الخميس 28 صفر 1445
مواضيع ذات صلة
تقرير: بريطانيا خسرت 4 ملايين يوم عمل بسبب الإضرابات العام الماضي
اتهامات أممية وعنصرية بريطانية.. أيام صعبة على اللاجئين في بريطانيا
“حملة ضد تجارة الأسلحة”.. هل تتوقف بريطانيا عن مشاركتها في الجرائم ضد الانسانية ؟
الوقت- مؤخراً، أعلن موقع “ميدل إيست آي” البريطانيّ، في مقال انتقد فيه قرار الحكومة البريطانية الموافقة على قانون حظر مقاطعة الكيان الصهيوني، مبيناً أن مثل هذا الإجراء يدعو إلى التشكيك في المصداقية الدولية للمملكة المتحدة، وكتب موقع ميدل إيست آي في مقال حول إقرار قانون مكافحة المقاطعة لكيان الاحتلال الإسرائيلي أن مشروع قانون مكافحة المقاطعة هذا يدمر صورة بريطانيا في العالم، لكن حكومة ريشي سوناك تضغط من أجل إقراره بغض النظر عن الآثار المترتبة على مخاطر مثل هذا القانون، وينتقد كاتب المقال مراجعة مجلس العموم البريطاني لمشروع قانون حظر العقوبات ضد الكيان الصهيوني بقوله إن مشروع القانون هذا أعطى دعما خاصا لتل أبيب وأنشطتها في الضفة الغربية المحتلة و مرتفعات الجولان وتسببت حركة مقاطعة “إسرائيل” في عدم اتخاذ أي إجراء ضدها.
تمييز عنصريّ بريطانيّ
“إن إنجلترا هي إحدى الدول الموقعة على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334، وهذا القرار، وهو التزام رسمي، يلزم جميع الحكومات بالتمييز بين الأراضي المحتلة عام 1967 والمناطق الأخرى في تعاملاتها”، هذا ما ذكره الكاتب في جزء آخر من مقالته موضحاً أنّ بريطانيا ستدعم القانون الجديد مستوطنات كيان الاحتلال الإسرائيلي، كما ذكر الكاتب أن عدم رغبة الحكومة في إعادة النظر بجدية في القانون المقترح هو في الواقع هدية سياسية لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، بينما يحاول نتنياهو ضم أجزاء أخرى من الضفة الغربية منذ عودته إلى السلطة.
وكما نعلم، وفي متابعة لتاريخ أجداده المستعمرين، أعلن الأمير البريطاني تشارلز مرارا عن نية حكومته تقديم تشريعات تهدف إلى منع جميع الجهات العامة من المشاركة في حملات مقاطعة “إسرائيل”، ووصف الأمير هذه الحملات بأنها تشكل تهديدًا لتماسك المجتمع البريطاني، وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإعلان يعيدنا بذاكرتنا إلى الماضي، تحديدًا إلى الفترة التي تسبق انتهاء الحرب العالمية الأولى وتوزيع تركة الإمبراطورية العثمانية بين الدول المنتصرة، وفي ذلك الزمن، كتب وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في الثاني من نوفمبر 1917 رسالة إلى المصرفي البريطاني وأحد رموز الجالية اليهودية في بريطانيا، البارون روتشيلد، ما أدى في النهاية إلى تأسيس الكيان الإسرائيلي على حساب حقوق الفلسطينيين وأراضيهم، وأحدث هذا القرار سلسلة من النزاعات والحروب والأزمات في منطقة الشرق الأوسط.
والرسالة المعروفة باسم “وعد بلفور” تمثل تعبيرًا تاريخيًا واضحًا عن دعم بريطانيا لجهود الحركة الصهيونية لإنشاء دولة لليهود في فلسطين، وفي هذه الرسالة، أبلغ آرثر بلفور البارون روتشيلد موقف حكومته وتأييدها لجهود الحركة الصهيونية في المملكة المتحدة وأيرلندا، ولقد كانت هذه الرسالة لها دور مهم للغاية في تأسيس الكيان بعد مضي 31 عامًا من تاريخ إرسالها، أي في عام 1948، ومن المهم التنويه إلى أن تطبيق هذا المشروع الصهيوني أدى فيما بعد إلى عملية تطهير عرقي وتهجير قسري للفلسطينيين، السكان الأصليين لتلك المنطقة، ما أسفر عن أحداث تاريخية مؤلمة في تاريخ فلسطين.
وبالتالي، نرى أن بريطانيا، التي ساهمت برسالتها في تشجيع يهود أوروبا على الهجرة واستيطان فلسطين خلال الفترة بين الحروب العالميتين الأولى والثانية، وقامت بالإعلان عن مشاريع في الوقت الحاضر لحظر مشاركة المجالس المحلية والهيئات العامة الأخرى في حملات المقاطعة ضد “إسرائيل”، وهذا الإعلان يعتبر دعمًا للمنهج الإسرائيلي الذي ينتهك حقوق الشعب الفلسطيني، ويُسيء لمقدساتهم ويستنزف ثرواتهم، وعلى مر السنين، لم تشهد سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تغييرًا يُذكر، بدءًا من تأسيس الكيان في 14 مايو/أيار 1948، حيث حصل على اعتراف سريع من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وحتى اليوم، استمرت هذه السياسة في التصاعد، وأصبحت أكثر عدوانية وظلمًا، ما أدى إلى تصاعد أعمال العنف والإرهاب على مختلف الأصعدة، ويجب التذكير بأن هذا الكيان تم فرضه على المنطقة بواسطة المستعمرين وباستخدام القوة، ما خلق توترات كبيرة في المنطقة وأثر سلبًا على الأمن الإقليمي.
وفي هذا السياق، تأتي الصدمة الكبيرة التي وجّهتها لندن إلى مناصري حقوق الفلسطينيين في البلاد ما يمكن أن يقيّد حقهم في دعم قضايا مثل حقوق الفلسطينيين والمناخ والعدالة الاجتماعية من خلال حملات المقاطعة، وفي السياق نفسه، أكدت عشرات المنظمات المدنية والحقوقية مقرها في بريطانيا أنها تعارض بشدة خطط الحكومة لإصدار مشروع قانون “مناهضة المقاطعة”، مشددة على أن هذا القانون يشكل تهديدًا لحرية الجمعيات والمؤسسات الديمقراطية فيما يتعلق بالإنفاق والاستثمار والتجارة، وذلك بما يتوافق مع القوانين الدولية وحقوق الإنسان.
توقيت حساس للغاية
في ظل التسارع المستمر للمخططات الاستيطانية التي ينفذها الكيان الصهيوني في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وخاصة في السنوات الأخيرة، بهدف تحديد هوية العاصمة الفلسطينية كعاصمة يهودية للكيان الاحتلالي ومنع أي مساعٍ فلسطينية أو دولية أو عربية لإقامة دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، تشمل هذه المخططات استهداف وقتل وتهجير الفلسطينيين ونهب أراضيهم، وتحقيق التقارير الدولية التي تؤكد على رغبة الاحتلال في السيطرة على الأرض والتغيير في التركيبة السكانية لمصلحة اليهود الإسرائيليين، ويجدر بالذكر أن القانون البريطاني يمنع الهيئات العامة من فرض حملات مقاطعة أو سحب استثمارات أو فرض عقوبات على الدول الأجنبية، بما في ذلك تلك التي تستهدف “إسرائيل”، وهذا القرار يثير مخاوف حول القدرة على التصدي للتجاوزات والانتهاكات التي ترتكب ضد الفلسطينيين في ظل السياسات الإسرائيلية الحالية والتي تتضمن الاستيطان والانتهاكات الحقوقية.
ويبدو أن الحركة الصهيونية العالمية هي الجهة التي تقف وراء هذه الخطوة البريطانية، إذ يبدي الاحتلال وحلفاؤه توترًا وقلقًا مفهومًا من أي محاولة لمقاطعتهم نتيجة لانتهاكاتهم الصارخة للقانون الدولي والإنساني، فهم يعلمون جيدًا أن الشرعية التي يحاولون إرساءها لكيانهم هي شرعية زائفة، يمكن تفكيكها بسهولة بواسطة الحقائق والأدلة، وعلى الرغم من التمويل الضخم الذي يحصلون عليه من الولايات المتحدة وغيرها، إلى جانب ما يسرقونه من أراضي فلسطين ويستخدمونه لخلق مظهر شرعية لاحتلالهم، إلا أن كلمة الحق تبقى صامتة وفعّالة، وهي تحظى بالاعتراف العالمي رغم محاولات الجهات الصهيونية في تصدير وترويج لرؤيتهم الخاطئة، والحقيقة تظل مخيفة ومؤثرة بغض النظر عن كل الجهود التي يبذلها من يروّجون للعنصرية والعدوان والقتل.
وتظل “دولة الديمقراطية المثيرة للجدل” عاجزة عن سماع صوت الاعتراض على منهجها الاستعماري، وهذا أمر متوقع تمامًا نظرًا لأنها دولة قامت بالاحتلال والتدخل في أكثر من 200 بلد حول العالم، ما يمثل ما يقرب من 90% من دول العالم بأسرها، وفي هذا الوقت، تُتهم دولة الاحتلال الصهيوني من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية بتنفيذ سياسات تمييز عنصري واضطهاد في معاملتها للفلسطينيين والأقلية العربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد نشرت تقارير دولية تصف ممارسات “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين بأنها “أبارتهايد” أو نظام فصل عنصري، وذلك على الرغم من محاولات “إسرائيل” نفي هذه التهم، حيث تُعتبر سياستها في كثير من الحالات جرائم ضد الإنسانية.
وتزايدت الانتقادات العالمية للكيان الصهيوني الذي لا يكف عن ارتكاب أعمال عنف وجرائم ضد الفلسطينيين، ومن بين هذه الجرائم كان الهجوم الأخير على جنين، والتي شهده العالم مؤخرًا، ولا يمكن تفسير الخطوة البريطانية التي أثارت انتقادات منظمات محلية وفلسطينية إلا على أنها محاولة لإنقاذ الكيان الصهيوني، الذي يجد نفسه تحت ضغوط متزايدة نتيجة لممارساته النهج العنصري والاضطهاد، وقد زادت هذه الضغوط بعد الشهادة الدولية القوية والمقنعة لنضال ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني وسياسته الاستعمارية والقمعية.
وهذا المناخ دفع بريطانيا إلى دعم الكيان الصهيوني والوقوف إلى جانب الجهات المسؤولة عن الانتهاكات والجرائم في أرض فلسطين، بدلاً من التصدي لخروقات الكيان المعتدي التي تبلغنا بها الأخبار تقريبًا يوميًا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإن هذه الإجراءات تمثل تحديًا إضافيًا للكيان الإسرائيلي ومؤسساته على الساحة الدولية، فالمقاطعة من المؤكد أنها ستتسبب في إجراءات عقابية واضحة وفعّالة ضد الجماعات والأفراد الصهاينة، حيث تسلط الضوء على ممارساتهم العدوانية والوحشية وتعزز بشكل كبير حملات المقاطعة ضد الكيان الصهيوني.
وتأتي هذه الخطوة في الوقت المناسب لكشف الضوء على جرائم الحرب التي ارتكبها الكيان في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، وتشدد على ضرورة التحقيق في هذه الجرائم ومحاسبة المسؤولين عنها، إضافة إلى ذلك، تسلط الضوء على قضايا مثل الاستيطان، والأسرى، والعدوان على الفلسطينيين، وتؤكد على أهمية التصدي لهذه التحديات والتجاوب معها على الساحة الدولية.
الحكومة البريطانية وسياسة الخداع
تدرك الحكومة البريطانية ولندن بأن الشعب الفلسطيني يعول كثيرًا على حملات المقاطعة ضد الكيان الإسرائيلي، حيث من المتوقع أن تسهم هذه الحملات في محاسبة الكيان ووقف استمراره في ارتكاب الجرائم ضد أصحاب الأرض، لذا قررت الحكومة البريطانية مد يد العون لهذه الحملات، متناسية لحظة ما مرت به من جرائم صهيونية وشهدته العالم بأسره، بغض النظر عن التصريحات الصهيونية التي تؤكد على استمرارها في سياستها العدائية واستيلائها على أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم.
ويعتبر إعلان الدولة الصهيونية دليلاً على هذه السياسة، حيث يدعي الإعلان أن أرض فلسطين هي مهد الشعب اليهودي، وأنها تشكلت بها شخصيتهم الروحية والدينية والسياسية، وأنهم أقاموا دولتهم للمرة الأولى هناك، ويعتبرون الفلسطينيين ضيوفًا في “إسرائيل” وأن الجرائم التي يرتكبونها ضدهم تعد استعادة لحريتهم السياسية في فلسطين، ومنذ بداية القرن الماضي وحتى اليوم، يستمر الكيان الصهيوني في قمع الشعب الفلسطيني واحتلال أراضيه دون تدخل دولي أو عقوبات فعالة نتيجة فشل الحكومات العربية والدولية في محاسبته على انتهاكاته المتواصلة للقانون الدولي، على الرغم من ذلك، تستمر بعض الشركات والمؤسسات العالمية في تقديم الدعم للكيان الصهيوني ومساعدته في انتهاكاته.
المقاطعة تهدد الكيان
تعتبر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حركات المقاطعة بشكل عام وحركة مقاطعة الكيان الصهيوني (BDS) بشكل خاص تهديدا استراتيجيا لوجودهم غير الشرعي في فلسطين، حيث أقرت تل أبيب بفشلها مرارا في محاولة القضاء على حركة BDS المناهضة للاحتلال.
حركة BDS تأسست عام 2005 وأصبحت حركة عالمية تسعى لمقاومة الاحتلال الصهيوني واستيطانه في سبيل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين، ولتحقيق حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني داخل وخارج فلسطين، وتسعى الحركة أيضًا لسحب الاستثمارات من الكيان الصهيوني وفرض العقوبات عليه.
وتُصنف حركة BDS كحركة مقاومة سلمية غير عنصرية ومعادية لكل أشكال التمييز والعنصرية، بما في ذلك الصهيونية والمعاداة للمجموعات الدينية والعرقية، وتتلقى الحركة دعمًا واسعًا من اتحادات ونقابات وأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني الدولي ضافة إلى حركات شعبية حول العالم وشخصيات مؤثرة في الرأي العام العالمي.
وإن الدور الكبير الذي لعبته الحركة الصهيونية في إصدار مثل هذا القرار يأتي نتيجة نجاح حركة BDS في عزل الكيان الصهيوني في مختلف المجالات الأكاديمية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ويتزايد تأثير الحركة بشكل ملموس بفضل الحملات العالمية الممنهجة والاستراتيجية التي تنفذها مباشرة وغير مباشرة.