ومن جملة الأحاديث المعتبرة ، التي نستدل بها على التمسك والتوسل بآل محمد (ص) ومتابعتهم : حديث الثقلين ، وهو حديث صحيح أجمع عليه الفريقان ، وقد بلغ حد التواتر .
قال النبي (ص) : إني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيت ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا ، وهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (28).
الحافظ : أظن أنكم قد أخطأتم حين قلتم : إن هذا الحديث صحيح ومتواتر ! لأنه غير معتبر ومجهول عند كبار علمائنا ! فهذا شيخنا الكبير محمد بن إسماعيل البخاري ، وهو إمام علماء الحديث عند أهل السنة والجماعة ، لم يذكر حديث الثقلين في صحيحه الذي يعد عندنا بعد القرآن الكريم أصح الكتب !
قلت إن عدم ذكر البخاري لحديث الثقلين لا يدل على ضعفه ، فإن البخاري واحد ، ولكن الذين ذكروا هذا الحديث وعدوه صحيحا موثقا ، هم عشرات العلماء والمحدثين منكم ، فهذا ابن حجر المكي مع شدة تعصبه فإنه يقول في كتابه الصواعق المحرقة ، آخر الفصل ، الباب الحادي عشر ، الآية الرابعة : ص 89 و 90 .
بعدما نقل أخبارا وأقوالا حول حديث الثقلين يقول :
اعلم أن لحديث التمسك بالثقلين طرقا كثيرة وردت عن نيف وعشرين صحابيا ..إلى آخره(29).
وقد نقل الحديث عن الترمذي وأحمد بن حنبل الطبراني ومسلم … إلى آخره .
حول البخاري وصحيحه:
وأما قولكم أن حديث الثقلين غير صحيح ، لآن البخاري لم ينقله في صحيحه .
فإن الاسترداد مردود عند العلماء والعقلاء .
فالبخاري إن لم ينقل هذا الحديث الشريف ، فقد نقله عدد كبير من مشاهير علمائكم ، منهم : مسلم بن الحجاج الذي يساوي البخاري عند أهل السنة والجماعة ، وقد نقله في صحيحه ، وكذلك نقله سائر أصحاب الصحاح الستة غير البخاري .
فإذا لم تعتمدوا إلا على صحيح البخاري ، فأعلنوا بأن صحيح البخاري وحده صحيح ، وسائر الصحاح غير مقبولة لدينا لعدم صحتها ، وأن أهل السنة والجماعة مستندة إلى ما جاء في صحيح البخاري فحسب !
وإذا كنتم تعتقدون غير هذا ، وتعتمدون على الصحاح الستة فيجب أن تقبلوا الأخبار والروايات المنقولة فيها حتى إذا لم ينقلها البخاري لسبب ما .
الحافظ : لم يكن أي سبب في عدم نقله لبعض الأخبار سوى أنه كان كثير الاحتياط في النقل ، وكان دقيقا في الروايات ، فالتي لم ينقلها البخاري إما لضعف في السند ، أو لأن العقل يأبى من قبولها وصحتها .
قلت قديما قالوا : حب الشيء يعمي ويصم !
وأنتم لشدة حبكم للبخاري تغالون فيه وتقولون أنه كان دقيقا ومحتاطا ، وإن الأخبار التي رواها في صحيحه كلها معتبرة وقوية ، وهي كالوحي المنزل ! والحال أن في رواة صحيح البخاري أشخاصا وضاعين وكذابين وهم مردودون وغير معتبرين عند كثير من العلماء والمحققين في علم الرجال .
الحافظ : إن كلامكم هذا مردود عند جميع العلماء ، وإنه إهانة لمقام العلم ومرتبة رجال الحديث وخاصة الإمام البخاري ، وإنه تحامل بغيض على كل أهل السنة والجماعة !
قلت : إن كنتم تحسبون الانتقاد العلمي تحاملا بغيضا وإهانة ، فكثير من كبار علمائكم ، أهانوكم وأهانوا أهل مذهبهم ، قبلنا !
لأن كثير من مشاهير علمائكم المحققين نقحوا الصحاح ، وخاصة صحيحي مسلم والبخاري ومسلم ، وميزوا بين السقيم والسليم ، والغث والسمين ، وأعلنوا أن رجال الصحاح وحتى صحيحي البخاري ومسلم ، كثير منهم وضاعين وجعالين للحديث .
وأنا أنصحكم أن لا تعجلوا ولا تتسرعوا في إصدار الحكم علينا في ما نقوله عنكم ، بل راجعوا كتب الجرح والتعديل التي كتبها علماؤكم المحققون وطالعوها بدقة وتدبر بعيدا عن التعصب والمغالاة في شأن أصحاب الصحاح ، سواء البخاري وغيره ، حتى تعرفوا الحقائق .
راجعوا كتاب ” اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ” للعلامة السيوطي ، و ” ميزان الاعتدال ” و ” تلخيص المستدرك ” للعلامة الذهبي ، و ” تذكرة الموضوعات ” لابن الجوزي ، و” تاريخ بغداد ” لأبي بكر الخطيب البغدادي ، وسائر الكتب التي كتبها علماؤكم في علم الرجال وتعريف الرواة .
راجعوا فيها أحوال : أبي هريرة الكذاب ، وعكرمة الخارجي ، ومحمد بن عبدة السمرقندي ، ومحمد بن بيان ، وإبراهيم بن مهدي الأبلي ، وبنوس بن أحمد الواسطي ، ومحمد بن خالد الحبلي ، وأحمد بن محمد اليماني ، وعبد الله بن واقد الحراني ، وأبي داود سليمان بن عمرو ، وعمران بن حطان ، غيرهم ممن روي عنهم البخاري وأصحاب الصحاح ، حتى تعرفوا آراء علمائكم ومحققيكم في أولئك ، وهم نسبوهم إلى الوضع والكذب وجعل الأحاديث ، فتنكشف لكم الحقائق ، ولا تغالوا بعد ذلك في صحة ما نقله البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الصحاح !
وأنت أيها الحافظ ! إن كنت تقرأ وتطالع هذه الكتب التي ذكرتها ـ وهي لعلمائكم ـ لما قلت : إن البخاري ما نقل حديث الثقلين في صحيحه إلا لاحتياطه في النقل .
هل العقل السليم يقبل أن عالما محتاطا ، إمام محققا ، ينقل روايات وأحاديث موضوعة من رواة كذابين يأبى كل ذي عقل قبولها ، بل يستهزئ بها كل عاقل ذي شعور وإيمان ، كالروايات التي مرت أن موسى ضرب عزرائيل على وجهه حتى فقأ عينه فشكاه إلى ربه … إلى آخره ، أو أن الحجر أخذ ملابس موسى وهرب فلحقه موسى عريانا وبنو إسرائيل ينظرون إلى نبيهم وهو مكشوف العورة … إلى آخره !!
ألم تكن هذه الخزعبلات والخرافات من الأخبار الموضوعة ؟!
وهل في نظركم أن نقل هذه الموهمات في صحيحه كان من باب الاحتياط في النقل والتدقيق في الرواية ؟!!