وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وصرف الذهن إلى إدراك المعنى ، وعلاجه ما هو إحضار القلب مع الاقبال على الفكر والتشمّر لرفع الخواطر الشاغلة ، وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها أعني النزوع عن تلك الأسباب التي تتحدث الخواطر إليها ، وما لم تنقطع تلك المواد لا تنصرف عنها الخواطر ، فمن أحب شيئا أكثر ذكره فذكر المحبوب يهجم على القلب بالضرورة ، ولذلك ترى من أحب غير الله لا تصفو صلاته عن الخواطر .
وأما التعظيم فهي حالة للقلب تتولد بين معرفتين ، إحدهما معرفة جلالة الله وعظمته وهي من أصول الايمان ، فإن من لا يعتقد عظمته لا تذعن النفس لتعظيمه .
الثانية : معرفة حقارة النفس وخسّتها وكونها عبدا مسخّرا مربوبا حتى يتولد من المعرفتين : الاستكانة والانكسار والخشوع لله ، فيعبر عنه بالتعظيم ، وما لم يمتزج معرفة حقارة النفس بمعرفة جلال الربّ لا ينتظم حالة التعظيم والخشوع ، فإن المستغني عن غيره ، الآمن على نفسه يجوز أن يعرف من غيره صفات العظمة ولا يكون الخشوع والتعظيم حاله لأن القرينة الاخرى وهي معرفة حقارة النفس وحاجيها لم تقترن بها .
وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس يتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به وانه لو أهلك الاولين والآخرين لم تنقص من ملكه ذرة ، هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع القدرة على الدفع .
وبالجملة ، كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة .
وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله وكرمه وعميم انعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة ، فإذا حصل اليقين بوعده والمعرفة بلطفه انبعث من مجموعها الرجاء لا محالة . وأما الحياء فباستشعار التقصير في العبادة وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها وخبث داخلها وميلها إلى الحظ العاجل في جميع أفعاله مع العلم بعظيم ما يقتضيه جلال الله ، والعلم بأنه مطّلع على السريرة وخطرات القلب ، وان دقّت وخفيت ، وهذه المعارف إذا حصلت يقينا أنبعث منها بالضرورة تسمّى الحياء . ( انتهى كلامه رفع مقامه ) )