أبرز خطط وأهداف أمير عبد اللهيان في زيارته إلى سوريا ولبنان
الوقت – بعد فترة مزدحمة لدبلوماسية الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مجال التبادلات الدولية، وخاصةً العلاقات مع القارة الأفريقية وإتمام عضوية إيران في البريكس، قام حسين أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية الإيراني، مرةً أخرى بممارسة الدبلوماسية الإقليمية، ومن خلال زيارة سوريا ولبنان وضع دور طهران الإقليمي على جدول الأعمال.
الخطط الرئيسية لوزير الخارجية الإيراني في رحلته إلى سوريا ولبنان، هي الجهود الرامية إلى تعزيز العلاقات الثنائية بما يتماشى مع المصالح المشتركة، وكذلك إعلان دعم طهران للحفاظ على الاستقرار وتعزيز الرخاء في هذه الدول، واستعدادها للعب دور بناء في هذا الاتجاه.
الدور التيسيري لإيران في العلاقات السورية العربية
كانت الوجهة الأولى لأمير عبد اللهيان والوفد المرافق له هي سوريا، حيث تم التأكيد خلاله على متابعة اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين البلدين في مرحلة ما بعد الأزمة.
وقال عبد اللهيان في هذا الصدد في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره السوري: إن متابعة الاتفاقات التي توصل إليها رئيسا البلدين خلال زيارة الدكتور رئيسي الأخيرة إلى دمشق، والزيارة الأخيرة للوفد السياسي والاقتصادي من سوريا إلى طهران، هي هدف آخر لهذه الرحلة.
تجدر الإشارة إلى أنه في منتصف شهر مايو من هذا العام، ترأس السيد إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني، استجابةً لدعوة رسمية من الرئيس السوري بشار الأسد، وفداً اقتصادياً وسياسياً كبيراً إلى سوريا، والتي كانت أول زيارة لرئيس إيراني إلى سوريا بعد 13 عاماً.
شهدت هذه الزيارة، التي حظيت باهتمام إعلامي كبير إقليمياً ودولياً، التوقيع على اتفاقيات واسعة في مختلف مجالات التعاون الاقتصادي، بما في ذلك النفط والطاقة، والخدمات الفنية والهندسية، والإسكان، والنقل بالسكك الحديدية والجوية، والمناطق الحرة والقطاع الخاص، والاتصالات والتكنولوجيا، والزلازل والإغاثة وتسهيل شؤون الزوار، لتمهيد الطريق لزيادة تعزيز حجم التبادلات الاقتصادية بين البلدين في المستقبل القريب، ولعب دور مهم في الحد من المشاكل المعيشية والاقتصادية للشعب السوري.
وفي هذا الصدد كتب “حسين أكبري” سفير إيران في دمشق أيضاً على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي X: إن “المتابعة المستمرة للاتفاقات التي تم التوصل إليها بين رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية ورئيس الجمهورية العربية السورية على أعلى المستويات في البلدين، تظهر تصميم الجانبين على المضي قدماً والوصول إلى نقطة إيجابية في التعاون بين البلدين”.
وبينما تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن صادرات إيران غير النفطية إلى دمشق عام 2022 بلغت 147 ألف طن بقيمة 244 مليون دولار، فإن الهدف الطموح للبلدين للوصول إلى رقم التجارة السنوي البالغ 20 مليار دولار في المستقبل القريب، دفع إلى ضرورة المتابعة المستمرة لتنفيذ الاتفاقيات الاقتصادية.
وفي هذا الصدد، اعتبر وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال لقائه أمير عبد اللهيان، أن المباحثات بين وزير الخارجية الإيراني ورئيس الوزراء السوري حول الأمور الاقتصادية والتجارية مهمة، وفي الوقت الذي أعرب فيه عن ارتياحه لمسيرة التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، رحّب بخطة عقد اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين.
ويبدو أيضاً أن لعب دور مسهّل في عملية تحسين علاقات سوريا مع العالم العربي بعد عودة هذا البلد إلى الجامعة العربية، كان محوراً رئيسياً آخر في مفاوضات أمير عبد اللهيان مع السلطات السورية خلال الرحلة الأخيرة.
وفي هذا الصدد، قال أمير عبداللهيان: نظراً للتطورات الجديدة في المنطقة والصفحة الجديدة والإيجابية من العلاقات التي نشهدها في المنطقة، فإنه خلال رحلتي الأخيرة إلى السعودية تلقيت تصريحات إيجابية من السلطات السعودية بشأن سوريا، ونحن اليوم في دمشق لمناقشة هذه القضايا إضافة إلى القضايا ذات الاهتمام الثنائي والإقليمي والدولي.
إن تركيز وزير الخارجية الإيراني على السفر إلى السعودية والتفاوض مع السلطات السعودية، يأتي في حين أنه على الرغم من استئناف العلاقات بين دمشق والرياض، لا يزال السعوديون يرفضون تقديم سفيرهم إلى سوريا، والتعاون الاقتصادي المرتقب لدمشق مع هذا البلد لم يتقدم كثيراً، لدرجة أن هذا الأمر أثار عتب السلطات السورية في الأسابيع القليلة الماضية.
وفي هذا الوضع، يبدو أن أمير عبد اللهيان، من خلال مشاركته تفاصيل محادثاته مع السلطات السعودية، قد تفاوض مع رجال الدولة السوريين على تعزيز الجسر بين دمشق والرياض وإزالة العقبات المحتملة.
ملفات مهمة في زيارة لبنان
تنتهي جولة أمير عبد اللهيان الإقليمية القصيرة بزيارة إلى لبنان، حيث توجد قضايا مهمة للغاية على جدول أعمال مفاوضات وزير الخارجية الإيراني مع المسؤولين في بيروت.
فمن ناحية، يأتي وصول أمير عبد اللهيان إلى بيروت، بعد مرور عام بالضبط على بدء الجمود السياسي في لبنان (31 أكتوبر 2022) لانتخاب رئيس جديد، حيث إنه منذ نوفمبر من العام الماضي مع انتهاء المدة القانونية لرئاسة ميشال عون، فشلت التيارات السياسية اللبنانية في اختيار بديل لعون بسبب خلافات كثيرة، ونتيجةً لذلك، ظلت العملية السياسية لتشكيل حكومة جديدة في هذا البلد غير مكتملة، وتدير لبنان عملياً حكومة تصريف أعمال.
لكي يُنتخب المرشح رئيساً، يجب عليه إما أن يفوز بأغلبية الثلثين في الجولة الأولى، أو بأغلبية بسيطة في الجولة الثانية أو الجولة اللاحقة، هذا في حين أنه لم تحصل أي من التيارات السياسية على الأغلبية اللازمة، ولم تتمكن حتى الآن من التوصل إلى خيار مشترك بين النواب المستقلين.
وحسب دستور المحاصصة اللبناني، يجب أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً، ويُعتبر حالياً شخصان هما “سليمان فرنجية” و”جهاد أزعور” المرشحين الأبرزين للوصول إلی قصر بعبدا.
أنصار أحزاب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي والعديد من الممثلين المستقلين يدعمون جهاد أزعور، وزير المالية السابق، لكن حزب الله وحركة أمل يدعمان سليمان فرنجية رئيس تيار “المردة”.
قال أمير عبد اللهيان للصحفيين عقب وصوله إلى بيروت في مؤتمر صحفي، في إشارة إلى أهداف زيارته إلى لبنان، إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تريد للبنان سوى الخير والاستقرار والسلام، وأضاف: “في حديثي مع مسؤولين لبنانيين رفيعي المستوى، سأدعوهم إلى انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن من خلال التفاهم والحوار”.
وشدد وزير الخارجية الإيراني على أن شعب وزعماء لبنان هم من يجب أن يقرروا انتخاب الرئيس، و”نعتقد أن لبنان قيادةً وشعباً يملك الحنكة اللازمة لاتخاذ القرار السياسي بانتخاب رئيس واستكمال هذا الوضع السياسي، ونسأل الله دائماً الخير للبنان حكومةً ووطناً وجيشاً ومقاومةً”.
وفي رحلته الأخيرة إلى بيروت في نيسان الماضي، أكد عبد اللهيان أن: “إيران تدعم دائماً انتخاب الرئيس الجديد لهذه الجمهورية، وسنرحب بأي شخصية لبنانية بارزة تصبح رئيساً نتيجة التوافق”.
وكما هو الحال مع محادثات أمير عبد اللهيان في دمشق، يمكن ملاحظة تأثير زيارته للسعودية الشهر الماضي على المفاوضات مع السلطات اللبنانية، إذ يبدو أن الرياض وطهران، باعتبارهما فاعلين مؤثرين في تطورات لبنان، عقدتا اتفاقات لمساعدة هذا البلد على الخروج من المأزق السياسي الحالي، وهو ما يرحب به اللبنانيون بطبيعة الحال.
وفي هذا الصدد، طلب أمير عبد اللهيان المساعدة من جميع دول المنطقة وخارجها المساعدة في تحسين وضع الاقتصاد اللبناني، في إطار التعاون الاقتصادي والتجاري الشامل، وأضاف: “خلال المحادثات مع السلطات السعودية، سمعنا تصريحات إيجابية وبناءة من السلطات السعودية بشأن مساعدة الوضع في لبنان، وندعو جميع الدول إلى المساعدة والتعاون اقتصاديًا مع لبنان، وستواصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية دعم لبنان بقوة”.
لكن في المقابل، فإن الاهتمام بتعزيز العلاقات الثنائية مع لبنان، هو موضوع آخر على رأس خطط الوفد الإيراني في بيروت.
لقد تزامنت الزيارة الرسمية الخامسة التي يقوم بها أمير عبد اللهيان إلى لبنان منذ توليه رئاسة وزارة الخارجية الإيرانية، مع حدث مهم في هذا البلد، ألا وهو البدء بمرحلة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في الحدود البحرية للبنان في البلوك رقم 9، وهو ما له أهمية كبيرة بالنسبة لحكومة وشعب هذا البلد، إذ يعاني لبنان في السنوات الأخيرة من العديد من الأزمات المالية والاقتصادية، ويأمل قادة البلاد أن يؤدي استغلال الموارد الجوفية إلى حل مشاكل لبنان الاقتصادية.
يتم الاحتفال بهذا الحدث في لبنان، في ظل وضع تتمتع فيه إيران بتاريخ وقدرة عالية في المعرفة وتكنولوجيا استخراج النفط والغاز، ويتنافس المتخصصون والشركات الإيرانية مع أبرز شركات النفط العالمية.
ومؤخراً، كان إطلاق منصة استخراج الغاز في المرحلة الثانية عشرة من حقل “جنوب بارس” من قبل الشركات المحلية الإيرانية، حدثاً مهماً أظهر للعالم القدرات العالية للشركات الإيرانية في هذا المجال، ومع هذه الإمكانية، يستطيع اللبنانيون بالتأكيد الاعتماد على استعداد إيران للمشاركة في استخراج النفط والغاز.
وسبق أن زار وزير الخارجية الإيراني بيروت، وعرض عدة مشاريع مقترحة لدعم قطاعات الاقتصاد والبنية التحتية الحيوية في لبنان، ولا سيما في مجال الطاقة، من خلال إعلان استعداد طهران لبناء محطتين لتوليد الطاقة خلال فترة أقصاها 18 شهراً.