آداب عصر الغيبة – الشيخ حسين كوراني
ساعتين مضت
زاد الاخرة
7 زيارة
٤ – وعنه عليه السلام:
«ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل من العباد عملا إلا به (…) شهادة أن لا إله إلا
الله وأن محمد عبده والإقرار بما أمر اللهع به والولاية لنا (…) والانتظار للقائم» (٤.(
* حقيقة الانتظار:
الانتظار عمل «أفضل أعمال أمتي» فهو لا يعني السلبية والامتناع عن أي عمل جهادي
كما يحلو للبعض أن يفهموه… ومن انتظر قافلة ليسافر معها… فمن الطبيعي أن يكون
على أتم استعداد للانطلاق بمجرد إيذانه بذلك… وبهذا يكون منظرا لهذه القافلة.
والانتظار لكل أمر يستتبع استعدادا متناسبا مع ذلك الأمر المنتظر…
فانتظار سفر قصير يستتبع استعدادا معينا… يختلف عن الاستعداد الذي يستلزمه انتظار
سفر طويل.
ومن الواضح أن المنتظر للإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ينتظر قائدا إلهيا
سيقود مسيرة تحف بها الملائكة (٥ (وجمهورها الأساسي أهل التقوى والعبادة…
——————–
(٤ (منتخب الأثر / ٤٩٧.
و ٣٣٧ / ٣٢٩ و ٣٢٦ / ٥ والبحار، ٣١٠ و ٣٠٩ و ٣٠٧ و ٢٤٣ و ٢٣٤ / ١٩٥ النعماني غيبة) ٥)
.١٣٧
(٤٥)
وسيخوض المعارك الحامية الوطيس واحدة تلو الآخرى…
عن الإمام الصادق عليه السلام:
ما تستعجلون بخروج القائم فوالله ما لباسه إلا الغليظ وما طعامه إلا الشعير الجشب
وما هو إلا السيف والموت تحت ظل السيف (٦ (وهل يمكن تحقيق التناسب في نفس
الإنسان مع هذه المسيرة إلا بتعاهدها بالرعاية في مجالي الجهاد الأكبر والجهاد
الأصغر؟…
وإذا كان المنتظر له عليه السلام لم يهتم بتهذيب نفسه وتزكيتها فهل باستطاعته
الانسجام مع مسيرة المتقين والأبدال…
وأيضا:
إذا لم يكن يحمل روح الجهاد متشوقا إلى الشهادة في سبيل الله بما يستلزمه ذلك من
إعداد عسكري يمكنه من تقحم ساحات الجهاد…. فهل باستطاعته أن يجاهد بين
يدي الإمام عليه السلام… من الطبيعي جدا أن من لا يحرص على إعداد نفسه في هذين
المجالين… فلا يصح أن يسمى منتظرا… بل ينبغي أن يخاف من شمول بعض
الأحاديث له… من ذلك ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام:
——————–
(٦ (الغيبة للطوسي / ٢٧٧ والغيبة للنعماني / ٢٣٣.
(٤٦)
إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله ودخل فيه
شبه عبدة الشمس والقمر (٦.(
* وإذا كانت الثورة الإسلامية المباركة في إيران قد أحدثت هذه الهزة الكبيرة في العالم
واستدعت كل هذه الجهود الكبيرة التي يبذلها المجاهدون في مختلف أنحاء الأرض
فكيف ستكون الخارطة السياسية في عصر الظهور… وأية متغيرات ستعصف بالعالم
كله… وكم هو المخزون الهائل من التقوى والمرابطة الذي ينبغي توفره في الأمة
لتستجيب لقائدها وهو يخطو بها من نصر إلى نصر إن حرب الخليج التي فرضت على
دولة الإسلام والحملات الإعلامية العالمية والهجمة الشرسة على أنصار رسول الله
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وملاحقتهم بمختلف الأساليب الفرعونية
الحاقدة… ليست إلا عينات صغيرة تسير إلى الأحداث الجسام المشابهة التي ستقع في
عصر الظهور…
ولا يمكن التصدي لذلك إلا بالبناء الإيماني الصادق العميق… وروح الجهاد المعتمدة
على الله تعالى…
وفيما يلي وقفة مع هذين العاملين…
* التقوى:
الإعتقاد بوجود الإمام المهدي عليه السلام وبيعته عبر
——————–
(٦ (نفس المصدر / ٣١٧.
(٤٧)
بيعة نائبه، وانتظارها… والمواظبة على آداب الغيبة كل ذلك لا ينفع صاحبه شيئا إذا لم
يكن متقيا…
فالتقوى هي المنطلق، وهي الشرط الذي لا يقبل بدونه عمل والمسيرة التي سيقودها
عليه السلام هي مسيرة أهل العبادة الذين تطوى لهم الأرض (٧ ،(أهل البصائر الذين لا
ذنوب لهم تحجبهم عن رؤية الحقيقة حين «تتطاير القلوب مطايرها».
ومما يرشدنا إلى الترابط بين الانتظار والتقوى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:
«من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو
منتظر فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدوا
وانتظروا…» (٨.(
* وبديهي أن التقوى واجبة في كل حال… إلا أن المقصود هو الإشارة إلى هذه العلاقة
بينها وبين الانتظار… وفائدة ذلك أن يدرك من يغلب عليه الطابع الحركي العملي
ويحسب أنه من جنود المهدي دون شك… أن هذا البعد وحده لا يكفي…
——————–
(٧ (تؤكد بعض الروايات أن القادة الأساسين الذين يبايعونه عليه السلام كلهم ممن تطوى لهم الأرض…
وذلك يدل على درجة عالية من العبادة.
.٤٩٨ – ٤٩٧ / الأثر منتخب) ٨)
(٤٨)
فما على أحدنا إذا أراد أن يكون من جنوده عليه السلام إلا أن يعتني بتهذيب نفسه…
ليحصل على الأقل على شيء من التناسب بينه وبين هذه المسيرة الربانية التي سيملأ الله
بها الأرض قسطا وعدلا… جاء في بيان أوصاف أنصار الإمام المهدي عليه السلام.
عن الإمام الصادق عليه السلام:
«رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله أشد من الحجر، لو
حملوا أعلى الجبال لأزالوها (…) يتمسحون بسرج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك
البركة ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب (…) لا ينامون الليل لهم دوي في
صلاتهم كدوي النحل يبيتون قياما على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان باليل
ليوث بالنهار هم أطوع له من الأمة لسيدها كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل وهم من
خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله شعارهم يا لثارات
الحسين إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر…» (٩.(
* المرابطة… وروح الجهاد:
يتضح من النص المتقدم مدى عمق البعدين: الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر في أنصار
الإمام المهدي عليه السلام وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على المرابطة في زمن
الانتظار…
——————–
.٣٠٨ / ٥٢ الأنوار بحار) ٩)
(٤٩)
وليست هنا بصدد الوقفة المتأنية مع هذه النصوص إلا أن الذي أود تسجيله في هذا
السياق هو استغراب إضفاء طابع السلبية والقعود عن الجهاد على مفهوم جهادي رافض
هو المرابطة…
وهل يكون مرابطا من يكون على هامش الأحداث لا يهتم بأمور المسلمين من قريب
أو بعيد… وعلى أي الجبهات يرابط يا ترى؟…
* وبعض روايات المرابطة صريحة في ذلك:
«في تفسير البرهان وغيره عن العياشي بسنده عن الصادق في معنى آية المرابطة «يا أيها
الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون» قال عليه السلام (…)
ورابطوا: «في سبيل الله ونحن السبيل فيما بين الله وخلقه ونحن الرباط الأدنى فمن
جاهد عنا فقد جاهد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما جاء به من عند الله»
.(١٠)
وفي تفسير نور الثقلين:
«وروي عن أبي جعفر (الإمام الباقر) عليه السلام في تفسير الآية:
معناه اصبروا على المصائب وصابروا على عدوكم ورابطوا عدوكم» (١١.(
——————–
(١٠ (مكيال المكارم – ٢ / ٣٢٧ بتصرف يسير.
.٤٢٨ / ١ الثقلين نور) ١١)
(٥٠)
وهناك روايات تفسير المرابطة هكذا:
«ورابطوا إمامكم» ولدى التأمل في المعنى نجده نفس المعنى الأول ويدل عليه ما ورد
عن الإمام الصادق عليه السلام عندما سئل عن قوله تعالى ورابطوا قال: «المقام مع
إمامكم» (١٢.(
* ولاشك أن الوقوف مع الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، أثناء غيبته إنما
يتحقق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله مع نائبه الفقيه الجامع
للشرائط… انطلاقا من الاهتمام بأمور المسلمين ومواجهة الطواغيت الذين يريدون
ليطفؤوا نور الله تعالى…
وفي هذا السياق يمكن فهم الروايات التي تتحدث عن إعداد السلاح أو واسطة النقل
(الدابة وغيرها) فالانتظار عمل دائب باتجاه تزكية النفس (الجهاد الأكبر) وحمل لهم
المسلمين لا ينفك عن الجهاد الأصغر… إن الانتظار لا يعني على الإطلاق تأجيل
الصراع مع أعداء الله حتى إشعار آخر… وإنما يعني استمرار الصراع حتى تكون
الجولة الفاصلة بإذن الله على يدي وليه الإمام المنتظر…
ومن النتائج العملية المترتبة على ذلك الاهتمام بالتدريب العسكري أفإن المرابطة مع
عدم القدرة على القتال أمر عبثي..
——————–
.٣٢٦ / ١ السابق المصدر) ١٢)
(٥١)
* وخلاصة القول:
إن «المرابطة» في غيبة الإمام المنتظر تعني امتلاك الأمة رصيدا كبيرا من الإحساس
بالمسؤولية يحملها على تحصين ساحتها بالإعداد العسكري الذي يمكنها من حماية
ثغورها والمرابطة عليها في مواجهة كل قوى الكفر والنفاق… وبهذا تكون الأمة «خير
أمة أخرجت للناس» وتكون «مع الإمام» وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
تجاهد في سبيل الله دفاعا عن الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا…
* العزم على الجهاد بين يديه:
عن الإمام الباقر عليه السلام:
«… إن القائل منكم إذا قال: إن أدركت قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم
ونصرته، كالمقارع معه بسيفه، والشهادة معه شهادتان» (١ (وهذا الحديث المبارك
وحده يكفي للحث على العزم على الجهاد بين يديه عليه السلام والأحاديث التي تؤكد
هذا كثيرة جدا…
وينبغي أن يكون واضحا أن مجرد هذا العزم يترتب عليه الثواب الكبير الذي تتحدث
عنه الرواية بدليل ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:
«إن لكم ثواب من استشهد معه بنياتكم وإن متم على
——————–
(١ (مكيال المكارم ٢ / ٢٢٨ نقلا عن روضة الكافي ج ٨ ص ٨٠ ح ٣٧.
(٥٢)
فرشكم» (٢ (وتدل على ذلك جميع الروايات التي تبين أن الراضي بفعل قوم فهو
شريك لهم في عملهم… ومنها ما ورد في كلام أمير المؤمنين عليه السلام لمن تمنى
في حرب الجمل أن يكون أخوه شهد هذه الحرب مع أمير المؤمنين فقال له عليه
السلام:
«أهوى أخيك معنا… فقال: نعم… قال: فقد شهدنا ولقد شهدنا في عسكرنا هذا
أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان»
.(٣)
ويدل عليه كذلك ما دل على أن من كانت نيته أنه لو كان في كربلاء لوقف مع الإمام
الحسين وجاهد في سبيل الله تعالى بين يديه… فهو شريك شهداء كربلاء في الأجر
.(٤)
بل إن دعاء العهد الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام والذي رواه كبار علمائنا
يتضمن فقرة ملفتة ترشدنا إلى مدى الحنين إلى الجهاد بين يديه عليه السلام والتلهف
على ذلك… بحيث أن على أحدنا أن لا يتمنى أن يوفق إلى الجهاد بين يدي بقية الله
وحسب… بل أن يتمنى أن يمن الله عليه ببعثه من قبره… ليحظى بهذا الشرف الكبير:
——————–
(٢ (المصدر السابق ٢٢٩.
(٣ (نهج البلاغة ح ١٢.
(٤ (نفس المهموم للمحدث القمي / ٥٤٤ ،ومكيال المكارم ٢ / ٢٢٨.
(٥٣)
«اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا فأخرجني من
قبري مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي مجردا قناتي ملبيا دعوة الداعي…» (٥.(
ومن الجدير بالذكر أن العزم الحقيقي على الجهاد بين يديه عليه السلام يتوقف على
الإلمام بفنون القتال… وإلا كان عبثا لا طائل تحته…
إن المجاهد الذي خبر الحرب وأهوالها… هو وحده الذي يمكن أن يدعو بهذه
الفقرات بصدق… وإلا فهل يتوقع لمن كان في حياته لا يجاهد ولا يحدث نفسه
بجهاد على الأقل أن يبعثه من قبر «ه لينال هذا الوسام الإلهي العظيم…
إن الإعداد العسكري الجهادي في طليعة واجبات المجتمع المسلم… بل إن إحدى
مقومات الشخصية الإسلامية «الجهاد الأصغر»… ومن لم يوفق لذلك فلا أقل من أن
يكون محبا له يحدث نفسه به.
* * *
وهكذا يتضح أن الانتظار عمل باتجاه تزكية النفس وتهذيبها… ومرابطة حيث يدعو
التكليف الشرعي…. وعزم على الجهاد بين يدي الإمام المنتظر تؤهل له التقوى
والمرابطة…
——————–
.١١١ / ١٠٢ الأنوار بحار) ٥)
(٥٤)
2025-05-05