سلسلة الحياة الطيبة بغير حساب
10 يناير,2024
طرائف الحكم
129 زيارة
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وآله الطاهرين.
تواجه الروح الإنسانية في حركتها التكاملية للوصول إلى الكمال عدة مستويات يمكن أن نلخّصها بثلاثة هي:
الأوّل: النشاط والحيوية الروحية.
الثاني: الخمول والكسل الروحي.
الثالث: الشلل والتعطيل الروحي الكامل.
وما نودّ الحديث عنه في هذه المقدّمة هو المستوى الثاني، وهي حالة الفتور والركود الروحي التي قد تصيب الإنسان لأسباب إما طبيعية أو غير طبيعية هي الأكثر، لأنّ تعب النفوس من فترة إلى أخرى أمر طبيعي وسليم. وهي في الحقيقة فترة راحة تحتاج إليها النفس لكي تعاود نشاطها المعنوي والروحي من جديد، لأنّ الإنسان لا يمكنه أن يسير بوتيرة معنوية واحدة وعلى منوال واحد في كلّ محطّات سيره. بل سينال منه التعب من وقت لآخر، وسوف يضطر للجلوس لكي يرتاح قليلاً. روي عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: “رَوِّحُوا أَنْفُسَكُمْ بِبَدِيعِ الْحِكْمَةِ فَإِنَّهَا تَكِلُّ كَمَا تَكِلُّ الْأَبْدَانُ”[1]. وفي رواية أخرى يقول عليه السلام: “رَوِّحُوا قُلُوبَكُمْ فَإِنَّهَا إِذَا أُكْرِهَتْ عَمِيَتْ”[2].
إذن التعب الذي يمكن أن ينال من النفس أثناء أداء الإنسان لواجباته الدينية خصوصاً العبادية منها أمر طبيعي ولا ينبغي أن يعتبر علامة على حدوث انتكاسة روحيّة أو معنوية أو بداية الخمول وربّما الشلل الروحي. بل النظرة الصحيحة لكيفيّة التعاطي مع العبادات التي تقرِّبنا نجوى إلى الله، ينبغي أن تحكمها الأطر الصحيحة التي سنّها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وينبغي أن تكون هي الحاكمة منذ البداية. فعندما يوصي الرسولُ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الإمامَ علي عليه السلام بالقول: “يَا عَلِيُّ إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ وَلَا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ رَبِّكَ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ (يَعْنِي الْمُفْرِطَ) لَا ظَهْراً أَبْقَى وَلَا أَرْضاً قَطَعَ فَاعْمَلْ عَمَلَ مَنْ يَرْجُو أَنْ يَمُوتَ هَرِماً وَاحْذَرْ حَذَرَ مَنْ يَتَخَوَّفُ أَنْ يَمُوتَ غَد”[3].
هذه الروايات وغيرها تكشف عن أصل حاكم مهمّ جدّاً ينبغي أن يكون حاضراً في عبادتنا منذ اللحظات الأولى، وينبغي أن تكون الرؤية الإسلامية الصحيحة حول العبادة ولكيفيّة التعامل معها منطلقة منه حتى لا نقع في الشبهات التي قد تبعدنا عن الحق من حيث لا نحتسب. فإنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً كما قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وَإِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَتَنَفَّلُوا وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَعَلَيْكُمْ بِالْفَرِيضَةِ”[4]. وعلى الربّان الحاذق والفطن أن يحسن قيادة دفّته المعنويّة حتى لا يبتلى بعد فترة بأيّ انتكاسة روحيّة تحرمه من هذا المعين الذي ترنو إليه النفوس التائقة نحو السعادة الخالدة. وهذا الكتاب ـ بغير حساب ـ هو محاولة تهدف إلى تحقيق أمرين:
الأوّل: إعادة التذكير بالعبادة، أهمّيتها، أنواعها، ودورها لكي تبقى حاضرة في النفس وتشكّل حافزاً ودافعاً للانطلاق والاستمرار في العبادة بزخم ونشاط.
الثاني: البقاء في محضر العبادة أثناء فترة الراحة والاستراحة أثناء عملية التحضير للانطلاقة المعنوية الجديدة على قاعدة ﴿وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾[5].
والحمد لله رب العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة
الدرس الأول: من هم المسلمون
النصّ القرآني:
قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾[6].
النقاط المحورية:
– الإسلام لغةً واصطلاحاً.
– الإسلام في القرآن.
– الإسلام ومعنى الانقياد.
– الآثار المترّتبة على الإسلام.
تسمية المسلمين
قال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾[7].
الآية الكريمة تتحدّث عن سببين لتسمية المسلمين:
أولاً: ليكون الرسول شهيداً عليهم.
وثانياً: لكي يكونوا شهداء على الناس.
وبطبيعة الحال الشاهد وظيفته وواجبه الأساس هو أن يشهد الحقّ في حالة حدوث خلاف. إذاً السؤال الذي يطرح نفسه هو ما هي القضية التي فيها اختلاف؟
القضية موضع الخلاف مذكورة في أوّل الآية الكريمة، حين يقول الله سبحانه: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾ فهذا يعني بالضرورة أنّ هناك جهاد حقٍّ وجهاد باطل، وأنّ القضية هي الخلاف بين الجهاد الحقّ والجهاد الباطل.
والجهاد الحقّ هو إفْعال السلام لأن الإسْلام إفعال السلام. والمجرم الذي يُفسد في الأرض بـعمله وقوله والذي لا ينشر السلام بين الناس هو عكس المُسلم المُفعِل للسلام: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾[8]. وعليه لا يُمكن الإفساد في الأرض وسفك الدماء وإدعاء أنّ ذلك جهاد في سبيل الله. والتسمية كمُسلِمين التي تحدّثت عنها الآية والتي تعني مُفعِلين للسلام، وهذا المعنى يدحض أيّ تبرير للفساد في الأرض وسفك الدماء بحجّة الجهاد في سبيل الله. والفهم الصحيح لمعنى اسم المسلمين يجعلهم أيضاً شهداء على كلّ من يُفسد في الأرض ويسفك الدماء بحجّة الجهاد في سبيل الله.
ولكن منذ بدء التاريخ وحتى يومنا هذا كثير من الدماء تُستحلّ وتُسفك والجرائم تُرتكب والحروب تشتعل بحجّة الجهاد في سبيل الله. كلّ هذا يتنافى مع الهدف الأساس الذي جعلنا الله من أجله خلفاء في الأرض.
فما هو معنى الإسلام؟ وما هي مراتبه والآثار المترتّبة على هذه المراتب؟
الإسلام لغةً واصطلاحاً
للإسلام في اللغة عدّة استعمالات:
منها: اعتناق الدين الإسلامي والدخول فيه، كما في قوله تعالى: ﴿وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾[9].
ومنها: الانقياد والطاعة.
ومنها: الصلح والسلام.
ومنها: الخذلان وترك النصرة.
ومنها: بيع السلف والسلَم.
وإذا راجعنا المعاجم اللغوية[10] نجد أنّ أكثر معنى ذُكر للإسلام هو الاستسلام والانقياد.
نستنتج أنّ أحد معاني الإسلام هو الاستسلام والخضوع أو أنّ من لوازمه هو الاستسلام والانقياد والخضوع.
معنى الإسلام في القرآن الكريم
وردت كلمة “الإسلام” بلفظها في القرآن الكريم أحياناً وبألفاظ أخر من مادّتها واحد وثمانون مرّة تقريباً. وهي في كلّ هذه المرّات تدور حول ثلاثة أوجه:
الأول: الإسلام بمعنى الإخلاص. ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[11].
الثاني: الاعتراف باللسان. ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾[12]. يعني اعترفنا باللسان فقط.
الثالث: التسليم الكامل والمطلق لله ربّ العالمين. وذلك يجمع الاعتراف باللسان، والتصديق بالقلب، والوفاء بالفعل، والاستسلام لله تعالى في جميع ما قضى وقدّر، ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾[13].
استخدامات الإسلام في القرآن
تُطلق كلمة الإسلام في القرآن على عدّة معاني منها:
1- الشرائع السابقة ولا تختصّ بالدين الإسلامي. فقد أُطلقت على شريعة الأنبياء السابقين للنبي منهم نبي الله نوح، إبراهيم، موسى، سليمان، عيسى[14].
2- النبي الأعظم وأتباعه. يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾[15].
3- الدعوة للمؤمنين للدخول في السلم قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾[16].
4- التسليم لحكم رسول الله، قال تعالى: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾[17]. بيّن سبحانه أنّ الإيمان به إنّما هو بالتزام حكم رسوله والرضا به[18]. إلى غيرها من الاطلاقات[19].
مراتب الإسلام في القرآن
التقسيم الأول:
قسّم العلامة المصطفوي مراتب الإسلام إلى ثلاثة مراتب على الشكل التالي:
الأولى: الإسلام في الأعمال الظاهريّة والأعضاء الجسمانيّة.
الثانية: موافقة الظاهر للباطن بحيث لا تختلف أعماله عمّا في قلبه ونيّته.
الثالثة: الاستغراق في بحر الوجود الحقّ بحيث لا يبقى إنيّة ولا تشخّص نفسيّ، ولا رؤية نفس، وتتجلَّى في هذه المرتبة حقيقة مفهوم التسليم والموافقة الحقّة المطلقة ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ﴾[20].[21]
التقسيم الثاني:
للعلامة الطباطبائي تقسيم أشمل للمراتب حيث اعتبر أنّ مراتب الإسلام أربعة حسب ما جاء في القرآن[22].
– المرتبة الأولى: القبول لظواهر الأوامر والنواهي بتلقّي الشهادتين لساناً، سواء وافقه القلب، أو خالفه، قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا﴾[23].
– المرتبة الثانية: الاعتقاد التفصيلي بالحقائق الدينية: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾[24].
– المرتبة الثالثة: انقياد جميع القوى البهيمية والسبعية لقوى العقل بحيث يُصبح الإنسان يعبد الله كأنّه يراه فإنْ لم يكن يراه فإنّ الله يراه, والأخلاق الفاضلة من الرضاء والتسليم، والحسبة والصبر في الله، وتمام الزهد والورع، والحب والبغض في الله من لوازم هذه المرتبة. قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[25].
– المرتبة الرابعة: التسليم الصرف لما يُريده المولى أو يُحبّه ويرتضيه، وهذه المرتبة إفاضة إلهية لا تأثير لإرادة الانسان فيه، وهذا ما طلبه ابراهيم عليه السلام في قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾[26] فإبراهيم كان مسلماً باختياره، لكنّ سؤاله في أواخر عمره مع ابنه إسماعيل الإسلام وإراءة المناسك سؤال لأمر ليس زمامه بيده، أو سؤال لثبات على أمر ليس بيده[27].
الإسلام ومعنى الانقياد
من خلال العرض القرآني السابق نُلاحظ أنّ جميع الآيات القرآنية تتلاءم مع معنى الانقياد بلحاظين:
1- بلحاظ الجهة المنقاد إليها: وهي الله تعالى، بغضّ النظر عن اختلاف الشرائع السماوية.
2- بلحاظ مراتب الانقياد: ويُمكن تقسيم المراتب إلى أربعة أقسام:
الأول: مرتبة الإسلام الظاهري وهي التي تحصل فيها حالة من الانقياد الظاهري دون التوافق الباطني. كما في الآية 14 من سورة الحجرات.
الثاني: مرتبة الإسلام الواقعي وهي ما يحصل فيها انقياد قلبي وباطني ويُمكن تصنيفها إلى ثلاثة أنواع من الانقياد حسب كلام العلامة الطباطبائي:
النوع الأول: التسليم والانقياد القلبي لجلّ الاعتقادات الحقّة التفصيلية وما يتبعها من الأعمال الصالحة.
النوع الثاني: الانقياد القلبي الذي تخضع له سائر القوى الباطنية عند الإنسان فلا يجد في نفسه شيئاً إلا وينقاد لله تعالى.
النوع الثالث: الانقياد والتسليم الصرف لما يريده المولى أو يُحبّه ويرتضيه وهذا معنى وهبي، وإفاضة إلهية لا تأثير لإرادة الإنسان فيه.
الآثار المترتّبة على الإسلام
المقصود من الإسلام هنا هو الإسلام الظاهري دون الواقعي، حيث لا شكّ في الحكم بإسلام من أظهر الشهادتين سواء علمنا باعتقاده الباطني بالإسلام أو لم نعلم[28]، نظراً إلى ظاهر القول فبمجرّد إظهاره للأمور التي يتحقّق بها الإسلام يُحكم بإسلامه ويوجب صيرورته كسائر المسلمين حيث تجرى عليه أحكام الإسلام، من طهارة البدن، وحلّ المناكحة، وحقن الدم، واحترام ماله وعرضه. لكنّ هذا الإسلام الذي لم يتجاوز عن إطار الإقرار لا ينفع في الآخرة شيئاً ولا يوجب أجراً ولا ثواباً ولا يعتبر زاداً للعبد ليوم معاده وحاجزاً له عن عذاب الله تعالى، وللآخرة حساب آخر.
أمّا لو علمنا نفاقه وعدم مطابقة تظاهره بالإسلام للواقع، فقد ذهب الفقهاء أيضاً إلى الحكم بإسلامه بمجرّد الإقرار بالشهادتين. وذلك للأخبار المدّعى تواترها، الدالّة على كفاية الإقرار بالشهادتين، وأنّ بالإسلام تُحقن الدماء وتجري المواريث، هذا بالإضافة إلى السيرة القطعيّة على
قبول إسلام المُظهِر لهما ولو مع العلم بنفاقه، فقد تعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أمثال أبي سفيان مع علمه بنفاقه وعدم دخول الإسلام في قلبه.
وقد أخبر القرآن بنفاق بعض المسلمين وعدم دخول الإيمان في قلوبهم، بقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾[29]، وقوله تعالى أيضاً: ﴿وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾[30].
وفي مقابل ذلك ذهب السيد اليزدي إلى عدم كفاية الإسلام الصوري الظاهري،لأنّ ألفاظ الشهادتين ليست إلّاطريقاً للكشف عن عقد القلب، فلا تكون حجّة مع العلم بمخالفتها له، ولأنّ المنافقين كما ورد في حديث محمّد بن الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام: “… لَيْسُوا مِنَ الْكَافِرِينَ ولَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ولَيْسُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُظْهِرُونَ الإِيمَانَ ويَصِيرُونَ إِلَى الْكُفْرِ والتَّكْذِيبِ لَعَنَهُمُ الله”[31].
قد يُقال بأنّ هذا النوع من الأدلّة غير كافٍ لإثبات كفر المنافق، خصوصاً مع ورود الروايات المتقدّمة المؤكّدة على إسلامه، ودلالة نفس الحديث على أنّهم ليسوا من الكافرين. نعم، فيه دلالة على نفي مرتبة من مراتب الإسلام.
والحمد لله رب العالمين
[1] الشيخ الكليني، محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، دار الكتب الإسلامية – طهران، الطبعة الرابعة، 1407 هـ، ج1، ص48.
[2] ابن أبي جمهور، محمد بن زين الدين، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق وتصحيح: مجتبى العراقي، الناشر: دار سيد الشهداء للنشر – قم، الطبعة الأولى، 1405 هـ، ج3، ص296.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص87.
[4] م.ن، ج3، ص454.
[5] سورة هود، الآية 120.
[6] سورة الحج، الآية 78.
[7] سورة الحج، الآية 78.
[8] سورة القلم، الآية 35.
[9] سورة التوبة، الآية 74.
[10] يقول ابن فارس في مادّة: “سلم”: السين واللام والميـم، معظم بابه من الصحّة والعافية، فالسلامة أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى… ثم يقول: ومن الباب أيضاً: الإسلام وهو: الانقياد، لأنّه يسلم من الإباء والامتناع. أمّا الراغب الأصفهاني فقد فسّر الإسلام بالدخول في السلم يقول: “والإِسْلَامُ: الدّخول في السّلم، وهو أن يسلم كلّ واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه”.
[11] سورة البقرة، الآية 131.
[12] سورة الحجرات، الآية 14.
[13] سورة البقرة، الآية 112.
[14] ينظر: سورة يونس، الآيتان71و72. سورة البقرة، الآيات 130-132. سورة الذاريات، الآيات 31-36. سورة البقرة، الآية 28. سورة النمل، الآيات 28-31. سورة الأعراف، الآيات 117-126. سورة النمل، الآيات 28-31 و42-44. سورة آل عمران، الآيتان 52و53.
[15] سورة آل عمران، الآية 85.
[16] سورة البقرة، الآية 208.
[17] سورة النساء، الآية 65.
[18] ينظر: الكاشاني، الملا فتح الله، زبدة التفاسير، تحقيق مؤسسة المعارف، نشر مؤسسة المعارف الإسلامية – قم – إيران، مطبعة عترت، الطبعة الأولى، 1423 هـ، ج2، ص 95.
[19] ينظر حول معاني الإسلام في القرآن كتاب: التكفير ضوابط الإسلام وتطبيقات المسلمين، الشيخ أكرم بركات، ص 26-31.
[20] سورة آل عمران، الآية 19.
[21] ينظر: المصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي – طهران، الطبعة الأولى، 1410 هـ، ج5، مادة سلم، ص 191.
[22] ينظر: أسوار الأمان، الدرس 12 الأعراب والصادقون، إعداد مركز نون للتأليف والنشر، ص 242- 247.
[23] سورة الحجرات، الآية 14.
[24] سورة الزخرف، الآية 69.
[25] سورة البقرة، الآية131.
[26] سورة البقرة، الآية 128.
[27] ينظر: العلامة الطباطبائي، السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، نشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، قم، ج1، معنى الاسلام – مراتب الاسلام والايمان (بحث قرآني)، ص 301-303.
[28] تراجع الكتب التالية: الوحيد البهبهاني، محمد باقر، مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع، تحقيق ونشر مؤسّسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني رحمه الله، قم، الطبعة الأولى، 1424هـ، ج4، ص525.
الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق وتعليق القوجاني، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، 1365هـ، ج6، ص 59.
اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى، مع تعليقات عدة من الفقهاء العظام، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، ط1، 1417هـ، ج1، ص284، م 2.
الأردبيلي، أحمد، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، تحقيق مجتبى العراقي وعلي بناه الاشتهاري وحسين اليزدي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، 1416هـ، ج13، ص340.
[29] سورة المنافقون، الآية1.
[30] سورة الحجرات، الآية 14.
[31] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 395.
2024-01-10