وكلما قوي هذا النظر زادت روحانيته في العبادة وكانت روح العبادة أقوى ، حتى إذا تمكن العبد بنصرة الحق وأوليائه الكُمّل عليهم السلام من الوصول إلى حقيقة العبودية ، وكنهها فإنه يجد حينئذ لمحة من سرّ العبادة . وهذان المقامان – أعني مقام عزّ الربوبية الذي هو الحقيقة ومقام ذلّ العبودية الذي هو رقيقته – مرموزان في جميع العبادات وبالأخص في الصلاة التي لها مقام الجامعية . ومنزلتها بين العبادات منزلة الإنسان الكامل ومنزلة الإسم الأعظم بل هي عينه ، وللقنوت ، من الأعمال المستحبة . وللسجدة ، من الأعمال الواجبة اختصاص بهذه الخصوصية وسنشير إليها فيما يأتي إن شاء الله .
وليعلم أن العبودية المطلقة من أعلى مراتب الكمال وأرفع مراتب الكمال وأرفع مقامات الإنسانية وليس لأحد فيها نصيب سوى الأكمل من خلق الله محمد صلى الله عليه وآله وأولياء الله الكمّل ، فله صلى الله عليه وآله هذا المقام بالأصالة وللأولياء الكمّل بالتبعية وأما بقية العباد فهم في طريق العبادة عُرج وعبادتهم وعبوديّتهم معلّلة ولا ينال المعراج الحقيقي المطلق إلا بقدم العبودية ولهذا قال الله سبحانه : { سبحان الذي أسرى بعبده } ( الاسراء 1) فقد أسرى الله سبحانه بتلك الذات المقدسة إلى معراج القرب والوصول بقدم العبودية والجذبة الربوبية .
وفي التشهد الصلاتي هو رجوع من الفناء المطلق الذي حصل للمصلّي في السجدة ، التوجّه إلى العبودية أيضاً قبل التوجه بالرسالة
{ 34 }
ويمكن أن يكون إشارة إلى مقام الرسالة هو أيضا نتيجة لجوهرة العبودية ولهذا المطلب ذيل طويل خارج عن نطاق هذه الأوراق .