الرئيسية / القرآن الكريم / الوجيز في علوم القرآن

الوجيز في علوم القرآن

الدّرس الثاني عشر: الإعجاز القرآني

أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الإعجاز العام والإعجاز القرآني.
2- أن يدرك الهدف من الإعجاز.
3- أن يتعرَّف إلى مذهب الصرفة في الإعجاز.

تمهيد
يعتبر بحث الإعجاز من أهمّ الأبحاث في علوم القرآن الكريم، وهو من الأبحاث التي تعرّض لها العلماء قديماً، ولا يستغني عنها أي طالب في علوم القرآن، وقد ذكر هذا البحث أيضاً في علم الكلام عند التعرّض للأنبياء عليهم السلام، وأن بعض الأنبياء كان لديهم بعض المعجزات بما تتناسب مع عصرهم، فاضطر علماء الكلام للدخول في بحث المعجزة من جهة اقتران هذا البحث بالنبوة وضرورتها وعلامتها، وأما في علوم القرآن فالتعرّض للإعجاز كان بما يتناسب مع القرآن الكريم وأنه معجزة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه النبيّ الخاتم، ورسالته خاتمة الرسالات، فمن الطبيعي جدّا أن يأخذ بحث الإعجاز القرآني مكانة خاصة في هذا العلم.

معنى الإعجاز
الإعجاز في مصطلح علوم القرآن الكريم هو:

أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهية (كالنبوّة) بما يخرق العادة، ويعجز عنه غيره من البشر كشاهد ودليل على صدق دعواه.

فعلى النبيّ الذي يدّعي النبوة أن يأتي بأمر يعجز الناس عن الإتيان بمثله، ويكون هذا الأمر على خلاف قوانين الطبيعة، ويوافق دعواه ويكون بهدف إقناع الناس به لهدايتهم إلى الطريق الحق.

وعليه فعناصر المعجزة هي:
1- عجز البشر عن الإتيان بمثل المعجزة.
2- تكون خارقة لقوانين الطبيعة المعروفة.
3- عدم استحالتها عقلاً.
4- أن تكون في سياق إثبات صدق مدّعي النبوة أو غيرها من المناصب الإلهية.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أنّ المعجزة لا تلغي قانون العلية ولا تخرج عنه، وإنّما هي تستند إلى علّة غير العلل المعروفة والطبيعية عند البشر. ولو كانت إلغاءً لقانون العلية لاستحالت عقلاً، وعندئذ يسقط عنصر مهمّ من عناصر المعجزة.

فولادة إنسان من غير أب لا يستحيل عقلاً، لأن خالق الإنسان الذي أوجده وخلقه من طين ابتداءً بإمكانه خلقه من غير أب بالأولوية، لكن المعتاد في الأسباب والقوانين الطبيعية أن يولد الإنسان من أبوين، فإذا ولد النبيّ عيسى عليه السلام من غير أب كان خرقاً لنواميس الطبيعة المتعارفة والمعتادة، لكن علة الخلق وأسبابه محفوظة بتمامها.

وهكذا بالنسبة لكلامه عليه السلام في المهد وإحيائه الموتى وأمثال ذلك.

الهدف من المعاجز
ليس من الضروري أن لا يؤمن الناس بالنبيّ إلا من خلال المعجزة وبعد مشاهدتها، نعم قد ينحصر الطرق أمام بعض الناس في إثبات صدق مدّعي النبوة بالإتيان بالمعجز، لكن البعض الآخر من الناس قد يتمكن من معرفة صدق النبيّ والركون إليه والاطمئنان إلى صحة دعواه دون حاجة إلى معجزة أبداً.

فلم يكن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بحاجة إلى معجزة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أجل

الإيمان به وتصديقه، بل الثابت أنه آمن وصدّق وتيقّن دون انتظار، وكذلك كان إيمان وتصديق خديجة رضوان الله عليها.

بل الكثير من النصوص والروايات تحكي لنا إيمان العديد من أهل الكتاب بمجرد عرض الإسلام ومعارفه السامية عليهم، أو من خلال اطلاعهم على مبلغ علم النبيّ دون انتظار المعجزة، وأحياناً كانت سجايا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلموأخلاقه الرفيعة تشكل باباً لاختبار صدقه، لأن كل هذه الأمور من شأنها أن تقود إلى نوع من الاطمئنان والإيمان الواعي.

وأحياناً أخرى كانت صفات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمالمذكورة في الكتب السابقة باعث إيمان عند من اطلع عليها ولم يبتلى بالعصبية والعناد.

ومع ذلك فإن المعجزة هي دليل قاطع على صدق النبي، والحجة الدامغة على من ينكر ويجحد.

كيف تكون المعجزة دالة على صدق النبي؟
المفروض أن ما يأتي به النبيّ لإثبات صدقه يعجز عنه البشر (وهذه مقدمة وجدانية).

ولو كان ما جاء به بقدرة بشرية لما عجز غيره عن الإتيان بمثله (لأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد).

النتيجة إن ما جاء به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ليس بقدرة بشرية.
هذا الدليل استثنائي يمكن صياغته بعبارة أدقّ:

لو كان ما جاء به النبيّ بقدرة بشرية لما عجز عنه غيره، لكنهم عجزوا عنه.

النتيجة: فهو ليس بقدرة بشرية.

لكن من أين حصل للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هذه القدرة الخارقة؟

النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حسب الفرض يدّعي اتصالاً بما وراء الطبيعة، بل بخالق الطبيعة ومدبّرها، وأنه نبيّ مرسل من قبله برسالةٍ ليبلغها إلى الناس، فإذا كان صادقاً فاللازم أن يخصه المرسِل بقدرة خاصة تثبت صدقه واتصاله الخاص به، وهي القدرة على الإتيان بالمعجز أو إجراء المعجز على يديه بعبارة أدق.

هذا النحو من الاستدلال تشير إليه الآية الكريمة التالية:

﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ .

تنوّع معاجز الأنبياء عليهم السلام
روي أنّ ابن السكيت قال للإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام: لماذا بعث الله موسى بن عمران بيده البيضاء والعصا وآلة السحر، وبعث عيسى بآلة الطب وبعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بالكلام والخطب؟!

فقال أبو الحسن عليه السلام: “إن الله تعالى لما بعث موسى عليه السلام كان الأغلب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله تعالى بما لم يكن عند القوم وفي وسعهم مثله، وبما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم، وإن الله بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزِمانات واحتاج الناس إلى الطب، فأتاهم من عند الله تعالى بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن اللّه، وأثبت به الحجة عليهم. وإن الله تعالى بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام والشعر فأتاهم من كتاب الله والموعظة والحكمة ما

أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم” .

أوضحَ هذا النص الحكمة من تنوّع المعاجز من نبيّ لآخر ومن زمن لآخر، حيث إنه ينبغي أن تتوفّر السنخية بين المعجزة والفن الذي يبرع به أهل الزمان، لأن أهل الفن هم الأقدر على تمييز المعجز من غيره والصحيح من الزيف، ويرجع إلى أهل الخبرة عادة في تشخيص الحالات المشكلة والصعبة، فالطبيب هو الأقدر على إدراك حالات الشفاء الخارقة للعادة والتي لم تتم بالأصول والأسباب المعروفة عند علماء الطب، والساحر أقدر على كشف السحر وفضح أسراره وتمييزه عن المعجزة، ومن هنا كان أول من آمن بالنبيّ موسى عليه السلام بعد المواجهة المعروفة هم السحرة أنفسهم الذين دخلوا في لعبة التحدّي، وليس ذلك إلاّ لاطّلاعهم على فنون السحر، فأدركوا أنّ ما جاء به النبيّ موسى لم يكن سحراً فآمنوا.

وهذا هو السر في جعل القرآن الكريم معجزة رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان عصر نزول القرآن من أزهى العصور في صنعة الكلام، بل لم يكن لهم من الفنون ما برعوا به سواها، حتى صاروا يعرضونها في أنديتهم وأسواقهم إلى جانب بضائعهم بل بدلاً عنها. ويفتخرون بها ويتبارون فيها.

مذهب الصرفة
حقيقة الإعجاز قائمة في كون المعجزة فوق قدرة البشر، وإعجاز القرآن الكريم من هذا القبيل، حيث إنه على مستوى البلاغة وغرابة النظم والأسلوب العجيب وما تضمّنه من معارف عالية وإخبارات غيبية تشكّل في مجموعها معجزة، بل يمكن القول بأن القرآن الكريم في كل واحد من هذه الجوانب بلغ حدّ الإعجاز.

ومع ذلك فقد ذهب جماعة من العامة منهم النظام ومن الخاصة السيد المرتضى رحمه الله إلى ما يسمى بمذهب الصرفة، فزعموا أن الإعجاز: قائم في صرف الناس عن معارضة القرآن الكريم مع عدم استحالة الإتيان بمثله من قبلهم بحسب قدراتهم وإمكانياتهم الذاتية لولا الصرفة.

والذي دعاهم إلى هذا القول أنهم توهّموا أن العرب آنذاك كان عندهم العلم بنظم القرآن والعلم بكيفية تأليف كلام يساويه أو يدانيه، والمعتاد أن من كان عنده هذان العلمان يتمكّن من الإتيان بالمثل، ومع ذلك لم يقدروا على المعارضة والإتيان بالمثل رغم محاولتهم واحتياجهم إلى ذلك في مقارعتهم له، فلا بد أنه تعالى أزال عن قلوبهم تلك العلوم وأعجزهم عن المعارضة وصرفهم عن ذلك.

الردّ على القول بالصرفة:
1- لا نُسلّم أن العارف بوجوه البلاغة ونظم الكلام من العرب يمكنه الإتيان بمثله، والبلاغة هي صياغة كلام مطابق لمقتضى الحال، وهو أمر يختلف باختلاف مقتضيات الأحوال. ومهما بلغت قدرات البشر فإنهم يتمكّنون من تأليف كلام على نظم يتوافق مع ما يدركونه ويلاحظونه أو يهتمّون به من مقتضيات الأحوال.

أما القرآن الكريم الذي حوى من المعارف ما لا يمكن أن يحويه كلام أحد، وخاطب البشر كل البشر بلسان واحد، فهو في آن واحد يراعي مقتضى حال العوام والخواص، البسطاء والبلغاء، الراسخين في العلم ومن لم يؤتوا إلا الحظ القليل، وضمن الكلام الواحد من المعارف والمعاني ما لا ينقضي ولا يحدّ. وهذا هو الإعجاز البلاغي الخاص بالقرآن.

2- إن الصرفة لو تحقّقت بعد البعثة لكان بالإمكان أن نجد بين القرآن وبين ما تقدّم على البعثة من كلام البلغاء نوع تشابه وتقارب أو تماثل، فتبطل به المعجزة، لإمكان

أن يجاب عن تحدّيه بأنّ العرب جاءت بمثله، وبه يسقط إعجازه، وهذا لم يحصل في زمن التحدّي لكل العرب.

3- لو كان إعجاز القرآن بالصرفة لكان الأولى في الإعجاز أن يكون عن الإتيان بالركيك من الكلام لا البليغ ولا ذي النظم العجيب. فإن إعجاز الناس عن الإتيان بما هو سهل يسير في العادة أبلغ في الحجّة من إعجازهم عن العالي العزيز.

الشواهد على بطلان مذهب الصرفة:
من الشواهد على بطلان مذهب الصرفة وكون الإعجاز في النظم القرآني الخاص:

ما نقل من قصة الوليد بن المغيرة عندما قرأ عليه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً من القرآن، قال لقومه: فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار منّي ولا أعلم برجز ولا بقصيدة منّي ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وأنه ليعلو وما يعلى، وأنه ليحطم ما تحته.

فقال له أبو جهل: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكّر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره. فنزلت: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا…﴾ .

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري .

وهناك الكثير الكثيرُ من الحالات التي أسلم فيها أناس أو أقرّوا بأنه ليس من كلام البشر بمجرّد سماعه وهو ينافي مذهب الصرفة.

ب- يروى أن المشركين كانوا يطردون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رفع صوته بالقرآن، وكانوا يشوّشون عليه بالصفير والصفيق لئلّا تسمع قراءته، لأن القرآن كان بنفسه ينادي بأنه كلام رب العالمين، وبلاغته وبيانه ونظمه ليست من النوع المألوف وما اعتادته أسماعهم وكل هذا يكشف عن كون الإعجاز في نفس القرآن الكريم لا في صرف الهمم عن معارضته.

آيات التحدّي
1- الآية المتقدّمة: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ .

2- قوله تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾ .

3- قوله تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ .

4- قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ .

5- قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾ .

هذه الآيات الخمس ترتيبها بحسب تسلسل النزول (طبقاً لمرويات السنّة في هذا المجال فليس عندنا فيه شي‏ء يذكر) الثانية ثم الرابعة ثم الأولى ثم الخامسة ثم الثالثة.

وهذا يعني أن التحدّي يبدأ بتمام القرآن (النازل منه طبعاً)، ثم بسورة واحدة، ثم بعشر سور، ثم بجميعه ثم بسورة واحدة. (الإسراء، يونس، هود، الطور، البقرة).

لكن القرآن لما كان اسم جنس ينطبق على بعضه حقيقة فالتحدّي إذن تارة بمطلق القرآن الذي يقبل الانطباق على أي سورة أو أي جزء منه، وأخرى بعشر سور وثالثة بسورة واحدة. وليس هنا من تدرّج في التحدّي بناءً على تسلسل النزول المتقدّم، وإن تحدّث عنه الكثيرون. نعم إذا أسقطنا اعتبار ترتيب النزول وأخذنا الآيات مجرّدة عن زمان نزولها فهناك مراتب للتحدّي يمكن أن توصف بأنها نحو من أنحاء التدرّج.

ومهما يكن فإن التاريخ لم يحدّثنا عن أية معارضة للقرآن أدّت إلى التشويش على عظمة القرآن وإلى إيجاد شبهة أمام إعجازه وتحدّيه.

نعم هناك ما يُسمّى تسامحاً معارضات، لكنها مثار السخرية وتدلّ على سذاجة أصحابها نقل منها شي‏ء عن مسيلمة الكذاب وأبي الطيب المتنبي وأحد المسيحيين في رسالة حسن الإيجاز وهي لا تستحقّ الوقوف عندها وإطالة الكلام بذكرها وتضييع الوقت بنقلها .

أبعاد الإعجاز القرآني
دراسة أبعاد الإعجاز القرآني تحتاج إلى ملاحظة أمور:

1- إن القرآن جاء ليخاطب البشر جميعاً بل الجن أيضاً، فلا يختصّ بأمّة دون أمة ولا جماعة دون جماعة.

﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾ .

2- من حيث البعد الزماني يخاطب كل الأزمان منذ البعثة وحتى قيام الساعة.

﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ .

3- ومن حيث البعد الموضوعي هو شامل لكل شي‏ء.

﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ . ﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ .

4- النبيّ المرسل الذي جاء به لم يتعلّم عند أحد ولم يتلقّ معرفة من أحد من البشر بل كان أمياً لا يقرأ.

﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ .

﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ .

فبعد ملاحظة الأمور الأربعة نجد أن القرآن الكريم جاء به من لم يتلقّ العلم من أحدٍ من البشر، وعلى هذا المستوى الذي أعجز أهل البيان والبلاغة، وبلاغته بلحاظ الأمور الثلاثة الأولى أكبر من أن توصف أو أن تقارن ببلاغة البشر. والإعجاز البلاغي لا يقاس بالنظم والفصاحة والمحسنات البديعية فقط دون ملاحظة المعاني التي يراد صياغة الكلام لبيانها وإيصالها إلى المخاطب، فإن جمال السبك وحسن النظم ينبغي أن يضاف إليه الانسجام التام مع المؤدّى وكونه قادراً على إبلاغ المعنى وإيصاله.

شروط دلالة الكلام:
كما أن لدلالة الكلام على المعنى في مقام التفهّم والتفهيم شروطاً:

1- أن يكون اللفظ قادراً على تحمّل المعنى المطلوب: فقد اعتمد القرآن اللغة العربية بما لها من خصائص ومميّزات, فهي أقدر اللغات على تحمُّل المعاني.

2- أن يكون الكلام موائماً لشخصيّة المتكلّم، مقدّراً بقدره، وموزوناً بما تكتنفه هذه الشخصيّة من علم وقدرة وسعة وإحاطة وغير ذلك من الصفات.

3- أن يكون ذلك المعنى منسجماً أيضاً مع نوعية اختصاص المتكلّم ومع مراميه وأهدافه: فهناك انسجام تام بين القرآن والهدف الذي أنزل من أجله.

4- قدرة المخاطبين على استيعاب المقصود ولو على امتداد الزمن: فيلاحظ فيه أنه يناسب جميع المخاطبين، ويعطي كل مخاطب ما يناسبه.

وبهذا يتجلّى الإعجاز البياني فيه، الذي تمكّن أن يؤدّي المعارف المتنوّعة والسّامية التي تناسب كل مستويات البشرية، والإشارات العلمية وأسرار الخليقة وأصول النظام الكوني، وفي الوقت نفسه يخاطب الجميع دون أن يكون ذلك مخلّاً بإمكانية إيصال المطلوب إلى أهله، فهو يوصل لعوام الناس سهمهم من المعارف، ويوصل إلى ذوي البصائر والعقول العلمية حصّتهم.

وهناك جوانب إعجازية أخرى تتمثّل في الاختبارات الغيبية والكشف عن الجوانب الخفية من قصص الأنبياء والأمم السالفة، والإشارات العلمية، والحديث عن أسرار الكون بما لم يكن معروفاً عند علماء الطبيعة والفلك آنذاك وغيرها من الوجوه، وأهمّها هو الإعجاز البياني الذي قدمنا الحديث عنه وهو لعلّه يشمل كلّ هذه الجوانب لأنّها داخلة في مفهوم البلاغة والأهداف القرآنية.

في ختام بحث الإعجاز ننقل عبارة الإمام الخميني قدس سره التي تتحدّث عن وجه من وجوه الإعجاز في القرآن:

“إن القرآن الشريف قد جمع من لطائف التوحيد وحقائقه وسرائره ودقائقه ما تتحيّر فيه عقول أهل المعرفة، وهذا هو الإعجاز العظيم لهذه الصحيفة النورانية السماوية، لا أنّ حسن التركيب ولطف البيان وغاية الفصاحة ونهاية البلاغة وكيفية الدعوة والإخبار عن المغيّبات وإحكام الأحكام وإتقان التنظيم للعائلة وأمثالها فحسب، التي يكون كلّ واحد منها باستقلاله إعجازاً فوق الطاقة وخارقاً للعادة، بل يمكن أن يقال إن معروفية القرآن بالفصاحة واشتهار هذا الإعجاز من بين سائر المعجزات في الآفاق لأنّه كان للأعراب في الصدر الأول هذا التخصّص، وأدركوا هذه الجهة من الإعجاز فحسب، وأما الجهات الأخرى المهمة التي كانت فيه وكانت جهة إعجازها أرفع، وأساس إدراكها أعلى فلم يدركها أعراب ذلك الزمان، والحال أن المتحدّين منهم في أفق الفهم لا يدركون من هذه اللطيفة الإلهية سوى التركيبات اللفظية والمحسّنات البديعية والبيانية، وأمّا المعترفون (ولعلّ الصحيح المتعرفون) لأسرار المعارف ودقائقها والخبراء بلطائف التوحيد والتجريد، فوجهة نظرهم في هذا الكتاب الإلهي وقبلة آمالهم في هذا الوحي السماوي إنّما هي معارفه، وليس لهم توجه كثير إلى الجهات الأخرى..” .

أسئلة حول الدرس

أجب عن الأسئلة التالية:
1- عدّد عناصر الإعجاز وبيّن علاقة المعجزة بقانون العلية؟
2- كيف تدل المعجزة على صدق دعوى النبوة، ومن أين يحصل للنبي هذه القدرة الخارقة؟
3- ما هي الحكمة من تنوّع المعاجز من نبيّ لآخر ومن زمن لآخر؟
4- هل الإعجاز حقيقي؟ أثبت ذلك بالدليل؟
5- ما هو المقصود بالإعجاز البياني في القرآن الكريم؟

أجب بـ  أو :
الإعجاز هو أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهية بما يخرق نواميس الطبيعة، ويعجز عنه غيره كدليل على صدق دعواه.
من القواعد الأساس في حقيقة المعجزة أنها تلغي قانون العلية.
لا يؤمن النَّاس بالنَّبي إلا من خلال المعجزة وبعد مشاهدتها.
ينبغي أن تتوفّر السنخية بين المعجزة والفن الذي يبرع به أهل الزمان.
مذهب الصرفة يعني أنَّ الإعجاز هو استحالة الإتيان بمثله من قبلهم بحسب قدراتهم وإمكانيَّاتهم الذَّاتيَّة.

املأ الفراغ بالإجابة المناسبة:
البعد الزّماني – مخاطبة كل الأمم – أمية الرسول – البعد الموضوعي

﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾

﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾

﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾

﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾

شاهد أيضاً

العدوان على الدوحة وتونس يثبت أن المقاومة وحدها هي الضمانة

العدوان على الدوحة وتونس يثبت أن المقاومة وحدها هي الضمانة 2025-09-10  محمد الأيوبي في الساعات ...