فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني
4 ساعات مضت
بحوث اسلامية
6 زيارة
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
” 1 ” إن هذه الآية الكريمة تأمر المسلمين بالرجوع إلى أهل الذكر في كل ما أشكل عليهم حتى يعرفوا وجه الصواب لأن الله رشحهم لذلك بعد ما علمهم، فهم الراسخون في العلم الذين يعلمون تأويل القرآن.
وقد نزلت هذه الآية لتعرف بأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وذلك في عهد النبوة، أما بعد النبي وحتى قيام الساعة فهم هؤلاء الخمسة المذكورين أصحاب الكساء يضاف إليهم الأئمة التسعة من ذرية الحسين الذين عينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عدة مناسبات وسماهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأهل الذكر، والراسخون في العلم الذين أورثهم الله سبحانه علم الكتاب.
وهذه الروايات ثابتة صحيحة ومتواترة عند الشيعة منذ عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخرجها بعض علماء أهل السنة ومفسروهم معترفين بنزولها في أهل البيت عليهم الصلاة والسلام. أذكر من هؤلاء على سبيل المثال:
1 – الإمام الثعلبي في تفسيره الكبير في معنى هذه الآية من سورة النحل.
(٢١)
2 – تفسير القرآن لابن كثير في جزئه الثاني الصفحة 570.
3 – تفسير الطبري في جزئه الرابع عشر الصفحة 109.
4 – تفسير الآلوسي المسمى روح المعاني في جزئه الرابع عشر الصفحة 134.
5 – تفسير القرطبي في جزئه الحادي عشر الصفحة 272.
6 – تفسير الحاكم المسمى شواهد التنزيل في جزئه الأول الصفحة 334.
7 – تفسير التستري المسمى إحقاق الحق في جزئه الثالث الصفحة 482.
8 – ينابيع المودة للقندوزي الحنفي الصفحة 51 و 140.
ولما كان أهل الذكر في ظاهر الآية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى كان لزاما علينا أن نوضح بأنهم ليسوا المقصودين من الآية الكريمة.
أولا: لأن القرآن الكريم ذكر في العديد من الآيات بأنهم حرفوا كلام الله وكتبوا الكتاب بأيديهم وقالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا وشهد بكذبهم وتقليبهم الحقائق فلا يمكن والحال هذه أن يأمر المسلمين بأن يرجعوا إليهم في المسائل التي لا يعلمونها.
ثانيا: روى البخاري في صحيحه في كتاب الشهادات باب لا يسأل أهل الشرك من الجزء الثالث صفحة 163.
عن أبي هريرة: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل الآية.
وهو يفيد عدم الرجوع إليهم في المسألة وتركهم وإهمالهم، لأن عدم
(٢٢)
التصديق وعدم التكذيب ينفيان الغرض وهو السؤال الذي ينتظر الجواب الصحيح.
ثالثا: روى البخاري في صحيحه من كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: كل يوم هو في شأن من جزئه الثامن صفحة 208.
عن ابن عباس قال: يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شئ وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا فكتبوا بأيديهم قالوا هو من عند الله ليشتروا بذلك ثمنا قليلا أو لا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم. فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم.
رابعا: لو سألنا أهل الكتاب من النصارى اليوم فإنهم يدعون بأن عيسى هو إله واليهود يكذبونهم ولا يعترفون به حتى نبيا. وكلاهما يكذب بالإسلام ونبي الإسلام ويقولون عنه كذاب ودجال – لكل هذا لا يمكن أن يفهم من الآية بأن الله أمرنا بمسألتهم ولما كان أهل الذكر في ظاهر الآية هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى. فإن هذا لا ينفي أنها نازلة في أهل بيت النبوة كما ثبت عند الشيعة والسنة من طرق صحيحة وبذلك يفهم منها أن الله سبحانه وتعالى أورث علم الكتاب الذي ما فرط فيه من شئ إلى هؤلاء الأئمة الذين اصطفاهم من عباده ليرجع إليهم الناس في التفسير والتأويل وبذلك تضمن هدايتهم – إذا ما أطاعوا الله ورسوله.
ولأن الله سبحانه وجلت حكمته أراد أن يخضع الناس عامة إلى نخبة منهم اصطفاهم وعلمهم على الكتاب لكي تسهل القيادة وتنتظم أحوال الناس بذلك، فلو غاب هؤلاء عن حياة الناس لأصبح المجال مفتوحا أمام المدعين والجاهلين ولركب كل واحد هواه واضطربت أمور الناس ما دام كل واحد يمكنه ادعاء الأعلمية.
(٢٣)
ولأبرهن على الرأي بعد اقتناعي بأن أهل البيت هم أهل الذكر – فسأورد بعض الأسئلة التي ليس لها جواب عند أهل السنة والجماعة، أو أن لها جوابا ولكن متكلف لا يستند إلى حجة يقبلها الباحث المحقق. أما جوابها الحقيقي فهو عند هؤلاء الأئمة الأطهار الذين ملأوا الدنيا علما ومعرفة، وعملا وصلاحا.
(٢٤)
الفصل الأول فيما يتعلق بالخالق جل جلاله السؤال الأول: حول رؤية الله سبحانه وتجسيمه:
يقول الله سبحانه في كتابه العزيز: لا تدركه الأبصار [الأنعام: 103]. وليس كمثله شئ [الشورى: 11] ويقول لموسى لما طلب رؤيته، لن تراني [الأعراف: 143].
فكيف تقبلون بالأحاديث المروية في صحيح البخاري وصحيح مسلم بأن الله سبحانه يتجلى لخلقه ويرونه كما يرون القمر ليلة البدر (1)، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا في كل ليلة (2) ويضع قدمه في النار فتمتلئ (3) وأنه يكشف عن ساقه لكي يعرفه المؤمنون (4) وأنه يضحك ويتعجب، وإلى غير ذلك من الروايات التي تجعل من الله جسما متحركا ومتحولا، له يدان ورجلان وله أصابع خمسة يضع على الأول منها السماوات وعلى الإصبع الثاني الأرضين، والشجر على الإصبع الثالث وعلى الرابع يضع الماء
(٢٥)
2025-02-25