الرئيسية / الاسلام والحياة / شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

عطفا أمير المؤمنين فإننا * في دوحة العلياء لا نتفرق (1) ما بيننا يوم الفخار تفاوت * أبدا كلانا في المعالي معرق إلا الخلافة شرفتك فإنني * أنا عاطل منها وأنت مطوق فيقال أن القادر قال له على رغم أنف الشريف.
وذكر الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في التاريخ في وفاة الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد الطبري الفقيه المالكي، قال: كان شيخ الشهود المعدلين ببغداد ومتقدمهم، وسمع الحديث الكثير، وكان كريما مفضلا على أهل العلم، قال: وعليه قرأ الشريف الرضي رحمه الله القرآن، وهو شاب حدث ” السن ” (3)، فقال له يوما: أيها الشريف أين مقامك؟ قال: في دار أبى، بباب محول، فقال: مثلك لا يقيم بدار أبيه، قد نحلتك داري بالكرخ المعروفة بدار البركة. فامتنع الرضي من قبولها وقال له: لم أقبل من أبى قط شيئا، فقال إن حقي عليك أعظم من حق أبيك عليك، لأني حفظتك كتاب الله تعالى فقبلها (4).
وكان الرضي لعلو همته تنازعه نفسه (5) إلى أمور عظيمة يجيش بها خاطره، وينظمها شعره، ولا يجد من (6) الدهر عليها مساعدة، فيذوب كمدا، ويفنى وجدا، حتى توفي ولم يبلغ غرضا.
فمن ذلك قوله:
ما أنا للعلياء إن لم يكن * من ولدي ما كان من والدي (7) ولا مشت بي الخيل إن لم أطأ * سرير هذا الأصيد الماجد (8)
(1) ديوانه لوحة 40.
(2) الديوان: ” ميزتك وإنني “.
(3) تكملة من أ.
(4) المنتظم ” حوادث سنة 393.
(5) أ: ” في ” وما أثبته عن ب.
(6) أ: ” في الدهر ” وما أثبته عن ب.
(7) ديوانه، لوحة 89.
(8) ديوانه ” الأغلب الماجد “.
(٣٤)

ومنه قوله:
متى تراني مشيحا في أوائلهم * يطفو بي النقع أحيانا ويخفيني (1) ” لتنظرني مشيحا في أوائلها * يغيب بي النقع أحيانا ويبديني ” (2) لا تعرفوني إلا بالطعان وقد * أضحى لثامي معصوبا بعرنيني (3) ومنه قوله – يعني نفسه:
فوا عجبا مما يظن محمد * وللظن في بعض المواطن غدار (4) يؤمل أن الملك طوع يمينه (5) * ومن دون ما يرجو المقدر أقدار لئن هو أعفى للخلافة لمة * لها طرر فوق الجبين وإطرار ورام العلا بالشعر والشعر دائبا * ففي الناس شعر خاملون وشعار وإني أرى زندا تواتر قدحه * ويوشك يوما أن تكون له نار ومنه قوله (6):
لا هم قلبي بركوب العلا * يوما ولا بلت يدي بالسماح (7)
(1) ديوانه ص 522 – مطبعة نخبة الاخبار، من قصيدة يذكر فيها القبض على الطائع لله، ويصف خروجه من الدار سليما، وأنه حين أحسن بالامر بادر ونزل دجلة، وتلوم من القضاة والاشراف والشهود، فامتهنوا وأخذت ثيابهم. ومطلعها:
لواعج الشوق تخطيهم وتصميني * واللوم في الحب ينهاهم ويغريني ولو لقوا بعض ما ألقى نعمت بهم * لكنهم سلموا مما يعنيني (2) هذا البيت لم يذكر في أ، ب، وهو في المطبوعة المصرية والديوان.
(3) الديوان ” إذا ” (4) ديوانه لوحة 214، وروايته: ” غرار “. وفي أ: ” بعض المواضع “.
(5) الديوان ” يقدر أن الملك “.
(6) ديوانه لوحة 84، من قصيدة أولها:
نبهتهم مثل عوالي الرماح * إلى الوغى قبل نموم الصباح فوارس نالوا المنى بالقنا * وصافحوا أغراضهم بالصفاح (7) الديوان: ” ولا بل يدي “.
(٣٥)

إن لم أنلها باشتراط كما * شئت على بيض الظبي واقتراح أفوز منها باللباب * الذي يعيي الأماني نيله والصراح فما الذي يقعدني عن مدى * ما هو بالبسل ولا باللقاح يطمح من لا مجد يسمو به * إني إذا أعذر عند الطماح أما فتى نال المنى فاشتفى * أو بطل ذاق الردى فاستراح!
وفي هذه القصيدة ما هو أخشن مسا، وأعظم نكاية، ولكنا عدلنا عنه وتخطيناه، كراهية لذكره. وفي شعره الكثير الواسع من هذا النمط.
* * * وكان أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الصابي (1) الكاتب له صديقا، وبينهما لحمة الأدب ووشائجه، ومراسلات (2) ومكاتبات بالشعر، فكتب الصابي إلى الرضي في هذا النمط:
أبا حسن لي في الرجال فراسة * تعودت منها أن تقول فتصدقا (3) وقد خبرتني عنك أنك ماجد * سترقى إلى العلياء أبعد مرتقى (4) فوفيتك التعظيم قبل أوانه * وقلت أطال الله للسيد البقا
(١) هو أبو إسحاق الصابي، صاحب الرسائل المشهورة، كان كاتب الانشاء ببغداد عن الخليفة، وعن عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه الديلمي، وكان صابئيا متشددا في دينه، وجهد عليه عز الدولة أن يسلم فلم يفعل، ولكنه كان يصوم شهر رمضان مع المسلمين، ويحفظ القرآن الكريم أحسن حفظ، ويستعمله في رسائله، ولما مات رثاه الشريف بقصيدته الدالية المشهورة:
أرأيت من حملوا على الأعواد * أرأيت كيف خبا ضياء النادي وعاتبه الناس في ذلك لكونه شريفا يرثي صابئا، فقال: إنما رثيت فضله. توفي سنة 384. ” ابن خلكان 1: 12 “.
(2) ب: ” وبينهما “.
(3) ديوان الرضي، لوحة 194.
(4) الديوان ” من العلياء “.
(٣٦)

شاهد أيضاً

علوم القرآن محاضرات القاها حجة الاسلام السيد محمد باقر الحكيم

نقد التفسير في عصر الصحابة والتابعين(*) يجدر بنا – ونحن نريد ان نمحّص نتاج هذه ...