الطرق التي سلكها القرآن الكريم
للحث على الإنفاق
وكما قلنا إن الأساليب التي اتخذها القرآن الكريم لحث الفرد على هذه العملية الإنسانية كثيرة وبالامكان بيان ابرز صورها وهي :
١ ـ الترغيب والتشويق إلى الإنفاق.
٢ ـ التنأيب على عدم الإنفاق.
٣ ـ الترهيب والتخويف على عدم الإنفاق.
١ ـ التشويق إلى الإنفاق والبذل والحث عليه :
ولم يقتصر هذا النوع من التشويق على صورة واحدة بل سلك القرآن في هذا المجال مسالك عديدة وصور لتحبيب الإنفاق صوراً مختلفة :
الصورة الأولى من التشويق :
الضمان بالجزاء
لقد نوخت الآيات التي تعرضت إلى الإنفاق والتشويق له أن تطمئن المنفق بأن عمله لم يذهب سدى ، ولم يقتصر فيه على كونه عملية تكافلية إنسانية لا ينال الباذل من ورائها من الله شيئاً ، بل على العكس سيجد المنفق أن الله هو الذي يتعهد له بالجزاء على عمله في الدنيا وفي الآخرة.
أما بالنسبة إلى الجزاء وبيان ما يحصله الباذل ازاء هذا العمل فإن الآيات الكريمة تتناول الموضوع على نحوين :
الأول : وقد تعرضت إلى بيان أن المنفق سيجازيه الله على عمله ويوفيه حقه أما ما هو الحزاء ونوعيته فإنها لم تتعرض لذلك ، بل أوكلته إلى النحو الثاني الذي شرح نوعية الجزاء وما يناله المنفق في الدنيا والآخرة.
١ ـ الآيات التي اقتصرت على ذكر الجزاء فقط :
يقول تعالى :
( وما تنفقوا من خير يوفّ إليكم وانتم لا تظلمون ) (١).
وفي آية أخرى قال سبحانه :
__________________
(١) سورة البقرة / آية : ٢٧٢.
( وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوفّ إليكم وأنتم تظلمون ) (١).
ويظهر لنا من مجموع الآيتين أنهما تعرضتا لأمرين :
الأول : اخبار المنفق واعلامه بأن ما ينفقه يوقى إليه ، وكلمة ( وفى ) في اللغة تحمل معنيين :
أحدهما : انه يؤدي الحق تاماً.
ثانيهما : انه يؤدي بأكثر.
وقوله سبحانه : ( يُوَفَ إليكُم ) تشتمل بإطلاقها المعنيين أي يعطى جزاءه تاماً بل بأكثر مما يتصوره ويستحقه والمنفق.
الثاني : تطمين المنفق بأنه لا يظلم إذا أقدم على هذه العملية الإنسانية وهذا تأكيد منه سبحانه لعبده وكفى بالله ضامناً ومتعهداً في الدارين ويستفاد ذلك من تكرار الآية الكريمة وبنفس التعبير في الأخبار بالوفاء ، وعدم الظلم وحاشا له وهو الغفور الرحيم أن يظلم عبداً أنفق لوجهه ، وبذل تقرباً إليه.
هذا النوع من الإطمئنان للمنفق بأنه لا يظلم بل يؤدى إليه حقه كاملاً بل بأكثر.
وفي آية أخرى نرى التطمين من الله عز وجل يكون على شكل آخر فيه نوع من الحساب الدقيق مع المنفقين.
( الّذين ينفقون أموالهم باللّيل والنّهار سراً وعلانية فلهم
__________________
(١) سورة الانفال / آية : ٦٠.
أجرهم عند ربّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) (١).
ولم يتعرض سبحانه لنوعية الجزاء من الأجر بل أخفاه ليواجههم به يوم القيامة فتزيد بذلك فرحتهم.
( ولا خوف عليهم ) من فقرٍ ، أو ملامة لأن الله عز وجل هو الذي يضمن لهم ، ثم ممن الخوف ؟
من اعتراض المعترضين ؟ ، وقد جاء في الحديث ( صانع وجهاً يكفيفك الوجوه ) ، أم من الفقر ، ونفاد المال ؟ وقد صرحت الآيات العديدة بأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يقسم بين الناس معايشهم كما ذكرنا ذلك في الآيات السابقة.
( ولا هم يحزنون ).
وقد ورد في تفسير هذه الآية أنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهالسلام : « كانت عنده أربع دراهم فانفق بالليل درهماً ، وفي النهار درهماً وسراً درهماً وعلانيةً درهماً » (٢).
وتتفاوت النفوس في الإيمان والثبات فلربما خشي البعض من العطاء فكان في نفسه مثل ما يلقاه المتردد في الاقدام على الشيء.
لذلك نرى القرآن الكريم يحاسب هؤلاء ويدفع بهم إلى الإقدام على الانفاق وعدم التوقف فيقول سبحانه :
( قل إنّ ربّي يبسُطُ الرّزقَ لمن يشاءُ من عبادِهِ ويقدِرُ له وما
__________________
(١) سورة البقرة / آية : ٢٤٧.
(٢) الدر المنثور : في تفسيره لهذه الآية.
أنفقتُم من شَيءٍ فهو يخلفُهُ وهو خيرُ الرّازقينَ ) (١).
ومع الآية الكريمة فإنها تضمنت مقاطع ثلاثة :
١ ـ قوله : ( قل أن ربي يبسط الرّزقَ لمن يشاءُ من عبادهِ ويقدِرُ له ).
٢ ـ قوله : ( وما أنفقتُم من شيء فهوَ يخلفْهُ ).
٣ ـ قوله : ( وهو خيرُ الرازقين ).
أولاً :
( قل إن ربي يبسُطُ الرزق لمن يشاءُ ).
ولا بد للعبد أن يعلم أن الرازق هو الله وأن بيده جميع المقاييس والضوابط فالبسط منه والتقتير منه أيضاً وفي كلتا الحالتين تتدخل المصالح لتأخذ مجراها في هاتين العمليتين ، وليس في البين أي حيف وميل بل رحمة وعطف على الغني بغناه ، وعلى الفقير بفقره فكلهم عبيده وعباده وحاشا أن يرفع البعض على اكتاف الآخرين.
أما ما هي المصالح ؟.
فإن علمها عند الله وليس الخفاء فيها يوجب القول بعدم وجودها.
وفي الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآله إن الله سبحانه يقول :
__________________
(١) سورة سبأ / آية : ٣٩.
( عبدي أطعني بما أمرتك ولا تعلمني ما يصلحك ).