الرئيسية / مقالات متنوعة / على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

على خطى الحسين (عليه السلام) د. أحمد راسم النفيس

4 – التحكيم: خديعة الذين جعلوا القرآن عضين وتلبس إبليس ” الذين جعلوا القرآن عضين ” قال تعالى: (كما أنزلنا على المقتسمين * الذين جعلوا القرآن عضين) [الحجر / 90 – 91].
الفتنة تبلغ مداها، والهزيمة على وشك أن تحل بجيش الردة الأموي، يتفتق ذهن الوزير الأول عن مكيدة يكيد بها الأمة ويشق بها صفها ويذهب ريحها، وبهذا يتحقق له من داخل الصف المسلم ما فشل في تحقيقه، طوال قرابة عشرين عاما، من المواجهة المسلحة مع الرسول الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم قبيل ادعائه الإسلام. ولنرجع إلى تاريخ الطبري.
(لما رأى عمرو بن العاص أن أهل العراق قد اشتد وخاف الهلاك، قال لمعاوية: هل لك في أمر أعرضه عليك لا يزيدنا إلا اجتماعا ولا يزيدهم إلا فرقة؟، قال: نعم. قال: نرفع المصاحف ثم نقول ما فيها حكم بيننا وبينكم، فإن أبى بعضهم وجدت فيهم من يقول: بلى ينبغي أن نقبل، فتكون فرقة بينهم، وإن قالوا: بلى نقبل ما فيها، رفعنا هذا القتال عنا وهذه الحرب إلى أجل وحين.
فرفعوا المصاحف بالرماح وقالوا: هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم، من لثغور أهل الشام بعد أهل الشام؟ ومن لثغور أهل العراق بعد أهل العراق؟ فلما رأى الناس المصاحف قد رفعت قالوا: نجيب إلى كتاب الله عزو جل وننيب إليه) (1).

(1) تاريخ الأمم والملوك للطبري، 4 / 34.
(٢٩)
وهنا لا بد لنا من وقفة مع قضية التحكيم، رغم كونها ليست قضية أساسية في هذا البحث، وإنما نعرض لها في إطار بحث رؤية الأمويين للإسلام وحقيقة موقفهم من كتاب الله، عز وجل، وما ورد فيه من أحكام ومن ثم طبيعة دولتهم التي قامت بعد هذا من خلال هذه الرؤية. ثم نعرض موقف أئمة الحق من آل محمد، عليهم السلام، من هذه الدولة من خلال ثورة الإمام الشهيد الحسين، عليه السلام.
فها هو عمرو بن العاص يلعن الغرض الحقيقي لطلاب التحكيم، فيقول: إن عرض التحاكم لكتاب الله عز وجل أمر يراد به تفريق الصف المسلم، أو الكيان الشرعي للأمة المتجمع خلف إمام الأمة علي بن أبي طالب، عليه السلام، وزيادة توحيد الفئة الباغية أو حزب الشيطان، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟.
ترى كيف كان موقف أبي جهل أو أبي سفيان، من أئمة الكفر والضلال، من وحدة الصف المسلم ومن القيادة الشرعية للأئمة؟ هل كان أي من هؤلاء يحلم بأن يحقق ما حققه معاوية وعمرو؟ ولكن هذه المرة يحاربون الإسلام بالسلاح نفسه الذي انتصر به على معسكر الشرك في الجولة الأولى، ولكن هذه المرة بعد أن جعله ابن أبي سفيان وابن العاص ” عضين ” أي مزقا وهزوا. ثم نرى ونسمع، بعد ذلك.
من يحاول ويزعم ويدعي أن الدولة الأموية كانت تمثل امتدادا للشرعية التي جاء بها رسول الله، (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يقول قائل: إن الحسين (عليه السلام) قتل بسيف جده رسول الله، (صلى الله عليه وآله وسلم)، هل كان الرسول على الباطل؟!
وهل جاء الرسول بقران يتخذه معبرا ليجلس على أجساد المسلمين
(٣٠)
وينعم بأموالهم؟! أم أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان كما قال عنه ربنا عز وجل: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) (التوبة / 128) وقوله تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) (الجمعة / 2).
ونعود إلى تاريخ الطبري لنسمع رد الإمام علي (عليه السلام)، على هذا العرض المخادع، فلو كان القوم أصحاب ديانة فلماذا لم يدخلوا في طاعة إمام الحق؟! ولماذا استباحوا قتال من لا يحل قتاله من النساء والأطفال ولو كانوا مشركين؟!. فأي مصداقية لطلبهم التحاكم إلى كتاب الله؟
فكان رده (عليه السلام): ” عباد الله، امضوا على حقكم وصدقكم وقتال عدوكم، فإن معاوية وعمرو بن العاص وابن أبي معيط وحبيب بن مسلمة وابن أبي سرح والضحاك بن قيس ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، أنا أعرف بهم منكم، قد صحبتهم أطفالا وصحبتهم رجالا فكانوا شر أطفال وشر رجال، ويحكم إنهم ما رفعوها ثم لا يرفعونها ولا يعلمون بما فيها، وما رفعوها لكم إلا خديعة ودهنا ومكيدة، فقالوا له: ما يسعنا أن ندعى إلى كتاب الله عز وجل فنأبى أن نقبله، فقال لهم: فإني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم هذا الكتاب، فإنهم قد عصوا الله عز وجل ونسوا عهده ونبذوا كتابه ” (1).

(1) تاريخ الأمم والملوك للطبري، 4 / 34.
(٣١)

شاهد أيضاً

المحاضرة الأخلاقي الاسبوعية لفضيلة الشيخ الدقاق 

المحاضرة الأخلاقي الاسبوعية لفضيلة الشيخ الدقاق إقرأ المزيد  الإمام الخامنئي: المقاومة تعمل بشكل مستقل.. الأمريكيون ...