الرئيسية / تقاريـــر / في رحاب الملحمة الحسينية12 عبد الستار الجابري

في رحاب الملحمة الحسينية12 عبد الستار الجابري

اثار ثورة الامام الحسين (عليه السلام)4

 

الخامس: تأصيل الارتباط باهل البيت (عليهم السلام)
عند النظر في منهج اهل البيت (عليه السلام) نجد ان نهج امير المؤمنين (عليه السلام) دار بين العمل السياسي المعارض السلمي بعد حادثة السقيفة والعمل المسلح في صد الناكثين والقاسطين والمارقين بعد تسنمه امر السلطة، ورغم التضييق الكبير الذي تعرض له بعد حادثة السقيفة الا انه رفد الامة بما يمكنه للحفاظ على هويتها من المسخ الذي بلغ الى مستوى تغيير اوضح معالم الاسلام وهو الصلاة حتى ورد في صحيح البخاري وغيره ان بعض الصحابة قالوا انه لم يبق شيء يعرف على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله) الا الصلاة وقد حرفت، وصلى احدهم ايام امير المؤمنين في الكوفة فقال ذكرنا بصلاة كنا نصليها على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله)، ان هذين النصين يؤكدان مدى التشوية الذي تعرض له الدين الاسلامي، هذا فضلاً عن مسالة تعدد المصاحف وتكفير كل اهل مصر للامصار الاخرى لانهم يقرأون بغير قراءتهم حتى وحدت المصاحف، واصبح لكل بلدة فقه تختلف فيه عن البلدات الاخرى لان من لا حظ له من الفقه اصبح يفتي الناس بما يعرف وما لا يعرف، حتى روي عن الشافعي انه كان يرى نفسه اعلم كثير ممن كانوا في صدر الاسلام وانه يأخذ برواياتهم ولا ياخذ باقوالهم. وقد سعى امير المؤمنين (عليه السلام) طيلة فترة وجوده في المدينة ثم بعد انتقاله الى الكوفة الى بيان السنة النبوية الصحيحة والعمل على بناء الانسان المسلم وتبعه على ذلك الحسنان (صلوات الله عليهما).
وعلى ذلك جرى الامام السجاد (عليه السلام) وقد سنحت الفرصة الواسعة للامامين الباقر والصادق (عليهما السلام) لبث علوم ال محمد نتيجة ضعف الدولة الاموية في العقود الاربعة الاخيرة من عمرها، وضعف الدولة العباسية في العقد الاول. واستمر باقي ائمة اهل البيت (عليهم السلام) على المنهج الاصل في بناء الانسان، بعد ان ابعدتهم السلطات الغاشمة عن مركز القرار في الدولة.
لقد عملت السلطات المتعاقبة على تجهيل الامة بمقام اهل البيت (عليهم السلام) وموقعهم الريادي في الامة، ونشأت على ذلك الاجيال المتعاقبة، وكان من وصلته النصوص عن فضل اهل البيت (عليهم السلام) يخشى نشرها لان اذاعة فضائل اهل البيت (عليهم السلام) يقابله الموت. ومن هنا يفهم بوضوح دور ثورة الامام الحسين (عليه السلام) في تأصيل ارتباط الامة باهل البيت (عليهم السلام) بعد ان هوت عروش الطواغيت، فما ان ضعف سلطان بني امية حتى بدأت احاديث فضائل اهل البيت تظهر للوجود واثمر ذلك انتشار فضائلهم في الاوساط الاجتماعية شيئاً فشيئاً حتى اصبحت امراً واقعاً لم يسع السلطة الحد منه فتحولت السلطة الى استهداف شيعة اهل البيت (عليهم السلام) اعلامياً وامنياً الا ان ذلك لم يعد كافياً لالغاء اهل البيت عن وجدان الامة.
ومهما كان لاهل البيت (عليهم السلام) من مقام سام في قلوب المجتمع الا ان الدماء الزكية للامام الحسين (عليه السلام) كان لها الاثر الاكبر في حفظ هذا التراث الروحي، فالعلم محله البحث العلمي والنقاش واسفار العلماء، ولكن ترسيخ المودة والمحبة في قلوب ابناء المجتمع موضعها العاطفة المبتنية على الاسس المتينة، ولم يكن اوضح مظلومية من مظلومية سيد الشهداء (عليه السلام) الذي لا يختلف ذو ضمير حي مهما كان دينه ومعتقده واتجاهه في ان ما جرى لسيد الشهداء (عليه السلام) كان اعظم جريمة ترتكب في حق الانسان والانسانية، فضلاً عما للامام الحسين (عليه السلام) من مقامات خاصة وعمق في الفكر الاسلامي فهو ممن نص القرآن الكريم على وجوب مودتهم، وبالتالي فشهادة الامام الحسين (عليه السلام) فضحت الانحراف الذي سيطر على واقع الامة ويبقى الشاهد الحي على كل الانحرافات التي شهدها الواقع المؤلم للمسلمين.

لقد تجلى عودة الامة الى آل البيت (عليه السلام) في مجالس الذكر التي كان يقيمها اهل البيت (عليه السلام) احياء لذكرى سيد الشهداء (صلوات الله عليه) والتي تطورت مع الزمن حتى شهد القرن الثالث والرابع والخامس والهجري اعلان مراسم العزاء في كل اطراف الدولة ففي بغداد وغيرها من البلدان التي كان يحكمها السلطان البويهي كانت مراسم العزاء في ايام محرم قد اتخذت رونقاً خاصاً، اثار خصوم مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) في ذلك الزمان ولا يزال الى يومنا هذا يثير من ليس في قلبه مودة اهل هذا البيت الطاهر، وكذلك البلدان التي حكمها سلطان الدولة الفاطمية، وقد دفع ذلك من ران على قلوبهم بغض ال البيت (عليهم السلام) الى اتخاذ يوم العاشر من المحرم عيداً جرياً على سنة بني امية، ووضعوا لاجل ذلك العديد من الاحاديث الكاذبة، وبحمد الله بعد ان ظهر احرار الفكر في المجتمع المسلم – من غير الشيعة – حتى فندوا صحة الاحاديث الواردة في اتخاذ يوم العاشر من المحرم عيداً واستحباب صومه واثبتوا ان الاحاديث فيه موضوعه لتناقضها متناً وعدم امكان قبولها لانها تجعل من النبي (صلى الله عليه واله) تبعاً لتشريعات اخرى، بل استدل على بطلان بان اليهود لا يعملون بالتاريخ القمري فلا يمكن ان تقع مناسباتهم مطابقة للتاريخ القمري الذي يعتمده المسلمون.
لقد كان من نتائج ثورة الامام الحسين (عليه السلام) افشال المخطط الاموي الساعي الى القضاء على اهل البيت في الوجدان الاسلامي ليتحول الامر الى اصحار غالب ابناء المجتمع الاسلامي بالمودة لاهل البيت (عليه السلام) بل قد اتخذ المنهج الصوفي محبة اهل البيت (عليهم السلام) محوراً من محاور القرب لله تعالى، فما مضت على شهادة الامام الحسين (عليه السلام) الا عقوداً من الزمن حتى اصبح حب الامام الحسين (عليه السلام) شعاراً لمعظم المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، وسيبقى حب سيد الشهداء (عليه السلام) طريقاً مقرباً بين المسلمين حتى يأتي اليوم الذي يجتمعون فيه تحت راية الحق.

شاهد أيضاً

ثواب الأعمال – الشيخ الصدوق

البصري عن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل رسول الله صلى الله عليه ...