الدرس الثاني : الوحي غير الرِّسالي
أهداف الدرس:
1- أنْ يتعرَّف الطالب إلى موارد الوحي غير الرِّسالي.
2- أنْ يتعرَّف إلى أساليب الوحي مع النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
3- أنْ يجيب على شبهة خوف النّبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند نزول الوحي عليه.
تمهيد
تقدّم في الدرس السابق أن الوحي الذي هو الخطاب الخفي لغة واستعمالاً ينقسم إلى قسمين رئيسين، رسالي وغير رسالي، وقد انتهى الحديث عن الوحي الرِّسالي في الدرس السابق، وفي هذا الدرس سوف نتعرض للوحي غير الرِّسالي، وهذا يساعد على فهم بحث الوحي بشكل أفضل، ويساعدنا على التمييز بين أقسام الوحي بشكل أدق.
ثانياً: الوحي غير الرِّسالي:
لا تختصّ الأساليب الثلاثة (التكليم المباشر، ومن خلال ملك، ومن خلال الرؤيا في المنام) من الوحي، والتي تقدّم ذكرها في الوحي الرِّسالي، بالأنبياء عليهم السلام، ولا تختصّ أيضاً بوحي النبوّة، بل هي تجري مع غير الأنبياء أيضاً، وفي الأغراض الأخرى غير الرِّسالية، كما هو الحال بالنسبة لعددٍ من الصالحين:
الوحي إلى البشر
1- فمع أمّ موسى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ .
ومع مريم بنت عمران عليهما السلام: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ .
ومن الواضح أنّ هذه الأغراض لم تكن رسالية، ولم يلزم من نزول الملائكة فيها نبوة المخاطب والمنزل عليهم.
2- الوحي بالأوامر التكوينية: وقد عبّر القرآن الكريم في بعض الموارد عن الأوامر التكوينية بالوحي أيضاً، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا﴾ وفي قوله أيضاً: ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ .
3- الوحي بالأوامر التدبيرية:كما أنَّ إبلاغ الأوامر التدبيرية إلى الملائكة وحيٌ أيضاً في نصّ القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ…﴾ .
4- الوحي بإيداع الأمور الفطرية: وورد أيضاً التعبير به عن إيداع الأمور الفطرية والغريزية لدى الحيوانات وإلهامها ما ينبغي لها، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ .
والنتيجة التي نتوصّل إليها من مجموع هذه الآيات: أنّ الوحي لا يلازم النبوة ولا يختصّ بالأمور الرِّسالية وما يعبّر عنه بوحي الرسالة، بل يتعدّى إلى كثير من الأغراض والموارد الأخرى.
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والوحي
الذي يتحصّل من مجموع النصوص الواردة في كيفية نزول الوحي عليه، أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان يوحى إليه بكل أساليب الوحي المتقدّمة ولمختلف الأغراض.
1- الرؤيا في المنام:
ففي بعض النصوص أنه صلى الله عليه وآله وسلمكان يوحى إليه عن طريق الرؤيا في المنام خاصة في الفترة الأولى من نبوته قبل نزول جبرئيل عليه السلام؛ فعن محمد بن علي بن النعمان الأحول قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرسول والنبيّ والمحدَّث، قال عليه السلام: “الرسول الذي يأتيه جبرئيل قُبُلاً فيراه ويكلّمه، فهذا الرسول، وأما النبيّ فهو الذي يرى في منامه نحو رؤيا إبراهيم عليه السلام ونحو ما كان رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرئيل عليه السلام من عند الله بالرسالة، وكان محمد صلى الله عليه وآله وسلم حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرئيل ويكلمه بها قبلاً، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه ويأتيه الروح ويكلّمه ويحدّثه، من غير أن يكون يرى في اليقظة. وأما المحدَّث فهو الذي يحدَّث فيسمع، ولا يعاين ولا يرى في منامه” .
والرؤيا لم تنقطع عنه صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول جبرئيل عليه السلام بالوحي على قلبه، وبعد أن نزل عليه الوحي المباشر كما سيأتي، فإن القرآن الكريم يشير إلى حصول ذلك فيما بعد أيضاً .
قال تعالى: ﴿لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ﴾ . وقال تعالى: ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ…﴾ .
2- الإيحاء بواسطة الملك:
وأما المرحلة الثانية فكانت مرحلة نزول الوحي بواسطة الروح الأمين جبرئيل عليه السلام على قلب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ .
وقال تعالى: ﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ…﴾ .
وقد وردت بعض الروايات بأن جبرئيل عليه السلام كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمبصورة إنسان جميل الطلعة، فيحدّثه ويقرأ عليه القرآن الكريم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأنس به، وقد رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صورته الحقيقية الملائكية مرتين تحدّثت عنهما سورة النجم: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى* أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ .
فالمرّة الأولى رآه صلى الله عليه وآله وسلم في بدء الوحي: ﴿وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى﴾ فسدّ ما بين المشرق والمغرب.
﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾ فيما روي أنه صلى الله عليه وآله وسلم سأل جبرئيل عليه السلام أن يريه نفسه مرة أخرى على صورته التي خلقه الله عليها، فأراه صورته فسدّ الأفق أيضاً .
3- التكليم المباشر:
روي أن الإمام الصادق عليه السلام سئل عن الغشية التي كانت تأخذ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمأكانت عند هبوط جبرئيل؟
فقال: “لا، إن جبرئيل كان إذا أتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل عليه حتى يستأذنه وإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد، وإنما ذاك عند مخاطبة الله عزّ وجلّ إياه بغير ترجمان وواسطة” .
كيف يعلم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ ما نزل عليه هو وحي؟
الثابت أنّه صلى الله عليه وآله وسلمكان منذ اللحظة الأولى على بيّنة من أمره، والله سبحانه لا يختار لرسالته وثقلها إلاّ من صنع على عينه وهيّء لحملها؟!
وقد كانت الكرامات الكثيرة التي ظهرت له ورويت عنه تشكل إرهاصات للنبوة، بحيث أنه لما نزل عليه الروح الأمين كان على بينة من أمره، وعلى بصيرة ثابتة ويقين مما جاءه، وإلى هذا تشير عدة روايات وردت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام.
فعن زرارة أنه سأل الإمام الصادق عليه السلام: “كيف لم يخف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يأتيه من قبل الله أن يكون مما ينزغ به الشيطان؟ فقال: إن الله إذا اتخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار فكان الذي يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه” .
ويحسن الإشارة هنا إلى أنّ بعض مما يروى في كيفيّة نزول الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم ومن حالة الهلع التي أصيب بها، ومن لجوئه إلى خديجة التي هدّأت من روعه، واكتشفت هي نبوّته قبل أن يعرف ذلك هو، أو عرضت أمره على ورقة بن نوفل أو غيره من
الأحبار أو الرهبان فأخبروها بأنّه نبي، كل ذلك مما لا يمكن القبول به، ولا يتصور النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم شاكاً في نبوته، ولا جاهلاً بالوضع الذي هو عليه، حتى يحتاج إلى من يطمئنه من أمثال هؤلاء، هذا بالإضافة إلى تهافت تلك النصوص وتضاربها، وضعف أسانيدها وإن رويت في كتب أطلق عليها اسم الصحاح.
ومثل هذا الكلام يجري في أسطورة “الغرانيق” وأمثالها مما لا نشك ببطلانه واستحالته، ونعتقد أنه مما دسّ في الأخبار لغرض التشكيك والطعن والتشويه، شأنه شأن الكثير من الإسرائيليات .
أسئلة حول الدرس