أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي / الصفحات: ١ – ٢٠
أوضاع المرأة المسلمة ودورها الاجتماعي من منظور إسلامي
الشيخ حسن الجواهري منشورات الإجتهاد: ٩٨٩١٢٥٥١٤٤٢٦ الطبعة الاولى /١٥٠٠ الطبعة/ ١٤٢٨هـ – ٢٠٠٧م ISBN: ٩٧٨-٩٦٤-٩١٢٥٩-٠-٩ |
مقدّمة المركز
الحمدُ لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين أبي القاسم محمّد ، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين .
لقد حظيت المرأة المسلمة بمراتب عُليا في ظلّ دينها الحنيف ، فبيّضت بمواقفها الصحائف ، وأعلنت شموخ شخصيتها ، من خلال أدوارها المشرّفة في كلّ مجال وحين . فلم تدع فضيلة إلاّ ولها فيها يد ، فالفقه والحديث ، والشعر والنثر ، والجهاد : إمّا بالحضور في سوح المعارك ، وإمّا بإلقاء كلمة الحقّ عند سلاطين الجور .
ولكن ، للأسف لم يطّلع العالم ـ والمرأة خصوصاً ـ على هذه الأسرار ، حيث ضياؤها مخفىّ في غور المكتبات ، وأسماء أعلام نساء الدين الحنيف مبعثرة في أوراق صارت طعاماً للحشرات والآفات ، وذلك ناتج من عدم اهتمام المؤرّخين بالمرأة .
فالدين الإسلامي الحنيف هو القانون الوحيد الذي وضع المرأة في مكانها الواقعي ، ومنحها حقوقها كاملة ، بعد أن حُرمت من أبسط حقوقها في المجتمعات التي سبقت نزول الشريعة الإسلامية المقدّسة ، والمجتمعات التي أعقبت نزولها كذلك .
ومن أجل التعرّف على هذه المكانة التي منحها الباري عزّ وجلّ لها لابُدّ من دراسة الأدوار التي مرّت بها المرأة ، سواء قبل الإسلام أم في عالمنا المعاصر .
ومن أجل أن نُجيب عن تلك التخرّصات والافتراءات والأراجيف التي يطلقها أعداء الإسلام اليوم ، وما يثيرونه من شُبهات حول حقوق المرأة في الإسلام ، ويدّعون بأنّ النظام الإسلامي قد حرم المرأة من حقوقها ، وجعلها في سجن مفتاحه بيد الرجل ، وأنقصها ميراثها ، وفرض عليها الحجاب ، ومنعها من التعلّم ، إذاً فالمرأة المسلمة مظلومة دون غيرها من النساء .
ومن أجل أن نتعرّف على مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي ، وما أعطاها الإسلام من حقوق وما فرض عليها من واجبات ، لابدّ من دراسة أحوال المرأة وحقوقها في المجتمعات الاُخرى ، سواء تلك التي كانت قبل الإسلام ، أو التي نعاصرها الآن من مجتمعات غربية وشرقية ، والتي تدّعي التحضّر والتمدّن . ثم نقارن بينها وبين ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق ، ونعرف مَن الذي بخسَ حقّها وظلمها وأنزلها إلى الحضيض وجعلها تبعاً للرجل ، بل لعبة في يده يميل إليها متى جاع وينبذها نبذ النواة متى شبع .
حياة المرأة قبل الإسلام
نستطيع أن نُقسّم الاُمم التي سبقت الإسلام إلى : اُمم متمدّنة ، واُخرى غير متمدّنة .
ونقصد بالمتمدّنة : تلك التي تحكمها بعض الرسوم والعادات الموروثة ، كبلاد الصين والهند ومصر وايران .
وغير المتمدّنة : هي المجتمعات الوحشيّة والهمجيّة التي لا ضابط لها في الحياة غير القوّة والسطوة ، شأنهم في ذلك شأن الحيوان ، كبلاد أفريقيا واستراليا وأمريكا القديمة . وكانت المرأة في المجتمعات المتمدّنة أفضل نوعاً ما من المجتمعات غير المتمدّنة .
الاُمم غير المتمدّنة :
حياة النساء في هذه الاُمم كحياة الحيوانات بالنسبة إلى الرجل ، فكما أنّ للرجل حقّاً في امتلاك الحيوانات والاستفادة من لحمها وشعرها وصوفها وحليبها ، والركوب عليها وحمل الأثقال من مكان إلى آخر ، وغيرها من التصرّفات المشروعة ، بل حتى غير المشروعة من قتل وايذاء . كذلك كانت المرأة عندهم ، كانت حياتها تبعيّة لحياة الرجل ، وأنّها لم تُخلق لذاتها بل خلقت لأجل الرجل ، ووجودها فرع لوجود الرجل ، ومكانتها مكانة الطفيلي بالنسبة للرجل ، وليس لها من حقوق إلاّ ما رآه الرجل حقّاً له أوّلاً .
فكان لوليّها ـ الأب أو الزوج ـ أن يبيعها ، أو يهبها ، أو يقرضها للخدمة أو الفراش أو الاستيلاد ، أو لأىّ غرض من أغراض الإقراض . بل كان له أن يسوسها حتى بالقتل ، أو يتركها حتى تموت ، أو يذبحها ويأكل لحمها في المجاعات .
وفي مقابل هذا كلّه ما كان على المرأة إلاّ أن تطيع الرجل وتنفّذ أوامره ، فهي تقوم بأمر البيت وتربية الأولاد ، وكلّ ما يحتاجه الرجل . بل كانت تقوم بأعمال شاقّة فوق قدرتها وطاقتها ، فهي تحمل الأثقال ، وتعمل الطين وغيرها من الحرف والصناعات .
ولكلّ اُمّة من هذه الاُمم خصائل وخصائص وعادات وتقاليد وآداب وسنن خاصة بها ، ورثتها من التي سبقتها ، نتعرّض لها قريباً إن شاء الله تعالى .
الاُمم المتمدّنة :
كانت المرأة في هذه الاُمم أرفه حالاً بالنسبة إليها من الاُمم غير المتمدّنة ، فلم تقتل ولم يؤكل لحمها ولم تستقرض ، وكان لها حقّ تملّك بعض الأموال من الإرث
وغيره ، إلاّ أنّها كانت تحت ولاية الرجل وقيمومته ، فلا استقلال لها ولا حريّة ، فلا تنجز عملاً إلاّ بعد موافقة وليّها ، ولا تتدخل في شؤون الحياة أبداً ، بل كان عليها أن تختص باُمور البيت والأولاد ، وأن تطيع الرجل في كلّ ما يأمرها ، وتُمنع من أي معاشرة خارج منزلها ، وليس لها أن تتزوّج بعد موت زوجها ، بل إمّا أن تُحرق معه ، أو تبقى ذليلة بعده ، أو يتزوجها بعض محارمها .
وكان للرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها ، ويلحق الأولاد بأقوى الأزواج . وفي أيام الحيض كان عليها أن تنفرد عن عائلتها بمأكلها ومشربها ; لأنّها نجسة خبيثة . ولكلّ اُمة من هذه الاُمم مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع نتعرض لها بإيجاز .
المرأة الآشوريّة :
ساد شرع حامورابي في المجتمع الآشوري ، فكانت القوانين التي تطبّق هي القوانين التي وضعها حامورابي في لوحته المعروفة ، والتي منها تبعيّة المرأة للرجل ، وسقوط استقلالها في الإرادة والعمل .
ومن السلبيات التي كانت سائدة آنذاك أنّ الزوجة إن لم تُطع زوجها ، أو استقلّت بعمل معيّن دون مشاورته ، كان يحقّ للرجل أن يخرجها من بيته ، أو يتزوّج عليها زوجة اُخرى ، ويتعامل مع الاُولى معاملة ملك اليمين . بل إنّ الزوجة إن أخطأت في تدبير شؤون المنزل كان لزوجها أن يرفع أمرها إلى القاضي ، ثمّ يغرقها في الماء .
إذاً فالمرأة الآشورية كانت ملكاً للرجل ، لا فرق بينها وبين الحيوان ، فالرجل يمسكها متى أراد ، ويطلّقها متى شاء . وله الحقّ في أن يحرمها من التملّك ، وما عليها إلاّ تنفيذ أوامر الرجل .
المرأة السومريّة :
لم تكن المرأة السومريّة أفضل من الآشوريّة ، بل كانت تُعامل معاملة فَضّة غليظة ، شأنها شأن المـرأة في جميع الشعوب في تلك الأزمنة ولم تكن مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجـاورة ، فكانوا يعاملونها على أنّها تابعـة للرجل ، وما خلقت إلاّ لإسعاد الرجل .
المرأة الروميّة :
تعتبر الروم من أقدم الاُمم وضعاً للقوانين المدنيّة ، وضع القانون فيها أوّل ما وضع في حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ، ثمّ أخذوا في تكميله تدريجياً ، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصة به ، ولربّ البيت ـ وهو زوج المرأة وأبو أولادها ـ نوع ربوبيّة كان يعبده لذلك أهل البيت ، كما كان هو يعبد مَن تقدّمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت ، وكان له الاختيار التام والمشيئة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل البيت من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأى أنّ الصلاح فيه ، ولا يعارضه في ذلك معارض .
وكانت النساء ـ نساء البيت كالزوجة والبنت والاُخت ـ أردأ حالاً من الرجال حتى الأبناء التابعين محضاً لرب البيت ، فإنهنّ لم يكنّ أجزاء للاجتماع المدني ، فلا تسمع لهنّ شكاية ، ولا تنفذ لهنّ معاملة ، ولا تصح منهنَّ في الاُمور الاجتماعية مداخلة ، لكن الرجال أعني الذكور من الأدعياء ـ فإن التبنّي وإلحاق الولد بغير أبيه كان معمولاً شائعاً عندهم ، وكذا في اليونان وايران والعرب ـ كان من الجائز أن يأذن لهم ربّ البيت في الاستقلال باُمور الحياة مطلقاً لأنفسهم .
ولم يكنّ أجزاءً أصيلة في البيت ، بل كان أهل البيت هم الرجال ، وأما النساء فتبع ، فكانت القرابة الاجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث ونحوها مختصة بما بين الرجال ، وأمّا النساء فلا قرابة بينهن كالاُم مع البنت ، والاُخت مع الاُخت ، ولا بينهن وبين الرجال كالزوجين ، أو الاُم مع الابن ، أو الاُخت مع الأخ ، أو البنت مع الأب . ولا توارث فيما لا قرابة رسميّة ، نعم القرابة الطبيعية ـ وهي التي يوجبها الاتصال في الولادة ـ كانت موجودة بينهم ، وربما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم ، وولاية رئيس البيت وربّه لها .
وبالجملة ، كانت المرأة عندهم طفيليّة الوجود ، تابعة للرجل ، زمام حياتها وإرادتها بيد ربّ البيت من أبيها إن كانت في بيت الأب ، أو زوجها إن كانت في بيت الزوج ، أو غيرهما . يفعل بها ربّها ما يشاء ، ويحكم فيها ما يريد ، فربما باعها ، وربما وهبها ، وربما أقرضها للتمتع ، وربما أعطاها في حقّ يراد استيفاؤه منه كدَين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما ، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالازدواج ، أو الكسب مع إذن وليها ، لا بالإرث ; لأنّها كانت محرومة منه ، وبيد أبيها أو واحد من قومها تزويجها ، وبيد زوجها تطليقها(١) .
وسادت في مجتمع الروم أيضاً مظاهر الفسق والفجور ، مما يدلّ على امتهان كرامة المرأة وسلبها عفافها ، بل جعلها اُلعوبة بيد الرجل يقضي منها حاجته ، فكثرت الدعارة والفحشاء ، وزيّنت البيوت بصور ورسوم كلّها دعوة سافرة إلى الفجور ، وأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرّج الممقوت ، وانتشر استحمام النساء والرجال في مكان واحد وبمرأى من الناس . أمّا سرد المقالات الخليعة والقصص الماجنة فكان شغلاً مرضياً مقبولاً لا يتحرّج منه أحد ، بل الأدب الذي كان يتلقاه الناس بالقبول هو الذي يُعبّر عنه اليوم بالأدب المكشوف .
١- انظر : الميزان في تفسير القرآن ٢ : ٢٦٤ .
المرأة اليونانيّة :
في اليونان كان الأمر عندهم في تكوين البيوت وربوبيّة أربابها فيها قريباً من الوضع عند الروم ، فقد كان الاجتماع المدني وكذا الاجتماع البيتي عندهم متقوّماً بالرجال ، والنساء تبع لهم ، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلاّ تحت ولاية الرجال ، لكنّهم جميعاً ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك ، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولا تحكم لهنّ بالتبع إذا وافق نفع الرجال ، فكانت المرأة عندهم تُعاقب بجميع جرائمها بالاستقلال ، ولا تثاب لحسناتها ، ولا يراعى جانبها إلاّ بالتبع وتحت ولاية الرجل .
اذاً كانت المرأة في عصر اليونانيين في غاية الانحطاط وسوء الحال من حيث الأخلاق والحقوق القانونية والسلوك الاجتماعية ، فلم تكن لها في مجتمعهم منزلة أو مقام كريم ، فهي تقضي وقتها في المنزل تغزل وتنسج وتخيط ثيابها وثياب زوجها وأطفالها ، وليس لها من الثقافة شيئاً أبداً حيث كانت تمنع من الذهاب إلى المدارس .
المرأة الصينيّة :
كان المجتمع الصيني يعيش حالة فوضى ، فهو أقرب إلى الوحوش من البشر ، لا يضبطهم قانون ولا عادات ، والأبناء يعرفون اُمهاتهم دون آبائهم ، وكانوا يتزاوجون بدون حشمة ولا حياء ، حتى ظهر الحكيم “فوه ـ سي” سنة ٢٧٣٦ قبل الميلاد ، ووضع لهم القوانين وسنّ لهم الأنظمة .
إلاّ أنّ المرأة لم تحصل من هذه القوانين على حقّها ، بل حتى على درجة من الكرامة . فاعتبرها القانون تابعة للرجل ، تنفّذ أوامره وتقضي حاجته ، ولا ميراث لها
بل الميراث للذكور فقط . والزواج بالمرأة يعتبر نوعاً من اشتراء نفسها ، ولا تشارك زوجها ولا أبناءها الغذاء ، بل عليها أن تجلس جانباً لوحدها ، ويحقّ لمجموعة من الرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها والاستفادة من أعمالها .
المرأة الهنديّة :
تعتبر بلاد الهند ذات حضارة عريقة تتصف بطابع العلم والتمدّن والثقافة منذ القدم ، ومع ذلك كلّه نراهم يعاملون المرأة معاملة قاسية لا رحمة فيها . فالمرأة عندهم مملوكة لأبيها أو لزوجها أو لولدها الكبير ، محرومة من جميع الحقوق الملكية حتى الإرث ، وعليها أن ترضى بأيّ زوج يقدّمه أبوها أو أخوها ، وهي مرغمة أن تعيش معه إلى آخر حياته ، ولا يحقّ لها أن تطلب الطلاق مهما كانت الأعذار ، وفي أيام حيضها عليها أن تنفرد بمأكلها ومشربها ، ولا تخالط العائلة ; لأنها نجسة خبيثة .
إضافة إلى هذا كلّه ، فإنّهم يحرقونها مع زوجها إذا مات ، فكان من عادتهم إذا مات رجل منهم يحرقونه بالنار ، ويأتون بزوجته ويلبسونها أفخر ثيابها وحليّها ويلقونها على جثة زوجها المحترقة لتأكلها النيران .
ويعتقد الهنود أيضاً أنّ المرأة هي مصدر الشرّ والإثم والانحطاط الروحي والخلقي .
المرأة المصريّة :
كانت بلاد النيل مهد الحضارات القديمة ، والمجتمع المصري يتميّز بطابع التمدّن والرقي . إلاّ أنّ المرأة كانت تعيش الاضطهاد والحرمان ، وتعامل معاملة حقيرة شأنها شأن الخدم ، وللرجل أن يتزوّج باُخته ، فلا مانع من ذلك ولا رادع ، وكانوا
يعتقدون أنّ المرأة لا تصلح لشيء إلاّ لاُمور المنزل وتربية الأولاد ، لذلك فهم لا يدعوها تخرج من البيت إلاّ لعبادة الآلهة .
ويعتقدون أنّ فيضان النيل ناتج عن غضبه عليهم ، لذلك يجب عليهم تقديم قرابين له في كلّ عام ، فيختارون أجمل فتاة عندهم ويلبسونها أفخر الملابس ويزيّنوها كأنها عروس ليلة زفافها ، ثم يلقونها في النيل في مراسم خاصة لئلا يفيض عليهم!!!
فكم أخذ النيل فتيات عرائس نتيجة للخرافات السائدة آنذاك ، وبسبب امتهان كرامة المرأة وظلمها وحرمانها .
المرأة الفارسيّة :
لم تكن المرأة الفارسية أوفر حظّاً من صويحباتها الهنديات والمصريات ، فالمجتمع الفارسي القديم كان ينظر إلى المرأة نظرة احتقار وازدراء ، وهو يعاقبها لأيّ إساءة أو تقصير في حقّ زوجها .
يقول الدكتور محمود نجم آبادي في كتاب “الإسلام وتنظيم الأُسرة” : نلاحظ أنّ قوانين “زرادشت” كانت جائرة وظالمة بحقّ المرأة ، فإنّها كانت تعاقبها أشد عقوبة إذا صدر عنها أي خطأ أو هفوة ، بعكس الرجل فإنّها قد أطلقت له جميع الصلاحيات ، يسرح ويمرح وليس من رقيب عليه . فله مطلق الحرية ; لأنّه رجل ، ولكن الحساب والعقاب لا يكون إلاّ على المرأة .
ويقول أيضاً : كان أتباع “زرادشت” يمقتون النساء ، وحالما كانت تتجمّع لدى الرجل براهين على عدم إخلاص الزوجة كان لا مفرّ لها من الانتحار ، وقد ظلّ هذا القانون سارياً حتى عهد الاكاديين ، وفي عهد الساسانيين خفّف هذا القانون ، بحيث صارت المرأة تسجن جزاء عدم إخلاصها أوّل مرّة ، حتى إذا كرّرت عملها صار لا مفرّ لها من الانتحار .
ويقول أيضاً : بينما كان يحقّ للرجل من أتباع “زرداشت” أن يتزوّج من امرأة غير زرادشتيه ، فإنّه لم يكن يحقّ للمرأة أن تتزوّج من رجل غير زرادشتي ، وهذا القانون على المرأة كما أسلفنا فقط ، ناهيك عن الاضطهاد والحرمان . وأمّا الرجل فله الحريّة في التصرّف على هواه وهو المالك ; لأنّه رجل .
المرأة عند العرب الجاهلية :
يسكن العرب الجاهيلة في شبه الجزيرة العربية ، وهي منطقة جافة حارّة جدبة الأرض ، معظمهم قبائل بدويّة بعيدة عن الحضارة والمدنيّة . يعيشون بشنِ الغارات والسلب والنهب ، ويتّصلون بإيران من جانب ، وبالروم من جانب ، وببلاد الحبشة من جانب آخر .
إذاً فحياتهم حياة قساوة وتوحّش فرضتها البيئة عليهم ، لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم ، وربما تجد عندهم بعض العادات الهنديّة والمصريّة والروميّة والإيرانيّة .
ولم يكن العرب ينظرون إلى المرأة نظرة تقدير واحترام ، ولم يعطوها درجة من الكرامة ، فهي فاقدة الاستقلال في حياتها ، تابعة لأبيها أو لزوجها ، لا يحقّ لها التصرّف بأيّ شيء إلاّ بموافقة وليّها ، ولا تملك شيئاً ولا ترث ـ حتى لو كان من نتاج عملها ـ بل هي وما تملك لوليها . وليس لها المطالبة بأي شيء ; لأنّها لا تذود عن الحِمى في الحرب . وزواجها يرجع إلى أمر وليّها ، وليس لها حقّ الاعتراض ولا المشورة .
ويحقّ للولد أن يمنع أرملة أبيه من الزواج ، بأن يضع عليها ثوبه ويرثها كما ورث أبيه ، ويحقّ له أن يتزوّجها بغير مهر ، أو يزوّجها لمن يشاء ويأخذ مهرها . وبقيت هذه العادة سائدة عندهم حتى بُعث النبّي (صلى الله عليه وآله) ، وحرّم الله هذا الزواج ، حيث
إنّ كبشة بنت معن بن عاصم امرأة أبي قيس بن الأسلت انطلقت إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)وقالت له : إنّ أبا قيس قد هلك ، وإنّ ابنه من خيار الحمى قد خطبني ، فسكت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثم نزلت الآية الكريمة : {وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء}(١) ، فهي أوّل امرأة حرمت على ابن زوجها .
روي عن ابن عباس أنّه قال :
إذا مات الرجل وترك جارية ، ألقى عليها حميمه ثوبه فيمنعها من الناس ، فإن كانت جميلة تزوّجها ، وإن كانت قبيحة حبسها حتى تموت . وظلّ هذا شأنهم إلى أن نزل الوحي بتحريم ذلك : {وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء}(٢) .
وكان العربي في الجاهلية يغتم ويضيق صدره إذا ولدت زوجته بنتاً ، بينما كان يفرح ويستبشر إذا جاءه ولد ، وأشار الله سبحانه إلى هذه الظاهرة بقوله تعالى : {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ}(٣) .
كانوا يعاملونها معاملة حقيرة حتى إنّهم جعلوا صفة الضعف والصغار والهوان ملازمة لها ، واستعملوا كلمة المرأة في الاستعارة والكناية والتشبيه ، بها يقرّع الجبان ، ويؤنّب الضعيف ، ويلام المخذول المستهان والمستذل المتظلم .
قال الشاعر زهير بن أبي سلمى يهجو حِصن بن حذيفة الفزاري :
وما أدري وليتَ إخال أدري | أقومٌ آل حصن أم نساء(٤) |
وقد أكثر الشعراء في وصف حالهم وحال المرأة في ذلك العهد ، وعجزها عن العمل والمقاومة ، في حين أنّ البنين أقوى منهنّ ، ويتاح لهم ما لا يتاح لهنّ .
١- النساء : ٢٢ .
٢- تفسير الطبري ٤ : ٢٠٧ .
٣- النحل : ٥٨ .
٤- الكشّاف ٤ : ٣٦٧ ، الصحاح ٥ : ٢٠١٦ ، لسان العرب ١ : ٥٠٤ “قوم” .