الرئيسية / زاد الاخرة / جامع السعادات – محمد مهدي النراقي – ج ١

جامع السعادات – محمد مهدي النراقي – ج ١

النوراني الذي لا يقبل الشك وله غاية الظهور والانجلاء لاستفادته من الأنوار الإلهية والإلهامات الحقة الربانية، وهو المراد بقوله (ع): ” إنما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء ” وإليه أشار مولانا أمير المؤمنين (ع) بقوله: ” أن من أحب عباد الله إليه عبدا أعانه الله على نفسه فاستشعر الحزن وتجلبب الخوف فزهر مصباح الهدى في قلبه ” (إلى أن قال): ” قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلى من الهموم إلا هما واحدا انفرد به، فخرج من صفة العمى ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه وسلك سبيله وعرف مناره، وقطع غماره (8)، واستمسك من العرى بأوثقها ومن الجبال بأمتنها فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس ” وفي كلام آخر له (ع) ” قد أحيي قلبه وأمات نفسه، حتى دق جليله (9) ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة، وتثبت رجلاه لطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة بما استعمل قلبه وأرضى به “.
وقال (ع) في وصف الراسخين من العلماء: ” هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعره المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى ” وبالجملة ما لم يحصل للقلب التزكية لم يحصل له هذا القسم من المعرفة إذ العلم الحقيقي عبادة القلب وقربة السر، وكما لا تصح الصلاة التي هي عبادة الظاهر إلا بعد تطهيره من النجاسة الظاهرة فكذلك لا تصح عبادة الباطن إلا بعد تطهيره من النجاسة الباطنية التي هي رذائل الأخلاق وخبائث الصفات، كيف وفيضان أنوار العلوم على القلوب إنما هو بواسطة الملائكة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ” فإذا كان بيت القلب مشحونا بالصفات الخبيثة التي هي كلاب نابحة لم تدخل فيه الملائكة القادسة والحكم بثبوت النجاسة الظاهرة للمشترك، مع كونه مغسول الثوب نظيف البدن، إنما هو لسراية نجاسته الباطنية فقوله صلى الله
(8) غمرة الشئ شدته ومزدحمة جمعه غمرات وغمار وغمر ومنه غمرات الموت أي مكارهه وشدائده.
(9) الجليل: الكبير في الحجم.
(٣٩)
عليه وآله وسلم ” بني الدين على النظافة ” يتناول زوال النجاستين. وما ورد من أن الطهور نصف الإيمان المراد به طهارة الباطن عن خبائث الأخلاق، وكان النصف الآخر تحليته بشرائف الصفات وعمارته بوظائف الطاعات.
وبما ذكر ظهر أن العلم الذي يحصل من طريق المجادلات الكلامية والاستدلالات الفكرية، من دون تصقيل لجوهر النفس، لا يخلو عن الكدرة والظلمة، ولا يستحق اسم اليقين الحقيقي الذي يحصل للنفوس الصافية، فما يظنه كثير من أهل التعلق بقاذورات الدنيا أنهم على حقيقة اليقين في معرفة الله سبحانه خلاف الواقع، لأن اليقين الحقيقي يلزمه ” روح ” (10) ونور وبهجة وسرور، وعدم الالتفات إلى ما سوى الله، والاستغراق في أبحر عظمة الله، وليس شئ من ذلك حاصلا لهم، فما ظنوه يقينا إما تصديق مشوب بالشبهة، أو اعتقاد جازم لم تحصل له نورانية وجلاء وظهور وضياء، لكدرة قلوبهم الحاصلة من خبائث الصفات.
والسر في ذلك أن منشأ العلم ومناطه هو التجرد كما بين في مقامه، فكلما تزداد النفس تجردا إيمانا ويقينا، ولا ريب في أنه ما لم ترتفع عنها أستار السيئات وحجب الخطيئات لم يحصل لها التجرد الذي هو مناط حقيقة اليقين فلا بد من المجاهدة العظيمة في التزكية والتحلية حتى تنفتح أبواب الهداية وتنضح سبل المعرفة كما قال سبحانه:
(والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (11).
فصل إن العمل نفس الجزاء كل نفس في يده الخلقة خالية عن الملكات بأسرها، وإنما تتحقق كل ملكة بتكرر الأفاعيل والآثار الخاصة به (12) بيان ذلك أن كل قول أو فعل ما دام وجوده في الأكوان الحسية لاحظ له من الثبات لأن الدنيا دار
(10) هذه الكلمة غير موجودة في نسختنا الخطية لكنها موجودة في نسخة خطية أخرى.
(11) العنكبوت الآية: 69.
(12) هكذا وجدت في النسخة المطبوعة ونسختنا الخطية والأصح ” بها ” وإن كانت الكلمة غير موجودة في نسخة خطية أخرى.
(٤٠)

شاهد أيضاً

أبناء الرسول صلى الله عليه وأله في كربلاء

ولم يكد واليه عليها وقريبه في نفس الوقت – مروان بن الحكم – يعرض الأمر ...