تفسير العلامه الطباطبائيّ لقوله تعالي: كَمِشْكَو’ةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
وقوله: كَمِشْكَو’ةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ المُشَبَّه به مجموع ما ذكر من قوله مِشْكَو’ةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ إلی آخره، لا مجرد المِشْكَاة وإلاّ فسد المعني، وهذا كثير في تمثيلات القرآن.
وقوله: الزُّجَاجَةُ كَأَ نَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ تشبيه الزجاجة بالكوكب الدرّيّ من جهة ازدياد لمعان نور المصباح وشروقه بتركيب الزجاجة علی المصباح فتزيد الشعلة بذلك سكوناً من غير اضطراب بتموّج الاهوية وضرب الرياح، فهي كالكوكب الدرّيّ في تلالؤ نورها وثبات شروقها.
وقوله: يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَـ’رَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي´ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ خبر بعد خبر للمصباح، أي المصباح يشتعل آخذاً اشتعاله من شجرة مباركة زيتونة، أي أ نّه يشتعل من دهن زيت مأخوذ منها، والمراد بكون الشجرة لا شرقيّة ولا غربيّة أ نّها ليست نابتة في الجانب الشرقيّ ولا في الجانب الغربيّ حتّي تقع الشمس عليها في أحد طرفي النهار ويفيء الظلّ عليها في الطرف الآخر فلا تنضج ثمرتها فلا يصفو الدهن المأخوذ منها فلا تجود الإضاءة، بل هي ضاحية تأخذ من الشمس حظّها طول النهار فيجود دهنها لكمال نضج ثمرتها.
والدليل علی هذا المعني قوله: يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي´ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، فإنّ ظاهر السياق أنّ المراد به صفاء الدهن وكمال استعداده للاشتعال وأنّ ذلك متفرِّع علی الوصفين: لا شرقيّة ولا غربيّة.
وأمّا قول بعضهم: من أنّ المراد بقوله:«لا شرقيّة ولا غربيّة» إنّها ليست من شجر الدنيا حتّي تنبت إمّا في شرق أو في غرب، وكذا قول آخرين: إنّ المراد أ نّها ليست من شجر شرق المعمورة ولا من شجر غربها، بل من شجر الشام الواقع بين الشرق والغرب وزيته أفضل الزيت، فغير مفهوم من السياق.
وقوله: نُورٌ عَلَي’ نُورٍ خبر لمبتدأ محذوف وهو ضمير راجع إلی نور الزجاجة المفهوم من السياق، والمعني نور الزجاجة المذكور نور عظيم علی نور كذلك، أي في كمال التلمّع.
والمراد من كون النور علی النور قيل: هو تضاعف النور لا تعدّده فليس المراد به أ نّه نور معيّن أو غير معيّن فوق نور آخر مثله، ولا أ نّه مجموع نورين اثنين فقط، بل إنّه نور متضاعف من غير تحديد لتضاعفه، وهذا التعبير شائع في الكلام.
وهذا معني لا يخلو من جودة، وإن كان إرادة التعدّد أيضاً لا تخلو من لطف ودقّة، فإنّ للنور الشارق من المصباح نسبة إليه بالاصالة والحقيقة ونسبة إلی الزجاجة التي عليه بالاستعارة والمجاز، ويتغاير النور بتغاير النسبتين ويتعدّد بتعدّدهما وإن لم يكن بحسب الحقيقة إلا للمصباح والزجاجة صفر الكفّ منه، فللزجاجة بالنظر إلی تعدّد النسب نور غير نور المصباح، وهو قائم به ومُستَمَدّ منه.
وهذا الاعتبار جار بعينه في الممثَّل له، فإنّ نور الإيمان والمعرفة نور مستعار مُشرِق علی قلوب المؤمنين مقتبس من نوره تعإلی قائم به ومستمدّ منه.
فقد تحصّل أنّ الممثّل له هو نور الله المشرق علی قلوب المؤمنين، والمثل هو المشبّه به النور المشرق من زجاجة علی مصباح موقد من زيت جيّد صاف وهو موضوع في مشكاة، فإنّ نور المصباح المشرق من الزجاجة والمشكاة تجمعه وتعكسه علی المستنيرين به يشرق عليهم في نهاية القوّة والجودة.
فأخذ المشكاة للدلالة علی اجتماع النور في بطن المشكاة وانعكاسه إلی جوّ البيت، واعتبار كون الدهن من شجرة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة للدلالة علی صفاء الدهن وجودته المؤثّر في صفاء النور المُشرِق عن اشتعاله وجودة الضياء علی ما يدلّ عليه كون زيته يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي´ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، واعتبار كون النور علی النور للدلالة علی تضاعف النور أو كون الزجاجة مستمدّة من نور المصباح في إنارتها.
وقوله: يَهْدِي اللَهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ استئناف يعلّل به اختصاص المؤمنين بنور الإيمان والمعرفة وحرمان غيرهم.
فمن المعلوم من السياق أنّ المراد بقوله: مَن يَشَآءُ القوم الذين ذكرهم بقوله بعد: رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـ’رَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَهِ ـ إلی آخره، فالمراد بـ مَن يَشَآءُ المؤمنون بوصف كمال إيمانهم[10].
تفسير العلامه الطباطبائيّ لقوله تعالي: وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ
وفي تفسيره لـ وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ، قال:
وقوله: وَيَزِيدَهُمْ مِّن فَضْلِهِ الفضل العطاء، وهذا نصّ في أ نّه تعإلی يعطيهم من فضله ما ليس بإزاء أعمالهم الصالحة، وأوضح منه قوله تعإلی في موضع آخر: لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ(الآية 35، من السورة 50: ق)، حيث إنّ ظاهره أنّ هذا المزيد الموعود أمر وراء ما تتعلّق به مشيّتهم.
وقد دلّ كلامه سبحانه أنّ أجرهم أنّ لهم ما يشاؤون قال تعالي: أُولَـ’´نءِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَ لِكَ جَزَآءُ الْمُحْسِنِينَ.(الآية 34، من السورة 39:الزمر)
وقال: أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيرًا * لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَـ’لِدِينَ.(الآيتان 15 و16، من السورة 25: الفرقان)
وقال: لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ كَذَ لِكَ يَجْزِي اللَهُ الْمُتَّقِينَ.(الآية 31، من السورة 16: النحل)
(وعليه، فإنّ المؤمنين وحدهم الذين يُثابون علی أعمالهم الصالحة التي تقع تحت إرادتهم وفي قبضة مشيّتهم.) فهذا المزيد الذي هو وراء جزاء الاعمال أمر أعلی وأعظم من أن تتعلّق به مشيّة الإنسان أو يوصل إليه سعيه، وهذا أعجب ما يعده القرآن المؤمنين ويبشّرهم به فأجد التدبّر فيه».[11]
ويستطرد الاُستاذ ال علامه قدّس الله سرّه في بحث فلسفيّ مستقلّ كاشفاً الحقيقة المطلقة لمشيّة الباري والمتمثّلة بالآية 45، من هذه السورة: يَخْلُقُ اللَهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللَهَ عَلَي’ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، حيث يقول:
«إنّا لا نشكّ في أنّ ما نجده من الموجودات الممكنة معلولة منتهية إلی الواجب تعإلی وأنّ كثيراً منها ـ وخاصّة في المادّيّات تتوقّف في وجودها علی شروط لا تحقّق لها بدونها كالإنسان الذي هو ابن، فإنّ لوجوده توقّفاً علی وجود الوالدين وعلی شرائط أُخري كثيرة زمانيّة ومكانيّة، وإذ كان من الضروريّ كون كلّ ممّا يتوقّف عليه جزء من علّته التامّة كان الواجب تعإلی علی هذا جزء علّته التامّة لا علّة تامّة وحدها.
نعم، هو بالنسبة إلی مجموع العالم علّة تامّة، إذ لا يتوقّف علی شيء غيره، وكذا الصادر الاوّل الذي تتبعه بقيّة أجزاء المجموع، وأمّا سائر أجزاء العالم فإنّه تعإلی جزء علّته التامّة ضرورة توقّفه علی ما هو قبله من العلل وما هو معه من الشرائط والمعدّات.
هذا إذا اعتبرنا كلّ واحد من الاجزاء بحياله، ثمّ نسبنا وحده إلی الواجب تعالي.
وها هنا نظر آخر أدقّ وهو أنّ الارتباط الوجوديّ الذي لا سبيل إلی إنكاره بين كلّ شيء وبين علله الممكنة وشروطه ومعدّاته يقضي بنوع من الاتّحاد والاتّصال بينها، فالواحد من الاجزاء ليس مطلقاً منفصلاً، بل هو في وجوده المتعيّن مقيّد بجميع ما يرتبط به متّصل الهويّة بغيرها.
فالإنسان الابن الذي كنّا نعتبره في المثال المتقدّم بالنظر السابق موجوداً مستقلاّ مطلقاً فنجده متوقّفاً علی علل وشروط كثيرة والواجب تعإلی أحدها يعود بحسب هذه النظرة هويّة مقيّدة بجميع ما كان يعتبر توقّفه عليه من العلل والشرائط غير الواجب تعالي، فحقيقة زيد مثلاً هو الإنسان ابن فلان وفلانة المتولّد في زمان كذا ومكان كذا المتقدّم عليه كذا وكذا المقارن لوجوده كذا وكذا من الممكنات.
فهذه هي حقيقة زيد مثلاً ومن الضروريّ أنّ ما حقيقته ذلك لا تتوقّف علی شيء غير الواجب، فالواجب هو علّته التامّة التي لا توقّف له علی غيره، ولا حاجة له إلی غير مشيّته، وقدرته تعإلی بالنسبة إليه مطلقة غير مشروطة ولا مقيّدة، وهو قوله تعالي: يَخْلُقُ اللَهُ مَا يَشَآءُ إِنَّ اللَهَ عَلَي’ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. [12]
إقرأ المزيد ,,
مشهد مصور عن حقائق من الميدان في غزة _ طوفان الاقصى
إقرأ المزيد ,,
الإمام الخامنئي: الشعب الفلسطيني فضح الغرب وأمريكا وادعاءاتهم الكاذبة بشأن حقوق الإنسان
إقرأ المزيد
الشيعة وفلسطين _.._ قراءة في عملية طوفان الاقصى (جميع الحلقات)
إقرأ المزيد
لنصرة غزة قاطق المنتجات الاسرائيلية
فلسطيني رقص على الدبكة خلال الاشتباكات يُذكر بـ “رقصة الحرية” للهنود الحمر
إقرأ المزيد
ندعوكم لدعم موقع الولاية الإخبارية ماديا
إقرأ المزيد
( أُمُّ الْبَنِينَ ابْكِ عَلىٰ أَحْزانِها ) – قصيدة من ديوان مدائح الأطهار
*غولاني” يُسحب من غزّة.. المقاومة تُحطّم جنود “النُخبة”
*أبو عبيدة: إذا أراد العدو أسراه أحياءً فعليه وقف العدوان
*أمير عبداللهيان: الشعب الفلسطيني ومقاومته اثبتا تفوق قدرتهما وارادتهما على آلة القتل الصهيونية
*السيد الحوثي: البوارج الأميركية هدف لصواريخنا إذا اعتدت واشنطن علينا
رئيسي لـ “بابا الفاتيكان” : أتمنى أن نرى عشية العام الجديد وقفاً فورياً لقتل ألابرياء في غزة
محلل عسكري صهيوني: لسنا قريبين من تحقيق أهداف الحرب على غزة