الولاية الاخبارية موقع اخباري وثقافي لمن يسلك الطريق الی الله
الشيعة وفلسطين
عبد الستار الجابري
الحلقة الخامسة عشر– الموقف الشيعي الرسمي من طوفان الاقصى2
الموقف الرسمي الايراني
قبل الحديث عن الموقف الرسمي الايراني من طوفان الاقصى والقضية الفلسطينية نسلط الضوء على بعض المحطات التاريخية لايران.
المجتمع الذي عاش فيما عرف ببلاد فارس من المجتمعات الحضارية الحيوية التي تركت اثاراً مهمة في المجتمع الانساني على مر العصور، فالحضارة الفارسية من الحضارات الانسانية الاصيلة، تمكن سكان بلاد فارس عبر التاريخ من اقامة امبراطوريات ضمت شمال شبه القارة الهندية الى حدود الصين شرقاً وبلغت مصر غرباً، وكانت جزيرة العرب تعتبر من توابع الامبراطورية الفارسية، وامتد نفوذها الى اليمن في ايام سيطرة الاحباش عليها.
كانت بلاد فارس حاضنة الديانة الزرادشيتة والمانوية وفيها ظهرت الديانة المجوسية التي كان اتباعها يعتبرون النار موجوداً مقدساً والذي يظهر من ديانتهم انهم موحدون الى ان شبهة ثنائية الاله موجودة في افكارهم كما هو الحال في فكرة التثليث في النصرانية.
شكلت ممكلة اليهود في فلسطين تهديداً للامبراطورية الفارسية فغزاها البابليون – الذين كانوا يشكلون احد اقاليم الامبراطورية الفارسية – مرتين وقضوا على مملكتهم وفي المرة الثانية نقلوا سبي اليهود الى بابل، فانتشر اليهود في بلاد وادي الرافدين وفارس وبقية ارجاء الامبراطورية الفارسية حتى سمح الملك الفارسي كورش لمن رغب منهم بالعودة الى فلسطين.
كانت مصر وشمال افريقيا تخضع لسيطرة الامبراطوريات الرومانية في اغلب اوقاتها في الوقت الذي كانت الامبراطورية الفارسية تهيمن على العراق وبلاد الاناضول وتمتد شرقاً، وعند ظهور الاسلام كان الشمال الغربي لقارة اسيا مقسم بين الامبرطوريتين الفارسية والرومانية حيث خضعت بلاد الشام لسيطرة الرومان وخضع العراق لسيطرة الفرس.
شكل الفرس والرومان طرفي الحضارة الانسانية قبل ظهور الاسلام، على مر العصور، مضافاً الى الحضارات التي لم تأخذ مساحة كبيرة من الكرة الارضية كالحضارة الهندية والصينية، فكان حكماء الفرس وحكماء الاغريق والرومان واليونان ومقدونيا ممن شهدت لهم الساحة الفكرية بالاثر الكبير والمهم في الحقب الزمنية المختلفة.
بعد ظهور الاسلام وتمكن العرب من التمدد على حساب الحضارتين الفارسية والرومانية، ونقل الحضارة الجديدة التي كان الاسلام سبب وجودها الحقيقي، ولدت على الساحة الانسانية حضارة جديدة اثرت تأثيراً كبيراً في الشعوب التي كانت تحكمها تلكما الامبراطوريتان، اذ امتدت ما عرفت بالدولة الاسلامية عبر الفتوحات شرقاً حتى بسطت سلطتها على بكين في ايام الدولة المغولية التيمورية والتي كانت الهند من ضمن مناطق سيطرتها، وامتدت غرباً حتى اصبحت بلاد الاندلس من ضمن ولاياتها.
تحول شعوب تلك الامبراطوريات الى شعوب مستضعفة في ظل الدولة الجديدة وارهقوا بالضرائب ولم يعفى حتى من اسلم منهم من دفع الجزية في ايام الحكم الاموي، ولكنهم وجدوا متنفسهم في الحكم العباسي فكانوا عماد الدولة العباسية التي استبدلت العنصر العربي الذي كان عماد الحكم الاموي بالعنصر الفارسي والتركي ايام حكمها، وقد احدث الفرس نقلة كبيرة في ادارة الدولة بعد استيزارهم من قبل حكام بني العباس، ففي الوقت الذي كان الغزو والغنائم الحربية المصدر المالي الرئيسي للدولة ايام الحكم الاموي ويأتي بعده الوارادات الاخرى، اصبحت الزراعة والتجارة اهم المصادر المالية للدولة العباسية، التي خسرت العديد من الاراضي التي كان يحكمها الامويون لصالح المعارضة فتونس الوسطى – الجزائر- وتونس القصوى – المغرب – كانت موزعة بين الخوارج والادارسة – الشيعة على مذهب الامامية – في ايام هرون الرشيد، بينما كانت تونس القيروان تتمتع بحكم ذاتي تابع للعرش العباسي ثم خضعوا للدولة الفاطمية، ولم تفرض السلطة العباسية سيطرتها على تلك البلاد الا بعد قيام احد امراء الامازيغ بالسيطرة عليها واخراج الفاطميين منها ونشر المذهب المالكي بقوة السيف فيها. اما الاندلس فكانت تحت سيطرة الامويين.
شهدت الفترة التي استوزر الفرس فيها للعباسيين منذ قيام الحكم العباسي وحتى ايام المعتصم، تطوراً كبيراً في حركة الترجمة والنظرالفلسفي وكان لآراء حكماء الفرس والهنود حضور كبير في الساحة الفكرية، الامر الذي اثرى الحركة الفكرية فكانت البصرة حاضرة الافكار الفلسفية في ذلك الوقت فظهرت فيها حركة اخوان الصفا الفكرية وغيرها من الحركات الفلسفية وفيها ظهرالاعتزال كحركة فكرية اوجدت نقلة واضحة في مذهب السلطة السائد انذاك، كما كان للموالي من الفرس اثر كبير في التاصيل الفقهي لمذهب السلطة الحاكمة حيث كان امام اهل الرأي في الكوفة الثابت بن النعمان المعروف بابي حنيفة يمثل نقلة نوعية في التأصيل لمذهبه الذي تبعه في تشييده قاضي القضاة ابي يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني، كما اصل امام اهل الحديث على المنهج السني مالك بن انس دعائم مذهبه الفقهي الذي اسهمت السلطة العباسية بنشره بقوة في غرب العالم الاسلامي وحاولت بسطه في الشرق الا ان قوة مذهب ابي حنيفة ومن بعده الشافعي لم تسمح بانتشاره في شرق العالم الاسلامي، ثم ظهر بعدهم في بغداد امام الحنابلة احمد بن حنبل الذي حظي بدعم واسع من المتوكل العباسي الذي شكل حكمه انتكاسة لسيطرة المعتزلة وفكرهم خاصة بعد ان دعم المذهب الحنلبي وسلط نقمته وغضبه على المعتزلة، وبعد ان استوزر المعتصم الاتراك الذين يندرجون ضمن الامم البدوية المتخلفة انحدر الواقع الثقافي والعمراني في البلاد حتى عاد للنهوض على يد البويهيين الفرس الذين ابدعوا في دعم الحرية الفكرية بحيث كانت بغداد – على مدى قرن من سيطرتهم – ساحة للبحث العلمي الحر على اختلاف المذاهب والمشارب فكانت الكرخ تعج بدروس الفقه والاصول والكلام على المنهج السني باختلاف مذاهبه الحنفي والحنبلي والمالكي والشافعي والمعتزلي، وكانت الرصافة تنتشر فيها مباحث الفقه والاصول والكلام على المنهج الامامي، وبعد ان وصل السلاجقة الاتراك الى الوزارة في بغداد انتهت حركة الحرية الفكرية واستهدفوا غير اتباع المذاهب الاربعة بل لم يسمحوا الا لمذهب ابي حنيفة والشافعي على اختلاف توجهات زعاماتهم فقوض المذهب الحنفي والمالكي في شرق العالم الاسلامي، واحرق كرسي التدريس الذي كان للشيخ الطوسي فهجر بغداد الى النجف، وتتبع علماء الشيعة والمعتزلة في مختلف البقاع الخاضعة للسلطة السلجوقية وتبعهم على ذلك الصفاريين والغزنويين والخوارزميين، الذين كانوا يحكمون شرق البلاد بحكم ذاتي تحت راية السلطة العباسية، وفي عين الوقت استهدف الترك والاكراد الشيعة الامامية والفاطميين في الموصل وحلب ومصر وابادوهم، ففي الوقت الذي كان في الموصل وحلب ايام الامارة الحمدانية عدد كبير من الشيعة وكان الشيخ ابو الصلاح الحلبي قاضي قضاة حلب من تلامذة السيد المرتضى علماُ من اعلام الشيعة هناك وشكل وجوده الفكري مركزاً ثقافيا وفكرياً للمجتمع الشيعي في تلك البلاد لانجد اليوم في الشام الا النزر اليسير من الشيعة الامامية نتيجة لطائفية الزنكيين والايوبيين الذي ابادوا الشيعة هناك، ولم يسلم الا شيعة جبل عامل الذين خدمتهم التضاريس الصعبة للمنطقة وانقذتهم من الابادة الجماعية التي ارتكبت بحق الشيعة هناك، واما مصر الفاطمية التي حكمها المذهب الاسماعيلي الشيعي والذين كانوا مثالاً اعلى للتسامح والحرية الفكرية حيث كان يقضي في القاهرة اربع قضاة مالكي وشافعي وامامي واسماعيلي وفي الوقت الذي كان جامع فاطمة الزهراء – الازهر حالياً – منبراً للمذهب الاسماعيلي في القاهرة، كانت الاسكندرية ساحة نشاط المذاهب السنية، ولما سيطر صلاح الدين الايوبي على القاهرة، اباد اتباع المذهب الاسماعيلي بعد ان حاصرهم واحرقهم احياء في مناطقهم السكنية، واقتاد الاسرة الحاكمة الى احد القصور واقام الرجال على حدة والنساء على حدة حتى هلكوا كي لا يبقى من نسلهم احد، وفي الوقت الذي اسهم البويهيون في نشر دور العلم والمكتبات ومثلهم عمل الفاطميون، تحولت مكتباتهم الى رماد في ظل سيطرة السلاجقة والايوبيين على البلاد الاسلامية.
بعد انهيار الدولة العباسية على يد التتار وتحول البلاد الى دويلات تحكم من قبل ادارات صغيرة وزالت الدولة الواحدة تمكنت عائلة صفي الدين حيدر الاردبيلي من اقامة دولة موحدة في بلاد فارس القديمة امتدت في بعض ايامها الى الهند وحدود الصين وضمت اذربيجان وارمينيا والجمهوريات التي انسلخت مؤخراً عن الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي، وسبقها في الظهور الاتراك العثمانيين الذي نزحوا ايام الغزو المغولي من اسيا الوسطى الى بلاد الاناضول وتمكنوا من تشكيل دولة في تلك البلاد وزحفوا منها الى شرق اوربا وبلغت حدود دولتهم الى النمسا وفرنسا، كان كل من الصفويين والعثمانيين من اتباع الاتجاه الصوفي، الا ان الشاه اسماعيل الصفوي اعلن اعتناقه مذهب التشيع واعتبره المذهب الرسمي للدولة الامر الذي اسهم بانتشار التشيع في قلب ايران بينما بقيت المناطق التي يسكنها الاكراد في غرب البلاد تعتنق المذهب الشافعي والبلوش في شرق البلاد يعتنقون المذهب الحنفي، واما العثمانيون وبعد تمكن السطان سليم من احتلال مصر والقضاء على اخر خليفة عباسي فانه اعلن اعتناق مذهب ابي حنيفة واعتبره المذهب الرسمي للدولة.
إقرأ المزيد ,,
الإمام الخامنئي: طوفان الأقصى تمكنت من تعطيل السياسات الأميركية في المنطقة
إقرأ المزيد
لنصرة غزة قاطق المنتجات الاسرائيلية
