الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
يومين مضت
الاسلام والحياة
17 زيارة
اللعنة تختص بترك الواجب.
ويؤيد الوجوب ما روي عن ابن عباس في تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للآية، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر، ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض ويلعنكم كما لعنهم (١).
الآية السابعة: ﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة…﴾ (2).
وقاية الأهل من النار تتم (بدعائهم إلى الطاعة وتعليمهم الفرائض، ونهيهم عن القبائح، وحثهم على أفعال الخير) (3).
والوقاية هي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لما نزلت هذه الآية… جلس رجل من المسلمين يبكي، وقال: أنا عجزت عن نفسي، كلفت أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك (4).
وفعل الامر (قوا) يدل على الوجوب، ويتحقق هذا الفعل ان قام الانسان بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما واجبان، لأنهما مقدمة من مقدمات الهداية والانقاذ من النار.
وقد وردت آيات في غير موضع من القرآن الكريم قرنت الامر
١) مجمع البيان في تفسير القرآن ٢: ٢٣١.
٢) سورة التحريم: ٦٦ / ٦.
٣) مجمع البيان في تفسير القرآن ٥: ٣١٨.
٤) الكافي ٥: ٦٢.
(٢٠)
بالمعروف والنهي عن المنكر مع سائر الواجبات الشرعية، كما ورد في سورة الحج (1)، وسورة لقمان (2).
ثانيا: الروايات الشريفة:
الروايات الدالة على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مستفيضة ومتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وقد أكدت السيرة على ذلك، حتى أصبح سكوت المعصوم عليه السلام عن عمل معين دليلا على جوازه، فلو كان محرما لنهى عنه، وكانت سيرة المعصومين عليهم السلام تجسيدا للامر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله تعالى، بتصحيح اعتقاد الناس وتربية نفوسهم وتهذيب سلوكهم.
عن حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: الاسلام ثمانية أسهم : الاسلام سهم، والصلاة سهم، والزكاة سهم، والصوم سهم، وحج البيت سهم، والامر بالمعروف سهم، والنهي عن المنكر سهم، والجهاد في سبيل الله سهم، وقد خاب من لا سهم له (3).
فقد عد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في جملة الواجبات وجعل الخيبة والخسران نتيجة لمن لا سهم له.
وسلب صلى الله عليه وآله وسلم صفة الاسلام والايمان ممن لا يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر فقال: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر
١) سورة الحج: ٢٢ / ٤١.
٢) سورة لقمان: ٣١ / 17.
3) الترغيب والترهيب 3: 232.
(٢١)
بالمعروف، وينهى عن المنكر (1) ومعنى السلب هو قلة الحظ من الدين. وصفة الاسلام والايمان لا تسلب إلا ممن لا يؤدي واجبا.
ودلت الروايات على وجوب نشر العلم وتعليم الجهال، ونشر العلم يتحقق بتبيان العقيدة الصحيحة وأحكام الشريعة كما أنزلت وهي مظهر من مظاهر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما أخذ الله سبحانه على الجاهل أن يتعلم حتى أخذ على العالم أن يعلم (2).
ومن مظاهر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر محاربة البدع وذلك عن طريق اثبات مخالفتها للعقيدة والشريعة، ثم تبيان الرأي الأصوب والحكم الأصوب والسلوك المنسجم مع المبادئ والقيم الاسلامية. ومحاربة البدع واجبة كما أكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: إذا ظهرت البدعة في أمتي فليظهر العالم علمه، فإن لم يفعل فعليه لعنة الله (3).
فلو لم يكن اظهار العلم واجبا لما استحق تاركه اللعنة.
والامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفرائض العظيمة التي تتوقف عليها إقامة جميع الفرائض كما بين ذلك الإمام محمد الباقر عليه السلام: إن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء، ومنهاج الصالحين، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الامر، فأنكروا
١) الترغيب والترهيب ٣: ٢٣٢. وبنحوه في: جامع أحاديث الشيعة ١٤: ٣٩٦.
2) تصنيف غرر الحكم: 45.
3) المحاسن: 231.
(٢٢)
بقلوبكم، وألفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولا تخافوا في الله لومة لائم…
أوحى الله إلى شعيب النبي عليه السلام: اني لمعذب من قومك مئة ألف: أربعين ألفا من شرارهم، وستين ألفا من خيارهم، فقال: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل إليه أنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي (1).
فقد بين عليه السلام ان الساكتين عن المعاصي بعدم مواجهتها بنهي عنها أو أمر بمعروف فقد استحقوا العذاب وان كانوا أخيارا، لأنهم تركوا واجبا ولم يؤدوه.
وقد تظافرت الروايات على أن الله تعالى يبغض من لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وعلى نزول العذاب عليه، فلو لم يكن واجبا لما ترتب بغض الله تعالى لمن تركه أو نزول عذابه عليه.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله عز وجل ليبغض المؤمن الضعيف الذي لادين له، فقيل له: وما المؤمن الذي لا دين له؟، قال: الذي لا ينهى عن المنكر (2).
فقد اجتمع فيه بغض الله له، وسلب الدين منه.
وعن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إذا أمتي تواكلت الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلتأذن بوقاع من الله تعالى (3).
١) تهذيب الأحكام ٦: ١٨٠ – ١٨١.
٢) الكافي ٥: ٥٩.
٣) تهذيب الأحكام ٦: ١٧٧.
(٢٣)
ورتب الإمام جعفر الصادق عليه السلام نصر الله تعالى لمن نصر الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخذلانه لمن خذلهما، أي بالأداء والترك، فقال عليه السلام:
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر خلقان من خلق الله تعالى، فمن نصرهما أعزه الله تعالى، ومن خذلهما خذله الله تعالى (1).
وجعل عليه السلام عدم القيام بانكار المنكر مبارزة لله بالعداوة، فقال:
… وإذا رأى المنكر فلم ينكره، وهو يقوى عليه، فقد أحب أن يعصى الله، ومن أحب أن يعصى الله، فقد بارز الله بالعداوة… (2).
وتترتب على ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر آثار وخيمة يوم القيامة، بحيث لا تنفع الانسان سائر عباداته ان كان غافلا عن المواعظ الإلهية، فلم يقم بأدائها أو الترويج لها واشاعتها بين الناس، قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: وقد سبق إلى جنات عدن أقوام كانوا أكثر الناس صلاة وصياما، فإذا وصلوا إلى الباب ردوهم عن الدخول، فقيل: بماذا ردوا؟ ألم يكونوا في دار الدنيا قد صلوا وصاموا وحجوا؟ فإذا بالنداء من قبل الملك الاعلى جل وعلا: بلى قد كانوا ليس لأحد أكثر منهم صياما ولا صلاة ولا حجا ولا اعتمارا، ولكنهم غفلوا عن الله مواعظه (3).
ثالثا: سيرة المعصومين عليهم السلام:
صدع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة إلى الله تعالى، بنبذ عبادة الأصنام، والاستسلام له في العبودية، والتعالي على مفاهيم وقيم الجاهلية، فقد
١) الكافي ٥: ٥٩.
٢) معاني الأخبار: ٢٥٣.
3) ارشاد القلوب: 13.
(٢٤)
دعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى المعروف الأكبر وهو الايمان بالله تعالى وتوحيده ، ونهى عن المنكر الأكبر وهو الكفر والشرك، فخاطب العقول ثم القلوب ثم الإرادة، ليكون الولاء لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وليكون السلوك والممارسات الأخلاقية منسجمة مع ما أراده الله تعالى.
فدعا إلى البر والتقوى، وإلى الصدق والأمانة، وإلى العدل والرحمة، وحفظ العهد، ومطابقة القول للفعل.
ونهى عن الشر والعصيان، وعن الكذب والخيانة، وعن الظلم والاعتداء، وعن الخداع والغش، وعن سائر الموبقات.
ودعا إلى حسن العلاقات الاجتماعية ونهى عن التقاطع والتدابر.
وكان يدعو الكفار كما يدعو أهل الكتاب، وكان يذكر المسلمين بالفضائل والمكارم، وينهاهم عن الرذائل وسوء الافعال، ولم يتوقف عن ذلك في جميع مراحل حياته صلى الله عليه وآله وسلم، وفي جميع الظروف.. في مرحلة العهد المكي حينما كان مضطهدا ومطاردا من قبل المشركين، وفي مرحلة العهد المدني بعد تأسيسه للدولة الاسلامية.
وتابع أمير المؤمنين عليه السلام سيرته صلى الله عليه وآله وسلم في القيام بأداء مسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع مراحل حياته، إلى أن وصل إلى مرحلة المجابهة بالسيف على من ارتكبوا المنكر الأكبر وهو التمرد على الإمامة الحقة ، وأرادوا شق عصا المسلمين، فأجاب عليه السلام من اعترض عليه في مواجهته العسكرية للبغاة في صفين:… ولقد أهمني هذا الامر وأسهرني، وضربت أنفه وعينيه، فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
(٢٥)
2025-01-29