محاسبة النفس – الشيخ إبراهيم الكفعمي
ساعتين مضت
طرائف الحكم
6 زيارة
الموامق (1)، وامسكي من المال بقدر ضرورتك، وقدمي الفضل ليوم فاقتك، واذكري مع كل لذة زوالها، ومع كل نعمة انتقالها، واجعلي همتك وسعيك للخلاص من الشقاء والعقاب، والنجاة من مقام البلاء والعذاب.
يا نفس:
اذكري عند المعاصي ذهاب اللذات وبقاء التبعات، واهجري الشهوات فإنها تقود إلى ركوب السيئات، واعملي والعمل ينفع، والدعاء يسمع، والتوبة ترفع، والمحتكر البخيل جامع لمن لا يشكره، وقادم على من لا يعذره.
يا نفس:
اتقي غرور الدنيا فإنها تسترجع (2) أبدا ما خدعت به من المحاسن، وتزعج المطمئن (3) إليها القاطن، فكم من جامع مال يبخل على نفسه بأقله، ويسمح لوارثه بكله، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراما، واحتمل به آثاما، ورب مستقبل يوم ليس بمستدبره، ومغبوط في أول ليل قامت بواكيه في آخره.
(١) في أ: الوامق.
وقال الجوهري في الصحاح ٤: ١٥٦٨ ومق: المقة المحبة… وقد ومقه يمقه بالكسر فيهما أي:
أحبه، فهو وامق.
(2) في أ: لتسترجع.
(3) في ب: المطمئنين.
(٥٦)
شعر:
هو الموت لا أعوانه تقبل الرشا * ولا تشترى ساعاته بالدراهم يا نفس:
استعدي ليوم تشخص فيه الأبصار، وتفدم (1) فيه الأبصار (2)، واذكري هادم اللذات، ومنغص الشهوات، وداعي الشتات، ومفرق الجماعات، ومبعد (3) الأمنيات، ومدني المنيات، والمؤذن بالبين والشتات، واحذري الأمر (4) المغلوب، والفاني المجبوب، والنعيم المسلوب.
شعر:
أما والله لو علم الأنام * لما خلقوا لما هجعوا وناموا لقد خلقوا لما لو أبصرته * عيون قلوبهم تاهوا وهاموا حياة ثم موت ثم بعث * وتوبيخ وأهوال عظام يا نفس:
احذري أن يخدعك الغرور بالحائل اليسير، أو يستزلك السرور بالزائل الحقير، وإياك وفعل القبيح فإنه يقبح ذكرك ويكبر (5) وزرك، ويحبط أجرك،
(1) الفدم من الناس: العيي عن الحجة والكلام. اللسان 12: 450 فدم.
(2) الأبصار الأولى بمعنى: حاسة البصر، والثانية بمعنى: البينة.
(3) في أ: ومباعد.
(4) في ب: الأمل.
(5) في ب: ويكثر.
(٥٧)
وإياك أن تكوني على الناس طاعنة، ولنفسك مداهنة (1)، فتعظم عليك الحوبة، وتحرمي المثوبة.
يا نفس:
إياك وطول الأمل، فكم من مغرور افتتنه أمله، فأفسد عمله وقطع أجله، فلا أمله أدرك، ولا ما فاته استدرك، وإياك والوقوع في الشبهات، والولوع (2) بالشهوات، فإنهما يقتادانك إلى الوقوع في الحرام، وركوب كثير من الآثام.
يا نفس:
أين اللذين كانت لهم الأمم، وبلغوا من الدنيا أقاصي الهمم؟! أين اللذين حازوا (3) من الدنيا أقاصيها، واستذلوا الأعداء وملكوا نواصيها؟! أين من سعى واجتهد، وأعد (4) واحتشد، وبنى وشيد، وزخرف ونجد (5)، وفرش ومهد، وجمع وعدد؟! أين كسرى وقيصر، وتبع وحمير؟! وأعظم العظات، الاعتبار بمصارع الأموات.
(١) المداهنة: المساهلة. مجمع البحرين ٦: ٢٥٠ دهن.
(٢) الولوع: العلاقة، وأولع به ولوعا وإيلاعا: إذا لج. اللسان ٨: ٤١٠ ولع.
(٣) في أ: أحازوا.
(٤) في ب: وعد.
(٥) قال الجوهري في الصحاح ٢: ٥٤٢ نجد: والنجد: ما ينجد به البيت من المتاع، أي يزين.
(٥٨)
يا نفس:
أسعد الناس من ترك لذة فانية، للذة باقية، وأشقاهم من باع جنة المأوى، بمعصية من معاصي الدنيا، وأفضل الناس من عصى ورفض دنياه، وقطع منها أمله ومناه، وكان همه لأخراه، وأبعد الناس من النجاح المشتهر باللهو والمزاح، وأبعدهم (1) من الصلاح الكذوب ذو الوجه الوقاح.
يا نفس:
إياك والهوى فإن أوله فتنة، وآخره محنة، وإياك وحب الدنيا فإنها أصل كل خطيئة، ومعدن كل بلية، فالحازم من لا يغتر بالخدع، والعاقل من لا يغتر بالطمع، ومن باع نفسه بغير الجنة، فقد عظمت عليه المحنة.
يا نفس:
إن مالك لحامدك في حياتك، ولذامك بعد وفاتك، والتقوى عصمة لك في حياتك، وزلفى لك بعد مماتك، والمرء على ما قدم قادم، وعلى ما خلف نادم، وإن النفس التي تطلب الرغائب الفانية لتهلك في طلبها، وتشقى في منقلبها، والتي تجهد في اقتناء الرغائب الباقية لتدرك طلبها، وتسعد في منقلبها.
(1) في ب: وأبعد..
(٥٩)
يا نفس:
إن الدنيا لمفسدة الدين، ومسلبة اليقين (1) وإنها رأس (2) الفتن، وأصل المحن، وإن خير المال ما اكتسب ثناء وشكرا، وأوجب ثوابا وأجرا، وإن أخيب الناس سعيا رجل أخلق (3) بدنه في طلب أمانيه (4)، ولم تسعده المقادير على ما أراده واجتهد فيه، فخرج من الدنيا بحسراته، وقدم على الآخرة بتبعاته، والكيس من كان لشهوته مانعا، ولنزوته (5) عند الحفيظة قامعا.
يا نفس:
إن تقوى الله عمارة الدين، وعماد اليقين، وإنها لمفتاح الفلاح (6)، ومصباح النجاح، وهي في اليوم الحرز والجنة، وفي غد الطريق إلى الجنة، مسلكها واضح، وسالكها رابح، وإن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا والآخرة، شاركوا أهل الدنيا في الدنيا ولم يشاركهم (7) أهل الدنيا في الآخرة (8)، بالتقوى
(١) في أ: إن الدنيا المفسدة الدين مسلبة اليقين.
(2) في أ: لرأس.
(3) أي: أبلى. اللسان 10: 89 خلق.
(4) في أ: الفانية.
(5) النزو: الوثبان. اللسان 15: 319 نزا.
(6) في أ: الصلاح.
(7) في أ: ولم يشاركونهم.
(8) في أ: بالآخرة.
(٦٠)
2025-10-06