الرئيسية / مقالات متنوعة / أبناء الرسول صلى الله عليه وأله في كربلاء 3

أبناء الرسول صلى الله عليه وأله في كربلاء 3

فالقدوة التي يجب على (فاطمة) أن تعطيها الآخرين بوصفها بنت رسول الله..
والقدوة التي يجب على (علي) أن يمنحها الآخرين بوصفه ابن عم الرسول، وتلميذه الأول، وزوج ابنته، ووالده أحفاده..
هذه القدوة المنتظرة منهما، تختلف في نوعها وفي درجتها.. وتتفوق في نوعها، وفي درجتها..
ولئن كانت القدوة في عرف البشر (تجسيدا) للمثل العليا التي أبدعها الإنسان واكتشفها، فإنها كما علم الرسول آل بيته وأصحابه (تجسيد) للربانية التي يريدها الله!!
وها هو ذا القرآن العظيم يهتف فيهم:
(كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون).
فالربانية وحدها، هي التي تضفي على العظمة الإنسانية رواء الصدق، والإخلاص، والنسك..
وهي التي تجعل من التضحيات رشدا ورضوانا..
ولقد كانت القدوة التي تركها ” علي وفاطمة ” والتي سيتركها ” بنوهما ” من بعدهما رائعة الاتساق مع هذه الغاية الفريدة، وذلك المستوى البعيد.
لقد كرسوا حياتهم للحق، أعظم ما يكون التكريس… وضحوا في سبيله، أصدق ما تكون التضحية..
وإذا كان أكثر ما يجبن الناس عن التضحية، هو حب المال وحب الحياة.. فإن آل بيت الرسول.. هؤلاء البررة البواسل الأطهار. قد عرفوا كيف يستهينون بالمال، ويستهينون بالحياة..!!
(١٨)
لقد رأينا، كيف كان (علي وفاطمة وأبناؤهما) يعيشون في خصاصة وشظف..
ألا فلنعلم أن هذه الخصاصة لم تكن عليهم ضربة لازب.. بل كانت من صنع أيديهم واختيارهم..
فنصيب ” علي ” من الفئ ومن الغنائم كان عظيما.. لكنه ما كان يبقى عليه، ولا يدخر منه.
إنما كان يأخذ منه مثل حسو الطائر… ثم يهب بقيته في سماح وغبطة مسكينا، ويتيما، وأسيرا..!!
ولطالما كان يعمد إلى الطعام المقل الذي يحتاجه لغذائهما طفلاه (الحسن والحسين)، فيتصدق به على شيخ هرم، أو أرملة، أو يتيم..
وستكون هذه طريقة أولاده وشيمتهم حين يكبرون..
فبعد قليل، سنرى (الحسن) وقد كثر راتبه وعطاؤه، أيام (معاوية) يقاسم الله أمواله..!! وكذلك سنرى (الحسين)..
سنراهما ينفقان عطاءهما في سبيل الخير، في سخاوة نفس نادرة المثال.
فإذا دعوا إلى التضحية بالحياة بعد التضحية بالمال، جادوا بأنفسهم، وباعوا صفقة رابحة وغالية ومتواضعة لله رب العالمين..!!
إنهم للتضحية خلقوا.. وللفداء عاشوا.
ولقد يخدعنا الفهم الزائغ لموقفين وقفهما ” علي وفاطمة ” فنرى فيهما جنوحا عن المبدأ العظيم الذي قامت عليها حياتهما.
هذا الموقفان هما:
– موقف ” السيدة فاطمة) من حقها في ميراث النبي.
– وموقف (الإمام علي) من بيعة الصديق أبي بكر.
(١٩)
إن النظرة السريعة المتعجلة لهذين الموقفين، توقع أصحابها في وهم كبير، فيحسبونها عرضا من أعراض التطلع إلى الدنيا والحفاوة بها.
فأما عن الموقف الأول، فلم يكن لدى النبي صلى الله عليه وسلم ما يورث.
لقد كان يمضي الشهر والشهران والثلاثة، ما يوقد في بيته نار تطهو طعاما..!!
ولقد لقي ربه، ودرعه مرهونة في حفنات شعير..!!
كل ما في الأمر، أن المسلمين في بعض غزواتهم أصابوا أرضا – أمر رسول الله أن تبقى في أيدي أصحابها، على أن ينال كل ذي حق فيها نصيبه من ريعها.
وأفاء الله على رسوله من تلك الأرض – في خيبر، وفدك – قطعة صغيرة. كان يحمل ريعها إلى الرسول فيستعين به على معيشة بيته وأهله، وأبناء السبيل.
ولما انتقل عليه السلام إلى الرفيق الأعلى، حول خليفته الصديق ذلك الريع إلى بيت مال المسلمين.
وطالبت به السيدة فاطمة بوصفها وارثة أبيها، وغاضبت الخليفة من أجل صنيعة ذاك..
بيد أنها لم تكد تعلم من أبي بكر، ومن غير أبي بكر من الأصحاب أن الرسول كان قد أعلن في حياته أن الأنبياء لا يورثون، حتى فاءت إلى حكمن الشرع وأذعنت لقرار الرسول، وتقبلت في رضا وتسليم حرمانها من ذلك الريع الذي كانت في أشد الحاجة إليه.
وهكذا أضافت إلى تضحياتها تضحية جديدة، وفاء منها وولاء للحق الذي قامت عليه حياتها…!!!
(٢٠)
وأما موقف ” الإمام علي) من بيعة (الصديق أبي بكر) رضي الله عنهما، فما كان امتناعه عن البيعة أول أمره تحديا منه لمبادئ التي قامت عليها حياته الورعة، ولا نكوصا عن التضحية من أجلها.
بل كان في التحليل النهائي له، صورة صادقة لاستقامة النهج في ضمير (الإمام) وسلوكه.!!
لقد كان على اقتناع وطيد بأن خير الإسلام في أن يظل لواؤه بيد واحد من بيت النبوة، لا سيما في الفترة التالية لوفاة الرسول، حيث يخشى أن تتحرك النزعات القبلية في أحشاء المجتمع من جديد، متخذة من منصب الخلافة مجال تنافسها – الأمر الذي حدث فعلا يوم السقيفة، إذ رأى بعض زعماء الأنصار أنهم أولى بالخلافة.. ورأى المهاجرون أنهم أحق بها وأجدر.. وكان الخلاف يتفاقم لولا أن بسط الله يده فوق عباده، وتحرك الضمير الديني الرشيد الذي غرسه الرسول في أفئدة أصحابه، فذاب الخلاف فور نشوئه في حرارة الإيمان وصدق اليقين..!!
ولم يكن ” علي ” في اقتناعه بأولوية بيت النبوة في الخلافة يبتغي لآل البيت امتيازا خاصا.
بل كان يرى ذلك امتدادا لواجبهم نحو الدين الذي أكرمهم الله به.
من أجل ذلك، نراه يجعل هذه الأولوية مشروطة بأن يكون في آل البيت من يؤهله صلاحه وورعه واقتداره لحمل تبعات المنصب الجليل.
ولقد صور اقتناعه هذا في وضوح كامل من خلال حواره مع الراشدين (أبي بكر وعمر) فقال:
(إنكم تدفعون آل محمد عن مقامه ومقامهم في الناس، وتنكرون عليهم حقهم..
أما والله، لنحن أحق بالأمر، ما دام فينا القارئ لكتاب الله.. الفقيه في دين الله..
(٢١)
العالم بسنن رسول الله.. المضطلع بأمر الرعية.. القاسم بينهم بالسوية).
وفي كلماته للصديق حين وقف فيما بعد يبايعه.
(يا أبا بكر.
إنه لم يمنعنا من أن نبايعك إنكار لفضلك، ولا نفاسة عليك لخير ساقه الله إليك… إنما كنا نرى أن لنا في هذا الأمر حقا أخذتموه.) (1).
على أنه – كرم الله وجهه – سرعان ما انضم لإجماع الصحابة، وبايع (الصديق) بيعة صدق ويقين.
وسرعان ما أثبت (الصديق) ومن بعده (الفاروق) أنهما خير خلف، لأكرم سلف.
ووقف (علي) مع كلا الخليفتين يبثهما الرأي السديد، والنصح الأمين مما جعل أمير المؤمنين (عمر) يشيد بسداد رأيه فيقول!
(لولا علي، لهلك عمر)..!!
هو إذن لم يكن ينشد الخلافة لدنيا يصيبها، ولو أرادها لذلك لطالتها في يسر يداه.. فلطالما حثه أبو سفيان يومئذ، بل حرضه إثر مبايعة الناس أبا بكر على أن يتشبث بحقه في الخلافة، قائلا له: ” إن شئت لأملأنها عليهم خيلا ورجلا، ولأسدنها عليهم من أقطارها “..
فما كان جواب الإمام العظيم إلا أن قال له:
(يا أبا حنظلة!! إنك تدعونا لأمر ليس من أخلاقنا، ولا من شيمنا.. ولقد سددت دونها بابا، وطويت عنها كشحا)..!!

(1) راجع كتابنا (في رحاب علي).
(٢٢)

شاهد أيضاً

العمق المحتل بمرمى صاروخ يمني فرط صوتي.. وما خفي أعظم

 إيمان مصطفى وقف اليمن شامخًا بوجه ثلاثي الشر الأميركي و”الإسرائيلي” والبريطاني، بكلّ جرأة وشجاعة وثبات، ...