أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم / الصفحات: ١٦١ – ١٨٠
المراد أقرباء المخاطبين، بقرينة قوله: (قلتم فاعدلوا) نظير قوله:(وإِذا حضر القسمة ذوي القربى) والمراد أقرباء الميت.
وعلى ضوء ذلك فإذا تقدَّم عليه لفظ «الرسول» يكون المراد منه أقرباء الرسول كما في الآية (للرسول و لذي القربى) ، و مثله قوله: (ما أفاءَ اللّهُ عَلى رسولهِ من أهلِ القُرى فللّهِ ولِلرَّسول وَ لِذِى القُربى وَ اليَتامى وَ المَساكِين وَ ابْن السَّبِيل) .(٢) وقوله: (فَآت ذَا القُرْبَى حَقّهُ والمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ) .(٣) فالمراد من ذي القربى هم أقرباء الرسول بقرينة توجَّه الخطاب إليه أعني «فآت».
ومنه يعلم المراد من المساكين في الآيتين وآية الخمس، أي مساكين ذي القربى وأيتامهم وأبناء سبيلهم.
هذا هو المفهوم من الآية، و على ما ذكرنا فكلّما يفوز به الاِنسان في مكسبه ومغنمه أو ما يفوز به في محاربة المشركين والكافرين، يُقسم خمسه بين ستة سهام كما عرفت.
٣. الروم: ٣٨.
٢. وروي عن أبي العالية الرياحي: كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوَتى بالغنيمة فيقسمها على خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه، فيجعله للكعبة وهو سهم اللّه، ثم يقسَّم ما بقي،على خمسة أسهم: فيكون سهم للرسول، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لابن السبيل. قال: والذي جعله للكعبة فهو سهم اللّه.(٢)
وأمّا تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربى ومن جاء بعدهم من اليتامى والمساكين وابن السبيل، فلاَجل الروايات الدالة على أنّه لا تحل لهم الصدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
أخرج الطبري عن مجاهد، انه قال: كان آل محمّد ص لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم الخمس(٣)
و أخرج ايضاً عنه: قد علم اللّه أنّفي بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة(٤) .
كما تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) أنّ السهام الاَربعة من الخمس، لآل محمّد «(صلى الله عليه وآله وسلم).(٥)
٣. الظاهر زيادة لفظ «خمس» بقرينة ما نقله ثانياً عن مجاهد.
٤. تفسيرالطبري: ١٠|٥.
٥. الوسائل: ٦|الباب٢٩ من أبواب المستحقّين للزَّكاة.
٢. وقالت الحنفية: إنّسهم الرسول سقط بموته، أمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
٣. وقالت المالكية: يرجع أمر الخمس إلى الاِمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
٤. وقالت الاِمامية: إنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوِّض أمرها إلى الاِمام أو نائبه، يضعها في مصالح المسلمين، والاَسهم الثلاثة الباقية تعطى لاَيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم.(١)
٥. وقال ابن قدامة في المغني بعد ما روى أنّأبا بكر وعمر قسَّما الخمس على ثلاثة أسهم: و هو قول أصحاب الرأي أبي حنيفة وجماعته، قالوا: يقسم الخمس على ثلاثة: اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول اللّه بموته وسهم قرابته أيضاً.
٦. وقال مالك: الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال.
٧. وقال الثوري: والخمس يضعه الاِمام حيث أراه اللّه عزّوجلّ.
فلمّا ولى أبوبكر تأوّل الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربى بموت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و منع بني هاشم من الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل منهم.
قال الزمخشري عن ابن عباس: الخمس على ستة أسهم: للّه ولرسوله سهمان، وسهم لاَقاربه، حتى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة، وكذلك روي عن عمر و من بعده من الخلفاء، قال: وروي أنّ أبابكر منع بني هاشم الخمس.(٢)
وقد ارسلت فاطمة «عليها السلام»، تسأله ميراثها من رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلّمه
هذا هو الفيء، وأمّا المواضع التي يصرف بها هذا الفيء فقد بيَّنها سبحانه في الآية الثانية، وقال: (ما أَفاءَ اللّه عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْل القُرى) ، أي ما ردَّ ما كان للمشركين على المسلمين بتمليك اللّه إيّاهم ذلك، (فللّه) و (للرَّسُول) و (لذي القُربى) ، فهو للّه بالذات وللرسول و لذي القربى بتمليك اللّه إيّاه.
والمراد من ذي القربى بقرينة الرسول أهل بيت رسول اللّه وقرابته، و هم بنو هاشم.
(واليتامى والمساكين وابن السبيل) أي منهم، بقرينة الرسول، فيكون المعنى ويتامى أهل بيته ومساكينهم وأهل السبيل منهم.
وعلى ذلك فالفيء يقسم على ستة أسهم:
١. سهم للّه المالك لكلّشيء غير محتاج لشيء، جعل نفسه قريناً لسائر الاسم تكريماً السهام.
٢. سهم الرسول و هو يوَمن بذلك حاجاته وحاجة الدولة الاِسلامية.
٣. سهم ذوي القربى أي أقرباء الرسول، فبما أنّ الصدقة تحرم عليهم حلّ ذلك محلّه.
٤. سهم اليتامى.
٥. سهم المساكين.
٦. سهم أبناء السبيل.
وبكلمة جامعة
«الغنيمة» ـ كلّما أُخذ من دار الحرب بالسيف عنوة مما يمكن نقله إلى دار الاِسلام، ومالا يمكن نقله إلى دار الاِسلام ـ لجميع المسلمين ينظر فيه الاِمام، و يصرف انتفاعه إلى بيت المال لمصالح المسلمين.
«الفيء» ـ كلّما أخذ من الكفّار بغير قتال أو انجلاء أهلها ـ للنبي، يضعه في المذكورين في هذه الآية، ولمن قام مقامه من الاَئمّة وقد بيّنه سبحانه في ضمن الآيتين.(١)
٢. وروى حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن الاِمام الكاظم «عليه السلام» في حديث: «والاَنفال كلّأرض خربة باد أهلها، وكلّأرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صالحوا صلحاً وأعطوا بأيديهم على غير قتال، وله روَوس الجبال وبطون الاَودية والآجام وكلّ أرض ميتة لا ربّ لها، وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لاَنّ الغصب كلّه مردود، و هو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له».(٢)
٣. موثقة إسحاق بن عمّار المروية في تفسير القمي قال: سألت أبا عبداللّه (عليه السلام) عن الاَنفال، فقال (عليه السلام):«هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي للّه وللرسول ص، و ما كان للملوك فهو للاِمام، و ما كان من الاَرض الخربة لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكلّأرض لا ربّلها، والمعادن منها، من مات و ليس له مولى فماله من الاَنفال».(٣)
إلى غير ذلك من الروايات.
وعلى الرواية الاَُولى يكون الفيء من أقسام الاَنفال، ولم نجد في تفاسير أهل السنة من يوافق الشيعة الاِمامية في تفسير الاَنفال إلاّ شيئاً قليلاً، فقد عقد أبو
٣. وسائل الشيعة: ٦، الباب الاَوّل من أبواب الاَنفال، الحديث ١، ٤، ٢٠.
وقد ورد لفظ البيوت في القرآن الكريم (٣٦ مرّة)بصور مختلفة، واستعمل في غير المسجد، يقول سبحانه: (طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفينَ وَالعاكِفينَ وَالرُّكَّعِالسُّجُود) .(٢) .(وَاذْكُرُن ما يُتلى في بُيوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّه وَالحِكْمَة) .(٣)
إلى غير ذلك من الآيات، فكيف يمكن تفسيره بالمساجد؟
وبما أنّ جميع المساجد ليس على هذا الوصف، التجأ صاحب الكشاف بإقحام كلمة«بعض»، وقال: في بعض بيوت اللّه وهي المساجد، وهو كما ترى، وهناك حوار دار بين قتادة فقيه البصرة وأبي جعفر الباقر (عليه السلام) يوَيد ما ذكرنا.
حضر قتادة في مجلس الاِمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) فقال له الاِمام: من أنت؟
قال: أنا قتادة بن دعامة البصري.
فقال أبو جعفر: أنت فقيه أهل البصرة؟
فقال: نعم. قال قتادة: أصلحك اللّه، ولقد جلستُ بين يدي الفقهاء وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم، ما اضطرب قدامك!
٣. الاَحزاب: ٣٤.
و يوَيّد ما رواه الصدوق في الخصال عن النبيّص: ان اللّه اختار في البيوتات أربعة ثم قرأ هذه الآية: (إنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً و آلَ إِبْراهِيمَ و آلَ عِمْرانَ لِلْعالَمِينَ ذُرِّيَةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) .(٢) – (٣)
وعلى هذا الحوار فالمراد من البيت، بيت الوحي وبيت النبوَّة، ومن يعيش في هذه البيوت من رجال لهم الاَوصاف المذكورة في الآية الكريمة.
هذا كلّه حول الاَمر الاَوّل،.
وأمّا الاَمر الثاني، أعني ما هو المراد من الرفع؟ فيحتمل وجهين:
الاَوّل: أن يكون المراد الرفع المادي الظاهري الذي يتحقق بإرساء القواعد وإقامة الجدار والبناء، كما قال سبحانه:(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهيمُ الْقَواعِد مِنْ البَيْت وَإِسماعيل) .(٤) و على هذا تدل الآية على جواز تشييد بيوت الاَنبياء والاَولياء وتعميرها في حياتهم بعد مماتهم.
الثاني: أن يكون المراد الرفع المعنوي والعظمة المعنوية، وعلى هذا تدل الآية بتكريم تلك البيوت وتبجيلها وصيانتها وتطهيرها مما لا يليق بشأنها.
٣. الخصال: ١ | ١٠٧.
٤. البقرة: ١٢٧.
١. روى الحافظ السيوطي عن أنس بن مالك و بريدة، انّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ قوله تعالى: (في بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْترفَع) فقام إليه رجل وقال: أيّ بيوت هذه يا رسول اللّه؟
فقال ص: بيوت الاَنبياء.
فقام إليه أبو بكر وقال: يا رسول اللّه، وهذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت علي و فاطمة (عليهما السلام).
فقال النبيص: نعم من أفاضلها.(٣)
٢. روى ابن شهراشوب عن تفسير مجاهد و أبي يوسف، يعقوب بن سفين، قال ابن عباس في قوله تعالى: (وَإِذا رَأَوا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) : إنّدحية الكلبي جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة، فنزل عند احجار الزيت، ثمّضرب بالطبول ليوَذن الناس بقدومه، فمضوا الناس إليه إلاّعلي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام) وسلمان وأبو ذر والمقداد وصهيب، وتركوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قائماً يخطب على المنبر، فقال النبيص: قد نظر اللّه يوم الجمعة إلى مسجدي فلولا هوَلاء الثمانية الذين جلسوا في مسجدي لاَضرمت
٣. تفسير الدر المنثور:٥|٥٠.
٤. وقال (عليه السلام):«ألا إنّ مثل آل محمّدٍ ص، كَمَثَلِ نجوم السَّماء: إذا خوى نجم، طَلَعَ نَجم، فكأنّكم قد تكاملت من اللّه فيكم الصنائع، وأراكم ما كنتم تأملون».(٢)
٥.وقال (عليه السلام): «ألا و إنّ لكلِّ دمٍ ثائراً، ولكلِّ حقٍّ طالباً و إنَّ الثّائِرَ في دمائِنا كالحاكِمِ في حقِّ نفسِهِ، وهُوَ اللّهُ الذي لا يُعجِزُهُ من طَلَبَ، ولا يفُوتُهُ من هرب».(٣)
٦. وقال (عليه السلام): «أيّهاالناس، خذوها عن خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله وسلم): إنّه يموت من ماتَ منّا وليس بميِّت، ويبلى من بَلي منَّا وليس ببال»، فلا تقولوا بما لا تعرِفُون، فإنّ أكثرَ الحقِّ فيما تُنكِرون، واعذِروا من لا حُجّة لكم عليه ـ و هو أنّا ـ ألم أعمل فيكم بالثَّقل الاَكبر، وأترُك فيكم الثَّقل الاَصغر، قد ركْزتُ فيكُمْ راية الاِيمانِ، ووقفتُكُم على حُدودِ الحلالِ والحرام، وألبستُكُمُ العافيةَ من عدلي، وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي،وأريتُكُم كرائمَ الاَخلاقِ من نفسي، فلا تستعملوا الرأيَ فيما لا يُدْرِكُ قعرَهُ البصرُ، ولا تتغلغل إليهِ الفِكر»ُ.(٤)
إلى غير ذلك الكلمات الناصعة في خطبه ورسائله وقصار كلمه مما نقله
٣. نهج البلاغة: الخطبة١٠٥.
٤. نهج البلاغة: الخطبة٨٧.