بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي جعل القرآن وسيلة لنا إلى أشرف منازل الكرامة، وسلما نعرج فيه إلى محل السلامة، وسببا نرجو به النجاة في عرصة القيامة، وذريعة نقدم بها نعم دار المقامة، والصلاة على سيدنا محمد المظلل بالغمامة، المحبو من ربه بالسعادة والكرامة، وعلى آله وأصحابه الذين أذهب الله عنهم الدنس واللئامة.
فيقول الفقير إلى الله الغني فخر الدين بن محمد علي طريح النجفي: إني لما عثرت بكتاب غريب القرآن المسمى بنزهة القلوب وفرحة المكروب تأليف أبي بكر محمد بن عزيز السجستاني وتأملته وإذا هو كتاب فائق رائق عجيب غريب إلا أن المطلوب منه يعسر تناوله في القصور في ترتيبه، والخلل في تبويبه فاستخرت الله على تغيير ذلك الترتيب على وجه له فيه رضى، فشرعت فيه رتبته على أبواب الحروف الهجائية، وجعلت كل باب على أنواع منها، كذلك ترتيبا يسهل تناوله على الطالبين ولا يستصعب تعاطيه على الراغبين وأضفت إلى ذلك غير ما في المتن ما لم يشتمل عليه من اللغة والتفسير وأفردت بابا في آخره لذكر ما يناسبه الانفراد، مشتملا على فوائد لطيفة، وفرائد شريفة، ليتم بذلك المقصود إنشاء الله تعالى، فجاء بعون الله كتابا لطيفا حسنا تهش إليه عقول ذوي البصائر، وترتاح إليه أبصار ذوي الضمائر، وسميته بنزهة الخاطر وسرور الناظر وتحفة الحاضر ومتاع المسافر، وإن شئت ترجمته بربيع الاخوان الموضح لكلمات القرآن، وها أنا ذا أشرع به مستعينا بالله متوكلا عليه سائلا منه أن يجعله رضى له، وذخيرة يوم ألقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(٤)
الباب الأول ما آخره ألف أو همزة وهو أنواع النوع الأول * (ما أوله همزة) * (أبا) * (ملة أبيكم إبراهيم) * (1) جعل إبراهيم أبا للأمة كلها، لأن العرب من ولد إسماعيل عليه السلام، وأكثر العجم من ولد إسحاق، ولأنه أبو رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو أب لأمته، فالأمة في حكم الولد، ومثله قوله: * (آبائك إبراهيم إسماعيل) * (2) أضيف الأب إليه لأنه من نسلهما، واصل الأب أبو بالتحريك لأن جمعه آباء مثل: قفا وأقفاء. والعرب تجعل العم أبا والخالة اما، قال تعالى: * (ورفع أبويه على العرش) * (3) يعني أباه وخالته، وكانت أمه راحيل قد ماتت.
(أتى) * (فأتت أكلها ضعفين) * (4) أي أعطت ثمرتها ضعفي غيرها من الأرضين. * (وآتوا الزكاة) * (5) أعطوها يقال آتيته أي أعطيته، وأتيته بغير مد أي جئته، ويقال أيضا آتاه بالمد أي أتى به، قال تعالى: * (آتنا غداءنا) * (6) أي ائتنا به. * (واتوهم ما أنفقوا) * (7) أي وأعطوا أزواجهن ما أنفقوا أي ادفعوا إليهن من المهر، وآتاهم تقواهم أي جاز لهم. * (أتى أمر الله) * (8) أي جاء أمر الله وعدا فلا تستعجلوا وقوعا، فإن العرب تقول: آتاك الأمر، وهو متوقع. * (فأتى الله بنيانهم
١ – الحج: ٧٨.
٢ – البقرة: ١٣٣.
٣ – يوسف: ١٠٠.
٤ – البقرة ٢٦٥.
٥ – الكهف: ٦٣.
٦ – الممتحنة: ١٠.
٧ – النحل: ١.
٨ – النحل: ٢٦.
(٥)
من القواعد) * (1) أي أتى مكرهم من أصله، وهو تمثيل لاستئصالهم، والمعنى إنهم سووا حيلا ليمكروا الله بها فجعل الله هلاكهم في تلك الحيل كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين وأتى البنيان من الأساطين بأن ضعفت فسقط عليهم أعلى السقف وهلكوا.
في تفسير أراد صرح نمرود. * (واتوا به متشابها) * (2) أي يشبه بعضه بعضا فجائز أن يشبهه في اللون والخلقة، ويختلف بالطعم، وجائز أن يشبه بالنبل والجودة.
فلا يكون فيه ما ينفي ولا ما يفضله غيره.
(أخا) * (يا أخت هارون) * (3) شبيهة هارون في الزهد والصلاح، وكان رجلا عظيم الذكر في زمانه، وقيل كان لمريم أخ يقال له هارون * (أخا عاد) * (4) هو هود عليه السلام و * (أخاهم هودا) * (5) لأنهم يجتمعون إلى أب واحد، ومنه يا أخا العرب للواحد منهم و * (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) * (6) يريد المشاكلة لأن الاخوة إذا كانت في غير الولادة كانت المشاكلة والاجتماع في الفعل كقولك:
هذا الثوب أخو هذا الثوب أي يشبهه، قال تعالى: * (وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها) * (7) أي من التي تشبهها وتواخيها.
(إذا) الأذى هو ما يكره ويغتم به * (قل هو أذى) * (8) أي الحيض مستقذر يؤذي من قربه نفرة منه، و * (أذى من رأسه) * (9) كجراحة وقمل، و * (لن يضركم إلا أذى) * (10) أي الاضرار يسير كطعن وتهديد و * (كالذين آذوا موسى) * (11) قيل هو اتهامهم إياه بقتل هارون، وقد كانا صعدا الجبل فمات هارون
١ – البقرة: ٤٨.
٢ – البقرة: ٢٥.
٣ – مريم: ٤٨.
٤ – الأحقاف ٣١.
٥ – الأعراف: ٦٤.
٦ – اسرى: ٦٤.
٧ – الزخرف: ٤٨.
٨ – البقرة: ٢٢٢.
٩ – البقرة: ١٩٦.
١٠ – آل عمران: ١١١.
١١ – الأحزاب: ٦٩.
(٦)
فحملته الملائكة، ومروا به على بني إسرائيل ميتا حتى عرفوا انه قد مات، وقيل رموه بعيب في جسده من برص أو أدرة فأطلعهم الله على أنه برئ * (آذوهما) * (1) قيل إن أذاهما التغيير والتوبيخ، قيل إن الآية نزلت قبل آية الحبس، وكان الأذى أولا ثم الحبس ثم الجلد والرجم، و * (يؤذون الله ورسوله) * (2) أي قالوا اتخذ الله ولدا، وقيل يؤذون أوليائه * (فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله) * (3) أي فإذا أصابه أذى من الكفار في الله أي في ذات الله، وبسبب دين الله رجع عن الدين، وهو المراد بفتنة الناس يعني بصرفهم ما مسه من أذاهم عن الايمان، كما أن عذاب الله يصرف المؤمنين عن الكفر.
(أسا) * (فلا تأس على القوم الفاسقين) * (4) أي لا تحزن، وأسوة أي إيتمام واتباع.
(آلاء) * (آلاء الله) * (5) أي نعم الله واحدها إلى بالحركات الثلاث، وألى إذا حلف، قال تعالى: * (للذين يؤلون من نسائهم) * (6) وإلا، ولازمة الال الحلف والعهد. وآلاء الله عز وجل، والآل الجوار * (ولا يأتل أولوا الفضل) * (7) يفتعل من الآلية أي يحلف، ويقال أيضا يفعل من قولهم ما آلوت جهدا أي ما قصرت و * (لا يألونكم خبالا) * (8) لا يقصرون لكم في الفساد.
(أنا) * (غير ناظرين أناه) * (9) أي بلوغ وقته أي إدراكه ونضجه يقال:
أنى يأنى كعلم يعلم وان يأين كباع يبيع إذ انتهى بمنزلة حان يحين * (ألم يأن للذين آمنوا) * (10) أي ألم يأت وقت ذلك، من أنى الأمر إذا جاء أناه أي وقته، والمعنى
١ – النساء: ١٥.
٢ – الأحزاب: ٥٧.
٣ – العنكبوت: ١٠.
٤ – المائدة: ٢٧.
٥ – الأعراف: ٦٨، ٧٣.
٦ – البقرة ” ٢٦.
٧ – النور: ٢٢.
٨ – آل عمران: ١١٨.
٩ – الأحزاب: ٥٣.
١٠ – الحديد: ١٦.
(٧)
ألم يحن للمؤمنين أن تلين قلوبهم * (وبين حميم آن) * (1) أي ساخن منتهى الحر.
من قولهم: انى الماء إذا سخن وانتهى حره، وعين آنية قد انتهى حرها، و * (آناء الليل) * (2) ساعاته واحدها أنى وإني وأنى.
(أوا) * (تؤي إليك) * (3) تضم، و * (آوى إليه أخاه) * (4) أي ضم إليه أخاه بنيامين، و * (آوى إلى ركن شديد) * (5) أي انضم إلى عشيرة منيعة.
(آياء) آيات: علامات وعجائب، وآية من القرآن كلام متصل إلى انقطاعه.
وقيل جماعة حروف، من قولهم: خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم (6) وقوله تعالى:
* (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) * (7) ولم يقل آيتين لأن قصتهما واحدة، وعن الأزهري (8): لأن الآية فيهما معا وهي الولادة بغير فحل. قال تعالى: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين) * (9).
١ – الرحمن: ٤٤.
٢ – طه: ١٣٠.
٣ – الأحزاب: ٥١.
٤ – يوسف: ٦٩.
٥ – المؤمنون: ٥١.
٦ – قال الشاعر:
– خرجنا من النبعيين لاحي مثلنا * بآيتنا نزجي اللقاح المطافلا. – أي بجماعتنا ولم يدعوا وراءهم شيئا.
٧ – هود: ٨٠.
٨ – الأزهري: محمد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة اللغوي، له التهذيب في عشر مجلدات، ولد بسنة ٢٨٢ للهجرة وتوفى سنة ٣٧٠.
٩ – يوسف: ٧.
(٨)
النوع الثاني (ما أوله باء) (بدأ) بدأ بالأمر: مهموز، وبداه بمعنى قال تعالى: * (كما بدأنا أول خلق نعيده) * (1) و * (فبداء بأوعيتهم) * (2) و * (بادئ الرأي) * بالهمزة أول الرأي وبغير همز ظاهر الرأي، قال أبو إسحاق (4): أي في بادئ الرأي فحذفت في.
ويجوز أن يكون اتباعا ظاهرا وكلهم قرأ بغير همز غير أبي عمرو (5)، و * (وما يبدئ الباطل) * (6) يعني إبليس، وإبداء الشئ ظهوره. قال تعالى: * (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) * (7) ومنه سميت البادية لظهورها، ومنه * (ثم بدا لهم) * (8) وباد من البلد، وقال تعالى: * (سواء العاكف فيه والباد) * (9) وبادون في الأعراب خارجون إلى البدو.
١ – الأنبياء: ١٠٤.
٢ – أي بتفتيشها قبل وعاء أخيه لنفي التهمة. يوسف: ٧٦ ٣ – هود: ٢٧.
٤ – أبو إسحاق، عمرو بن عبد الله بن علي الكوفي الهمذاني السبيعي من أعيان التابعين، وكان من ثقات الإمام علي بن الحسين ” ع ” ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان وتوفى سنة ١٢٧ للهجرة وقيل السنة ١٢٨ وقيل سنة ١١٩ للهجرة.
٥ – أبي عمرو:
أبو عمرو بن العلاء المازني البصري، قيل إن كنيته اسمه وقيل اسمه زبان بن العلاء وهو أحد القراء السبعة، كان أعلم الناس بالقرآن والعربية والشعر والنحو، وكان من أشراف العرب ووجوهها، توفي سنة ١٥٤ للهجرة. ودفن بالكوفة.
٦ – النور: ٣١.
٧ – سبأ: ٤٩.
٨ – يوسف: ٣٥.
٩ – الحج: ٢٥.
(٩)
(برا) البرية: الخلق مأخوذ من براء الله الخلق أي خلفهم فترك همزها إذ العرب تترك الهمزة في خمس: البرية من براء، والنبي من أنبياء، و الذرية من ذراء، والروية من رواء، والأخبية من خباء، ومنهم من يجعلها من إبرأ، وهو التراب لخلق آدم منه، والخالق الباري المصور، قيل الخالق المقدر لما يوجد، والبارئ المميز بعضه عن بعض الأشكال المختلفة، والمصور الممثل، وقوله: * (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها) * (1). نبرأها للنفس أو المصيبة والمراد بالمصيبة في الأرض مثل القحط ونقص الثمار، وفي الأنفس مثل الأمراض والثكل بالأولاد، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ، ثم بين تعالى وجه الحكمة في ذلك بقوله: * (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) * (2) من نعم الدنيا * (ولا تفرحوا بما أتيكم) * (3) الله، والمعنى: إنكم إذا علمتم أن كل شئ مقدر مكتوب عند الله قل حزنكم على الفائت وفرحكم على الآتي، وكذا إذا علمتم أن شيئا منها لا يبقى لم تهتموا لأجله، واهتممتم لأمور الآخرة التي تدوم ولا تبعيد، وبراء بالضم أي بريئون، وقرئ أنا براء بالفتح ومما تعبدون.
(بطاء) * (وإن منكم لمن ليبطئن) * (4) المبطئون المنافقون الذين تثاقلوا وتخلفوا عن الجهاد من بطاء بمعنى أبطأ.
(بغا) البغي: المرأة الفاجرة، وقال تعالى * (وما كانت أمك بغيا) * (5) والبغي الزناء، وبغيت الشئ طلبته. قال تعالى: * (أ فغير دين الله يبغون) * (6) و * (بغيا أن ينزل الله) * (2) أي طلبا أن ينزل، وباغ طالب. وقوله: * (غير
(١٠)