بحثنا في موضوع الفضائل والرذائل الأخلاقية وفي آخر موضوع الأمس أشرت إلى فضيلة التفكر والتأمل، وتوصلنا إلى أن جميع الفضائل تعود إلى هذه الفضيلة، وان الهدف من العبادات هو التفكر والتأمل وان تقدم البشرية يعتمد على هذه الفضيلة.
ان اجتياز مقام التوبة واليقظة والوصول إلى مقام التخلي، واجتياز مقام التخلي والوصول إلى مقام التحلي والتجلي ومن ثم مقام لقاء الله، كل ذلك بالاهتمام بفضيلة التفكر والتأمل.
وموضوعي هذا اليوم حول التفكر والذكر، الذي لو التزامه الإنسان في حياته فسوف يحظى بسعادة الدنيا والآخرة قطعا.
– اطلاع الله والنبي والأئمة الطاهرين (ع) على أعمال الإنسان:
يجب ان نلتفت إلى أننا في ساحة حضور الله وساحة حضور النبي الأكرم (ص) وحضرة الزهراء والأئمة الطاهرين (ع)، حتى اتجاه تفكيري وتفكيركم، وطريقة انتباهي وانتباهكم ملحوظة من قبلهم.
يعني ان الله والنبي والزهراء والأئمة الطاهرين (ع) يعلمون ويدركون مدى اخلاصي في قولي لله. وكذلك مدى انتباهكم لما أقول وان حضوركم إلى هنا هل هو لله؟ أم لغيره!
وفي هذا المورد آيات كثيرة:
(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (1).
أيها الإنسان انتبه فإنك في ساحة حضور الله، أن تحسن أو تسئ أو تذنب فإنك في ساحة حضور الله، وفي ساحة حضور النبي (ص) والزهراء والأئمة الطاهرين (ع).
عندما تنجز عملا أو تقول شيئا، أو حتى عندما تفكر، يجب أن تلتفت أولا إلى هذه الآية، والتي تعني أن تأخذ بالحسبان أن الفكر والقول والعمل يعلمه الله والنبي والأئمة الطاهرون وحضرة الزهراء (ع). وان جميع أفكارنا وأعمالنا مكشوفة في ساحتهم المقدسة، يجب أن نكون منتبهين لهذا الأمر.
إن هذا النوع من الفكر والانتباه ينظم قوى الإنسان ويولد بمرور الزمن رويدا رويدا ملكة التقوى، قليلا قليلا مع سعة الصدر والصبر ومرور الزمن يتملك الإنسان حالة يتجنب معها الذنب العمدي بصورة لا إرادية، ويستحي بها من الله والنبي..
– رقابة الملائمة
(٧)
على أعمال الإنسان:
بالإضافة إلى هذا، اعلم أن الكثير من الملائكة المقربين وغير المقربين يتواجدون ويرقبون أقوالك وأعمالك، القرآن في أحد المواضع يقول هناك ملكان يرقبان ويكتبان أعمالك الحسنة والسيئة، أي يقومان بمهمة تعبئة الملف بشكل متواصل.
(ما يلفظ من قول إلا لديه رقب عتيد) (2).
لا تتفوه بشئ وما تفعل من شئ إلا ويسجله الملك الموكل بك وملف العمر هذا يفتح يوم القيامة.
(وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) (3).
يفتح هذا الملف يوم القيامة ويقال له اقرأ، سواء أكان يعرف القراءة أم لم يكن يعرفها يقال له:
(اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (4).
مما يدل على أن الجميع يستطيعون القراءة يوم القيامة، ولكن بأي شكل يكون؟ ذلك ليس من موارد بحثنا الحاضر.
فهذه إذن مجموعة من الملائكة التي تراقب أعمالنا.
وبالإضافة إلى هذين الملكين، فان الملائكة المقربين لله مثل جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش. كذلك يرقبون أقوالك وأعمالك وأفكارك.
(كتاب مرقوم * يشهده المقربون) (5).
وذلك يعني أن أي شئ فعلته في الدنيا قد سجل في صحيفة الأعمال ويشهد عليه ملائكة الله المقربون يوم القيامة. وإنما يستطيع أن يدلي بالشهادة من كان حاضرا ورقيبا.
فهذه الآية الشريفة تقول (إن الملائكة المقربين يشهدون يوم القيامة بما لك أو عليك).
هذه الآية الشريفة تعلمنا وتنذرنا، لكي تكون على حذر بأن جميع أقوالك وجميع أفعالك وحتى جميع أفكارك يراقبها الملائكة جبرائيل وإسرافيل وعزرائيل وحملة العرش، أي أنك في ساحة حضورهم.
وقد ورد في الروايات أن جميع أعمالنا وأقوالنا وأفعالنا يرقبها حضرة عزرائيل.
الأشخاص الذين يؤدون الصلاة أول وقتها، الأشخاص الذين يولون الأهمية للصلاة والمحراب والمسجد، فان عزرائيل يرفق بهم لحظة موتهم ويلقنهم الشهادتين.
أما الأشخاص الذين لا يتصفون بذلك فإنه يشدد عليهم حين الموت.
(٨)