إلى أجزاء ، زاعما أن القرآن فيه بلبلة فكرية وختم هذا الفصل بالثناء على «نولديكه» وتجربته في ترتيب المصحف ترتيبا زمنيا.
الفصل الثاني ـ :
وعنوانه : (الرسالة القرآنية في مكة):
تعرض في هذا الفصل لأسلوب القرآن المكي ، والسور المكية وأن هذا الأسلوب كان متأثرا بشبح اليوم الآخر الذي كان يخيم على فكر الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وهذه الفرية قد سبقه بها المستشرق «كازانوفا» ثم زعم «بلاشير» أن هذه القضية هي السبب في مجيء السور على نوعين :
الأول : سور قصيرة وهي بسيطة في إيحاءاتها ، وهي في إحدى عشرة سورة موزعة في المصحف.
الثاني : سور آياتها أطول في اثنتين وعشرين سورة تبتدئ بسورة الكهف وتنتهي بسورة النجم ، وهي مختلفة العناصر والأسلوب وقد ذكر أن كلا النوعين جاء لتثبيت العقيدة والتركيز عليها.
وقد لخص في نهاية الفصل أسلوب السور المكية زاعما أن القرآن في هذه الفترة كان مضطربا.
الفصل الثالث ـ :
وعنوانه : (رسالة القرآن في المدينة):
ذكر «بلاشير» أن الوحي في هذه الفترة قد تطور حتى أصبحت سوره تمتاز بالطول. وهي أربع وعشرون سورة.
ثم ختم الفصل ببعض القضايا الخاصة بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وببعض المشاكل الخاصة بالوحي كمعالجته للنظام القبلي ، وغير ذلك.
الفصل الرابع ـ :
وعنوانه : (الواقعة القرآنية وعلوم القرآن):
تحدث في هذا الفصل عن التنزيلات التي نزلت على رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ
وبلغها للناس من انقلابات سياسية ، واجتماعية ، وتطورات فكرية وأخلاقية ، ونظرات علمية ودينية ، وما أدت هذه التنزيلات من تقدم حضاري وتمدن واضح في المجتمعات الإسلامية ، كما تحدث عن دور اللغة في هذا التمدن. ثم تعرض للأسلوب القرآني ودوره في إيجاد مذاهب تفسيرية كالتفسير النحوي لأهل البصرة وما نتج عن هذا الأسلوب من قراءات مختلفة.
ثم تحدث عن أسلوب القرآن المكي وما أحدثه من تفوق إبداعي في جانب الإعجاز القرآني ، والعلوم ذات العلاقة بالبلاغة كالاستعارة ، والمجاز ، وغيرهما. مما حدا بالتفسير أن يظهر بعد ذلك كعلم مستقل.
الفصل الخامس ـ :
وعنوانه : (التفسير القرآني ـ أصوله وأغراضه):
ذكر المؤلف في هذا الفصل أن بدايات هذا العلم كان من عهد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ثم تابع سيره ملازما للسلطة المرتبطة بهذا الوحي.
ثم تحدث عن الصعوبات التي كانت تواجههم لخدمة هذا العلم كعدم ثبوت الخط العربي الذي نتج عنه غموض في اللهجات ، وتعدد في القراءات سببت نشأة علم التفسير.
كما أنه ذكر أن من أسباب تطور هذا العلم تعدد الفرق الإسلامية وحرصها على دعم آرائها بالنصوص القرآنية وحمل شروحها لما يوافق آراءهم. مما أظهر نوعين من التفسير.
١ ـ التفسير اللفظي.
٢ ـ التفسير التأويلي.
ثم ذكر بعض مشاهير المفسرين ، وأهم كتب التفسير : كتفسير الإمام الطبري وهو التفسير بالمأثور.
ثم ذكر أنه ظهر في النصف الثاني من القرن الحادي عشر ، تفسير غلب عليه الطريقة الكلامية بقيادة الإمام «الرازي» ـ رحمهالله ـ ثم انتشر بعد ذلك ألوان عدة من التفسير ، كالتفسير العقلي في مدرسة الشيخ «محمد عبده».
الفصل السادس ـ :
وعنوانه : (القرآن والسنة مصدر العقيدة والشريعة في الإسلام).
تكلم في هذا الفصل عن السنة ودورها في التعرف على سيرة الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وتاريخ نزول القرآن وتأثيره على مفهوم النسخ ، وفهم النص القرآني. كما تعرض لموقف بعض الفرق من النص القرآني كالجبرية ، والقدرية.
كما ذكر أن للسنة دورا في ظهور مدرسة التأويل بالحديث. ثم تحدث عن كون القرآن مصدرا للأحكام الشرعية كالزنا ، والخمر ، والربا ، والحرابة ، وغيرها.
ثم تحدث بعد ذلك عن مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن والسنة ، كالإجماع ، والقياس ، والاجتهاد.
ثم ختم الفصل بدور مدرسة «محمد عبده» بالرجوع للمصدرين الكتاب والسنة.
الفصل السابع ـ :
وعنوانه : (القرآن في الحياة الإسلامية والمجتمع الإسلامي):
تكلم في هذا الفصل عن مكانة القرآن في نفوس المسلمين وما له من تأثير عليهم ، ومقدار اعتناء المسلمين به بتحفيظه لأبنائهم ، وما عليه معلم القرآن في السابق وفي الوقت الحاضر من الاحترام والتعظيم عند المسلمين.
ثم تحدث عن تعامل المسلمين مع القرآن في عباداتهم كالصلاة المفروضة والنافلة. ثم تعرض لبعض استخدامات القرآن في شئون بعض المسلمين الخاصة كحرز يحميهم من السحر وغيره.
ثم تحدث بعد ذلك عن هيئة القراء خلال تراتيلهم ، واعتناء المسلمين الزائد بالمصاحف حتى دعاهم ذلك لتسجيلها على جدران المساجد ، وتخصص بعض الخطاطين بنسخ المصحف. وتزيين المصاحف ببعض الألوان الذهبية ، ولزيادة عنايتهم به فتح له إذاعة خاصة تبثه عبر الأثير.
كما ختم الفصل في الحديث عن دور القرآن الكريم في حل مشاكل المسلمين السياسية والاجتماعية ، وغيرهما.
تقويم الكتاب وهدف المؤلف من تأليفه :
كتابات «بلاشير» إجمالا تتسم بالطعن الشديد في الإسلام والقرآن. فهذا الكتاب على ما فيه من معلومات ، وما بذل فيه من جهد منبعه الروح الغربية ، حمل في طياته مجموعة من الأخطاء أفقدت الكتاب كثيرا من قيمته. فقد زعم المؤلف في الفصل الأول أن القرآن مضطرب ، وفيه بلبلة فكرية. وهذا الزعم عين ما صرح به «جولد تسيهر» في مؤلفاته.
كما ركز المؤلف في دعواه بتأثر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ خلال تأليفه القرآن بالبيئة التي نشأ فيها من يهودية ونصرانية وموروثات جاهلية.
ومما تابع فيه «بلاشير» «كازانوفا» خطأ دعواه في الفصل الثاني والثالث أن تركيز السور المكية على اليوم الآخر بهذا الأسلوب المتميز كان سببه شبح اليوم الآخر وأهواله الذي كان مخيما على فكر الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى غير ذلك من الأخطاء التي رددها هذا المؤلف في ثنايا صفحات كتابه.
والكتاب في فصوله الأخيرة أشبه ما يكون وصفيا للنقاط التي تعرض لها. والذي يدقق في الكتاب يجد وضوح تأثر المؤلف بدراسات السابقين له من المستشرقين ، أمثال «جولد تسيهر» و «كازانوفا» ، و «نولديكه» ، وغيرهم.