الرئيسية / تقاريـــر / عبد الستار الجابري اثار ثورة الامام الحسين (عليه السلام)3

عبد الستار الجابري اثار ثورة الامام الحسين (عليه السلام)3

الرابع: احياء الامة سياسياً

تعرضت الامة بعد رحيل النبي (صلى الله عليه واله) الى التغييب السياسي، وقهر الارادة وكتم الانفاس ومصادرة الحريات، واصبح السيف صاحب الكلمة بدلاً من الحكمة والموعظة الحسنة، وقد تجلى ذلك واضحاً في اخراج المعترضين على نتائج السقيفة من بيوتهم عنوة للبيعة واقتحام دار علي وفاطمة (صلوات الله عليهما) واخراج علي (عليه السلام) من بيته ملبباً بحمائل سيفه وتهديده بالقتل ان لم يبايع وما رافق من احداث مأساوية تعرض لها البيت الذي لم يكن النبي (صلى الله عليه واله) يدخله الا مستأذناً، ولم يقف الامر عند المدينة المنورة مركز الدولة السياسي بل تعداه الى جزيرة العرب فتمت تصفية بني يربوع وبني حنيفة فقتلت الرجال وصودرت الاموال وسبيت الحرائر واعتبرت من غنائم الحرب واستحل ما حرم الله منهن ظلماً وعدواناً. وكان نصيب الفكر من المصادرة والتشويه لا يقل عن الحرية السياسية، اذ استدعى البقاء السياسي للحزب القرشي منع تدوين حديث النبي (صلى الله عليه واله) والحد من نشره والوقوف عند الضروريات الفقهية كاحكام الصلاة وبقية العبادات واحكام المعاملات، وبيانها على نحو الفتوى دون الحديث عن النبي (صلى الله عليه واله)، ثم تعدى الامر ذلك الى التاسيس لحكم العائلة مما دفع رفاق الامس الى الصراع فيما بينهم بعد ان اصبحت كل موارد الدولة الممتدة من مصر غرباً الى بلاد فارس شرقاً ومن ارمينا واذربيجان شمالاً الى المحيط الهندي جنوباً تتجه الى جيوب بني امية، فثارت الامة دفاعاً عن لقمة العيش التي حوربت بها وعن مكاسبها التي حازتها سيوفها وعن نظمها الاجتماعي الذي اصبح في خطر، فقالت الامة كلمتها وغيرت ادارة السلطة وقانونها الذي رسمته قريش لتدوير السلطة في بطونها وترجمت الامة ارادتها في انتخابها امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) حاكماً عادلاً واماماً يحمل الامة على الحق، فعادت قريش والعائلة الاموية معاً الى الالتفات على ارادة الامة بعد التفتا على ارادة السماء من قبل، فخاضوا ضد الامة وامامها حربي الجمل وصفين واللتان ولدتا ظهور جهال الامة كعامل جديد في الساحة السياسية ليخوضوا ضد دولة الحق حرب النهروان، ولم يمض الامر طويلاً حتى اغتيل امير المؤمنين (عليه السلام) وهو في محرابه فبايعت الامة عن قناعة الامام الحسن (عليه السلام) خليفة وحاكماً، الا ان الانهيار الداخلي في الامة وتأثير التغييب السياسي للامة منذ سنة 11 هجرية وعجز الامة عن ادراك الواقع السياسي وما يراد بها وخذلانها لعلي ومن بعده للحسن (صلوات الله عليهما) والتفاف اهل الشام حول معاوية ادى ابتزاز معاوية الامة امرها وسيطرته على مقاليد الحكم، ليؤسس بعد ذلك للحكم الوراثي في بلاد المسلمين.
بعد هذا العرض يتضح مدى اهمية ثورة الامام الحسين (عليه السلام) ودورها في احياء الامة سياسياً، فلم يكن الامام الحسين (عليه السلام) مجرد ثائر على جور السلطان، بل كان ثائراً ضد نهج سياسي رسمه بنو امية للسيطرة على مقدرات الامة، فبنو امية لم تكن لهم مقبولية عند الانصار وحذر منهم القران الكريم اذا ارى الله تعالى نبيه (صلى الله عليه واله) رؤيا اخبره فيها بما سيؤول اليه امر قيادة الامة من بعده، فطرحوا على قريش تدوير الخلافة في بطونها واقصاء بني هاشم عن الخلافة، فوجد ذلك الطرح مقبولية كبرى في اوساط القرشيين، وما ان تولى عثمان بن عفان الاموي الحكم حتى سعى الى سيطرة بني امية على كل مفاصل الدولة، فجاروا وظلموا فنقمت عليه قريش والرعية معاً، اما قريش فلأن ما اقصوا عليا (عليه السلام) لاجله عن الحكم اصبح مختصاً ببني امية، واما الرعية فقد سامهم ولاة عثمان الخسف والجور، فلما ولي معاوية الامر جعلها حكماً ملكياً وراثياً، وكان الد عدو لمستقبل الحكم الاموي السنة الصحيحة وعلي واهل بيته (صلوات الله عليهم) فزاد على المنع من تدوين السنة ورواية حديث النبي (صلى الله عليه واله) انه بذل المال لمن يضع الاحاديث الكاذبة والاصحار بسب امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) كل يوم على منابر المساجد. وهكذا تم تشويه الدين وحرف السنة ومصادرة حق الامة السياسي، واجه المشروع الاموي ثلاث قوى معارضة هم ابن الزبير والخوارج والامام الحسين (عليه السلام)، فاما ابن الزبير فكان طالب سلطة ولو آلت له الامور لما كان خيراً من بني امية، والخوارج في اصل منشأهم خلل في فهم الدين فليسوا هم ممن يحمل هم الامة ونجاتها، واما الامام الحسين (عليه السلام) فهو سليل النبوة وخامس من تناولتهم اية التطهير واية المباهلة وسورة الانسان، وهو من اهل البيت الذين اخبر النبي (صلى الله عليه واله) فيما تواتر عنه في حديث الثقلين انهم عدل الكتاب وانهم لن يخرجوا الامة من الهدى ولن يدخلوها في ضلال، وقد اعلن (صلوات الله عليه) في بداية حركته انه لم يخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا منافساً في سلطان بل هو طالب للاصلاح في امة جده (صلى الله عليه واله). ونحن اليوم وبعد خمسة عشر قرن من شهادة الامام الحسين (عليه السلام) نعيش اثار ثورته المباركة ودورها في احياء الامة سياسياً، فقد تحولت الامة من مجرد رعية يحكمها الرعاع الفاسقون الى امة لها كلمتها في وجه الطغاة فجاهدت وقاتلت في سبيل اعلاء كلمة الله، ويوم بعد يوم تنحسر غيوم المشروع الاموي عن الامة ويحل محله نور ثورة سيد الشهداء (عليه السلام) فالصراع دائم بين الاتجاهين، اتجاه تغييب الامة ومصادرة حقها الذي تمارسه مختلف السلطات الجائرة واتجاه اقامة الحق والعدل والعودة الى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه واله) الذي ثار لاجله الامام الحسين (عليه السلام) وفي كل عصر ومصر تشهد الامة هذا النحو من الصراع، ويتجلى عبق ثورة الامام الحسين (عليه السلام) في طالبي الاصلاح في امة جده.

شاهد أيضاً

موسوعة طبقات الفقهاء

48 أبو حُمَيْد الساعدي الأنصاري المدني « 1 » ( . . – 60 ، ...