ومن الآداب القلبية في العبادات – وخصوصا العبادات الذكرية – التفهيم ، وكيفيته :
إن الإنسان يعدّ قلبه في أول الأمر كطفل ما انفتح لسانه وهو يريد أن يعلّمه كلاّ من الأذكار والأوراد والحقائق وأسرار العبادات بكمال الدقة والسعي و يفهّم القلب الحقيقة التي أدركها في أيّ مرتبة هو فيها فإذا لم يكن من أهل فهم معاني القرآن والأذكار وليس له نصيب من أسرار العبادات فيفهّم القلب المعنى الإجمالي وهو أن القرآن كلام إلهي والأذكار مذكرات بالحق تعالى والعبادات والطاعة إطاعة لأمر الربّ ويفهم القلب هذه المعاني الإجمالية . وإن كان أهلا لفهم المعاني الصورية للقرآن والأذكار فيفهّم القلب المعاني الصورية من الوعد والوعيد والأمر والنهي ومن علم المبدأ والمعاد بالمقدار الذي أدركه .
وان كشفت له حقيقة من حقائق المعارف أو كشف له سرّ من أسرار العبادات فيعلّم القلب ذاك المكشوف بجدّ واجتهاد ( الظاهر أن مراد الإمام دام ظله من الكشف ، هو الكشف العلمي ، وإلا، فالكشف الحقيقي لا يكون إلا للقلب ، ولا يبقى بعده مجال للتفهيم . فتدبر . ) ، ونتيجة هذا التفهيم هو أنه بعد المواظبة بمدة ينفتح لسان القلب ويكون القلب ذاكراً
{ 66 }
ومتذكرا . ففي أول الأمر كان القلب متعلما واللسان كان معلّما والقلب كان ذاكرا بذكر السان وتابعا له في الذكر ، وأما بعدما انفتح لسان القلب فيكون الأمر معكوسا فيكون القلب ذاكرا أوّلا ويتبعه اللسان في الذكر والحركة .
بل ربما يتفق أن الإنسان في حالة النوم يكون لسانه ذاكرا تبعا للذكر القلبي لأنّ الذكر القلبي لا يختصّ بحال اليقظة فإذا كان القلب متذكرا يكون اللسان التابع له أيضاً ذاكرا ويسري الذكر من ملكوت القلب إلى الظاهر { قل كلّ يعمل على شاكلته } ( الاسراء 84 ) .
وبالجملة ففي أول الأمر لابد أن يلاحظ الإنسان هذا الأدب : أي التفهيم حتى ينفتح لسان القلب الذي هو المطلوب الحقيقي وعلامة انفتاح لسان القلب أن يرتفع تعب الذكر ومشقته ويحصل النشاط والفرح ويرتفع الملل والألم كشأن الإنسان إذا أراد أن يعلّم الطفل الذي لم يشرع في التكلّم ، فما دام الطفل لم يتعلم التكلّم فإن المعلم يكون في تعب وملالة فإذا انفتح لسان الطفل وأدّى الكلمة التي علّمها له ارتفعت ملالة المعلم . ويؤدي المعلم الكلمة تبعا لأداء الطفل من دون ألم وتعب .