منهج في الإنتماء المذهبي – صائب عبد الحميد
9 أيام مضت
الاسلام والحياة
30 زيارة
(الخوف من الهزيمة) أمام الطرف المقابل، تراودنا جميعا، وهذه حقيقة لا يمكن لنا أن نوافق الصواب إن تنكرنا لها. وقد تتجلى هذه الظاهرة في الملاحظات التالية:
– أفلا ترون أننا لو صدمتنا الحقيقة بشئ يخالف ما ألفناه واعتقدناه، لظهرت ردود الفعل فينا – فورا – على هيئة غضب وثورة، ثم أحكام تلقى جزافا، وربما أعقبتها سخرية، ثم يسدل الستار على الموضوع، حتى لو عاد يواجهنا ثانية لما أحدث فينا أثرا يذكر، ولأصبح كأية مسألة لا تستحق العناية، أو الالتفات!
وبهذه الطريقة يدفعنا اللا شعور للتسلح بالمناعة الكافية ضد أي مفهوم يخالف المألوف، ولو كان أكثر منه ثباتا، وأقوى حجة.
وهذه ظاهرة عامة في بني الإنسان، إلا من تحرر منها بالوعي والمعرفة، وتلك شجاعة ما أعزها!
– وترانا أيضا، حين نواجه الأمر معكوسا نقف منه الموقف المناسب! فلو عرض علينا مذهبنا مفهوما أو اعتقادا لا يستقيم مع الفطرة السليمة، والعقل المستقيم، والبيان الشرعي، فإن رد الفعل هذه المرة سيأتي على هيئة تنازل تلقائي عما نرتضيه حقيقة، لنخضع – بأي مستوى من مستويات الخضوع – لمعان تأباها عقولنا، وتنفر منها فطرتنا، ولكننا ورثناها!
ولو خشينا من أن هذه المعاني الجديدة قد تستولي علينا، فإننا نلجأ – من حيث ندري، أو لا ندري – إلى غض النظر عنها، مؤثرين السكوت، والوقوف عند أي مستوى يمكننا أن نخضع له، مستبعدين إمكان المناقشة والحوار فما الذي يدفعنا إلى كل هذا؟ إنه (الخوف من الهزيمة)!
ذلك الشبح الذي يراود كل من يواجه مثل هذا الموضوع، حيث يرغب،
(١٨)
بل يندفع من الداخل لأن يكون متفوقا، ويهرب من أي نوع من أنواع التراجع، حتى لو كان تراجعا أمام الحق، وأمام الحكم الشرعي وهو لأجل إرضاء هذه الرغبة، يطرح في المقابل آراء وحججا ليقتنع بها ويجعلها في النهاية سدا منيعا دون الدخول في أية محاولة للمناقشة الجادة، والحوار والمتابعة.
وعندما تكون تلك الهواجس متفوقة لديه جدا، فإنه سيكتسب قناعات شديدة بكل ما من شأنه قطع السبيل إلى ميادين التفكير الحر، ويجعل أي شئ من هذا القبيل بمثابة الأمر المحرم، الذي يجب إنكاره كليا.
ثم كيف نفسر وجود هذه العقد النفسية المتراكمة فينا تراكما جعل أحدنا يرى أن مجرد اقترابه من الآخر يعد مستوى من مستويات الهزيمة، أو الضعف العقائدي، أو أنه مجاملة على حساب المبادئ!
ومن منا ينكر ظاهرة الانكماش النفسي المفاجئ، والنفور غير الإرادي التي فرضت نفسها حتى على الكثير ممن جاء ليعالج هذا الداء العضال، ويرسم حدود هذه المشكلة المستعصية في الأمة؟
فحتى الكثير من هؤلاء ينزلق من حيث لا يشعر، فيمارس مرة أخرى تجسيد تلك الروحية، وتعميق تلك الحواجز النفسية التي سيكون لها هنا آثار أكثر سلبية حتى من تلك البحوث التي تكرس أصلا لتعميق الخلاف، وإحياء الروح الطائفية، وذلك لأنها ستوحي للقارئ بأن هذه الظاهرة هي بمستوى الحقيقة التي تأصلت في النفوس، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من عقائدنا وعواطفنا، وعند هذا يصبح مجرد مناقشتها أمرا مخالفا للطبع، وليس له موضع بيننا على الاطلاق.
ومن أبرز الأمثلة على هذا النمط، ما نجده عند بعض من كتب في الدفاع عن الوحدة الإسلامية، متحمسا ضد الطائفية ومروجيها، ثم إذا أراد
(١٩)
أن يستشهد بمثال، أو يأتي بمصاديق على دعواه، مال على الجانب الآخر، مسجلا نماذج من حملات بعض رجالهم ضد المذهب الذي ينتمي إليه هو، فكأنه يريد أن يقول: إن أولئك هم أساس هذه النزاعات، وهم الذين يؤججون نار الفتنة بين المسلمين، ولم يكن أصحابه هو إلا مدافعين عن مذهبهم المستهدف!
وهكذا يمارس دوره من جديد في إثارة النزاع بما يثيره من ردود فعل سلبية لدى الأطراف الأخرى، فيضيف حلقة أخرى إلى مسلسل النزاعات!
بينما كان الأجدر به – حين يلجأ إلى مثل هذا الاستشهاد – أن ينتخب نموذجا من حملات أصحابه هو ضد المذاهب الأخرى، فيردها، ويبعدها عن ساحة القبول، وبهذا يكون قد أعطى نموذجا صادقا ورائعا في هذا المضمار، وقدم مثالا لروحية عالية تترفع على الأهواء والعصبيات، وتميل بصدق لتحقيق التآلف بين أبناء هذه الأمة الواحدة.
ذلك بحق إنسان في القمة، وما أحوجنا إليه في كل مكان وزمان.
إن تلك الروحية العالية وحدها هي التي تحقق أثرا إيجابيا يرجى أن يؤتي ثماره على طريق التقارب والتفاهم والحوار العقلاني الواعي، الذي سيزيدنا قوة ويوفر بيننا مستوى من الانسجام والاتحاد لا يقل عن درجة الاحساس الصادق بالارتباط المصيري، والاتحاد العقيدي. وسيعيننا هذا الفهم، بل سيدفعنا إلى التعرف على بعضنا من جديد، بروح أخوية نزيهة، ويزودنا برغبة صادقة في البحث عن الحقائق الناصعة المبرأة من كل ما تراكم من غبار زمن طويل، ملئ بالنزاعات والتخاصم، وتبادل التهم والشتائم و…
وبمثل هذه الصيغة يمكننا أن نتوصل إلى جذور تلك الحواجز النفسية، وخلفيات هذا التشنج، وتلك العصبيات المقيتة.
فلقد بلغت بنا تلك العصبيات حدا بالغ الخطورة، حتى صار تعصبنا لأي شئ ألفناه هو أشد ألف مرة من استعدادنا للتمسك بالحكم الشرعي الثابت.
(٢٠)
وهذا يقابله تعصب مماثل ضد ما نراه لدى الأطراف الأخرى.
ومن المهم أن أؤكد هنا أني لا أعني مفهوما بالذات، أو طائفة من المسلمين دون غيرها، ولا فردا دون آخر، بل أريد تلك الظاهرة التي أضحت (مرضا) نفسيا أرسى جذوره في أعماقنا، أفرادا وجماعات، حتى أصبحت معظم التقاليد التي نسبت إلى المذهب، وألصقت به وهي ليست منه، حاكمة حتى على النص الشرعي الثابت لدينا.
فرحنا نلجأ إلى تحوير كل نص لا ينسجم مع هذا التقليد، أو ذلك الرأي وصياغته بحسب قوالب صنعناها نحن بأيدينا، وإن كانت لا تمت إلى الدين بصلة، ولكنها ارتقت في أذهاننا إلى مستوى الشعائر المقدسة، فأصبح مجرد الإشارة إليها أمرا يثير المشاعر، ويؤجج فينا نار الغضب.
ولهذا نجد أن علماء المذهب نفسه لا يجرأون على استنكارها، أو وعظ أصحابهم بتخفيف شدة تمسكهم بها، ولو تجرأ أحدهم على شئ من ذلك، لنبذه أتباعه في الحال، ولأصبح بينهم عرضة لألوان الشتائم والمطاعن، وربما بلغ الأمر إلى رميه بالزندقة والنفاق، ولو كان أتقى الأتقياء!
ولنتذكر مرة أخرى أن من الخطورة بدرجة أن يميل كل منا للاستفادة من هذه الإشارات في توجيه التهم إلى الآخرين، على أنها من مزاياهم وحدهم فإن هذا الأسلوب هو تجسيد كامل للعصبية، كما أنه سوف يبقي على كل معايبنا وأخطائنا، ثم يعود بنا إلى عمق مصيبتنا.
إنما المطلوب منا أن نفتش عن تلك الظواهر في أنفسنا نحن لننتزعها من قلوبنا وعواطفنا، ونتخلص من آثارها.
فلو امتلكنا مثل هذه الروحية، لاقتلعنا كل جذور الخلاف، واكتسحنا كل الآثار السلبية المترتبة عليه.
والآن، لعلي أصبحت قادرا على أن أطرح على نفسي السؤال الآتي:
(٢١)
رابط الدعوة ايتا :الولاية الاخبارية
سايت اخباري متنوع يختص بأخبار المسلمين حول العالم .
https://eitaa.com/wilayah
2024-11-14