الدرس السابع: سلامة القرآن من التحريف
أهداف الدرس:
1- أن يتعرَّف الطالب إلى محلّ النزاع في تحريف القرآن.
2- أن يستدلّ على عدم تحريف القرآن الكريم.
3- أن يُميّز بين التحريف المعنوي والتحريف اللفظي.
تمهيد
من الأبحاث المهمّة في علوم القرآن هو بحث دعوى تحريف القرآن الكريم، وهو بحث له ارتباط بالأديان السماوية الأخرى التي حُرّفت كتبها ولم يبق منها إلا اسمها وبعض تعاليمها، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليها، وسرت هذه المشكلة ليُدّعى أن القرآن قد حُرّف أيضاً كسائر الكتب السابقة، وهذه الدعوى باطلة وغير صحيحة، ويمكن البرهان على ذلك من خلال القرآن الكريم ومن خلال الروايات الشريفة. ولتوضيح هذا البحث لا بد فيه من التفرقة بين التحريف المعنوي والتحريف اللفظي، وتوضيح تحريف النقيصة وتحريف الزيادة.
القرآن ونفي التحريف
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ .
هذه الآية الشريفة تدلّ دلالة تامّة على سلامة القرآن الكريم، وأنه محفوظ من التغيير والتحريف اللفظي، قال العلّامة الطباطبائي قدس سره في تفسيرها: “… فهو ذكر حيّ خالد مصون من أن يموت ويُنسى من أصله، مصون من الزيادة عليه بما
يبطل به كونه ذكراً، مصون من النقص كذلك، مصون من التغيير في صورته وسياقه بحيث يتغيّر به صفة كونه ذكراً لله، مبيّناً لحقائق معارفه، فالآية تدلّ على كون كتاب الله محفوظاً من التحريف، بجميع أقسامه بجهة كونه ذكراً لله سبحانه، فهو ذكر حيّ خالد” .
ويقول السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره: “فإنّ في هذه الآية دلالة على حفظ القرآن من التحريف، وأن الأيدي الجائرة لن تتمكّن من التلاعب فيه” . وقريب من هذا الكلام صدر عن الفخر الرازي والفيض الكاشاني والشيخ الطبرسي وغيرهم.
والمراد من الذكر في الآية المحكي بهذا القرآن الملفوظ أو المكتوب وهو المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد من حفظه صيانته من التلاعب والتغيير والضياع، ولا شك أن مثل هذا الحفظ لا يصحّ إلاّ مع بقائه بمتناول أيدي البشر عامة الذين نزل لهدايتهم. ولا يصحّ إطلاق مثل هذا الحفظ على بقائه بأيدي جماعة خاصة مع عدم إمكان وصول الناس إليه، ولذا صح أن يقال إن بني إسرائيل حرّفوا التوراة والإنجيل مع بقائها مكتومة عند أفراد معيّنين.
السنة ونفي التحريف
وردت روايات عديدة تقتضي سلامة القرآن وحفظه من أيدي التحريف وقد قمنا بتقسيمها إلى طائفتين:
الطائفة الأولى: روايات العرض على القرآن
ما ورد من الروايات تأمر بعرض الأخبار على كتاب الله بهدف تمييز الروايات
الصحيحة عن الموضوعة، فهو بمثابة الميزان لقياس الصحيح منها من الفاسد، فإذا فُرض أن القرآن الكريم محرّفاً فكيف يصحّ الأمر بالعرض عليه وكيف يتمّ جعله مقياساً لذلك؟! إذاً لا بد أن يكون المقياس وهو القرآن الكريم سالماً من أيّ تحريف حتى يصحّ العرض عليه، ومن أمثلة هذه الطائفة:
ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “تكثر لكم الأحاديث بعدي، فإذا روي لكم عنّي حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالف فردّوه” .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: “كل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف” .
قال الفيض الكاشاني رحمه الله: “وقد استفاض عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب الله لتعلم صحته بموافقته له، أو فساده بمخالفته، فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض” .
الطَّائفة الثَّانية: روايات التمسُّك بالثقلين
الرواية المتواترة التي تأمر بالتمسّك بالثّقلين: “إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي” وما في معناها من الروايات الآمرة بالتمسك بالقرآن، واتخاذه إماماً، والتي تصفه بأنه نور وهداية وناصح، وأنه لا عوج فيه، وأنه عصمة للمتمسّك به، ونجاة للمتعلّق به وأمثال ذلك.
وهذه النصوص كلها تقتضي سلامته وحفظه على تلك الصفة. ولو كان محرّفاً لما كان لها أي معنى حينئذ.
تواتر القرآن الكريم
تقدّم في بحث جمع القرآن الكريم أن القرآن الكريم متواتر حفظاً وتدويناً، فعلى صعيد التدوين، تقدّم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم استخدم في كتابة الوحي عشرات الكتّاب وانتشر التدوين بصورة واسعة جداً، وعلى صعيد الحفّاظ فقد كان عددهم بالمئات بل الألوف، وقد استمرّ هذا التواتر في كل الأجيال وجميع العصور حتى يومنا هذا.
فلا يُعتنى بدعاوى التحريف التي تُخالف القطع وظاهر الكتاب والسنّة النبوية الثابتة.
شواهد تاريخية أخرى
توجد عدّة شواهد تاريخية على أن تحريف القرآن لم يكن متيسّراً حتى لمن كان يرغب بذلك.
فمن ذلك قول عمر بن الخطاب: “لولا أن يقول الناس إن عمر زاد في كتاب الله لكتبت آية الرجم بيدي” .
ومن ذلك أن عثمان أراد حذف الواو من آية الكنز: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ…﴾ ولكن الصحابة اعترضوا عليه ومنعوه من ذلك حتى أن أبيّ قال له: لتُلحقنّها أو لأضعنّ سيفي على عاتقي، فألحقوها .
واتفق مثل ذلك مع الخليفة الثاني في “واو”: ﴿الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ﴾ .
وسواء فُسّر ذلك بأنه سهوٌ وقلّة حفظ أو أنها محاولات هادفة فإنّ المسألة لم تكن متيسرة لهم، وقد سخّر الله سبحانه من يحفظ القرآن الكريم من التغيير والتبديل.
دعاوى التحريف
يستعمل لفظ التحريف ويراد منه أحد معنيين:
الأول: التحريف المعنوي, وذلك بحمل الألفاظ على غير معانيها وتأويلها بما لم تنزل فيه بلا دليل لغوي ولا رواية صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.
وهذا النمط من التحريف وقع بلا شك من قِبَل الكثير من المذاهب وأهل الأهواء والمقالات الفاسدة الذين حاولوا الاستفادة من الكتاب لنصرة مقالاتهم الباطلة، ولأجل ذلك نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن مجادلة الخوارج بالكتاب عندما بعث إليهم ابن عباس فقال له: “لا تخاصمهم بالقرآن فإن القرآن حمّال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن خاصمهم بالسنّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً” .
وذلك لأنهم كانوا يؤوّلون الآيات التي يمكن أن يخاصمهم بها لإلزامهم بوجوب طاعة أمير المؤمنين على وفق أهوائهم وآرائهم. بخلاف نصوص السنّة الصحيحة والصريحة بالمطلوب.
الثاني: التحريف اللفظي, ويراد منه تحريف ألفاظ القرآن الكريم بالزيادة أو النقصان أو التبديل، وهذا هو المقصود من البحث وهو محل النزاع في بحث تحريف القرآن، وما قدّمناه من أدلة على سلامة القرآن يقصد سلامته من هذا النوع من التحريف. لكن المؤسف أن بعض المحدّثين الشيعة خُدعوا بالأخبار المتفرّقة التي تدلّ على وقوع التحريف بالقرآن أو التي توهّموا دلالتها على ذلك،
وهي أخبار عامّية في الأعم الأغلب، وقد أساؤوا نتيجة ذلك إلى القرآن الكريم ووجّهوا طعنة خطيرة للإسلام بسبب هذا التوهّم.
وجاء بعد ذلك الذين يتربّصون الدوائر بأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، وتلقّفوا هذا الكلام واتّخذوه مطعناً للإجهاز على التشيُّع وتشويه صورته. فلا يخلو كتاب يُصنّف اليوم ضدّ التشيُّع من فصول تستغلّ هذه المقولة وتنسب إلى الشيعة هذه التهمة بسبب ما ذهب إليه هؤلاء المحدِّثون، وعلى رأسهم المحدِّث الشيخ حسين النوري الذي ألّف كتاباً سمّاه “فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الأرباب”، أورد فيه اثني عشر دليلاً أو توهّماً وأسهب في التوجيه، وهذه الأدلة المزعومة نذكر أهمّها في الدرس القادم مع الردّ عليها إن شاء الله تعالى.
أسئلة حول الدرس
أجب عن الأسئلة التالية؟
1- يستفاد من القرآن الكريم والروايات الكثيرة أن القرآن محفوظ عن التحريف والتلاعب، اشرح ذلك من خلال بعض النماذج والشواهد.
2- القرآن الكريم متواتر حفظاً وتدويناً، ما هو المقصود بهذه العبارة؟
3- تحدّث عن شاهد تاريخي يكشف عن عدم تيسُّر تحريف القرآن لمن كان يرغب بذلك؟
4- ما هو الفرق بين التحريف المعنوي والتحريف اللفظي؟
5- كيف نستفيد من رواية التمسُّك بالثقلين في نفي التحريف؟