روح العبادة الآداب المعنوية للعبادات
23 مارس,2019
صوتي ومرئي متنوع, طرائف الحكم
1,283 زيارة
النية والإخلاص في العبادة
أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
-
يفسّر أهمية النيّة ومكانتها في العبادات.
-
يبيّن ماهية الإخلاص وموقعيته في العبادة.
-
يشرح كيفية تحصيل الإخلاص في العبادة وآثاره المختلفة.
ما هي النيّة؟
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ يَومَ لَا يَنفَعُ مَال وَلَا بَنُونَ ٨٨ إِلَّا مَن أَتَى ٱللَّهَ بِقَلب سَلِيم ﴾[1].
النية: “هي التصميم والعزم على الإتيان بأمر وإجماع النفس على فعله بعد تصوّره والتصديق بفائدته”[2]. “والنية حالة نفسانية وجدانية يعبّر عنها بالهمة والعزم والإرادة والقصد”[3]. ولا يمكن أن يخلو عمل اختياري لإنسانٍ من نيةٍ بأيّ حالٍ من الأحوال، فلو أراد شخصٌ ما الإتيان بأمرٍ اختياريٍّ بلا نيّة لما استطاع ذلك مهما حاول.
أهمية النيّة وموقعيتها في الإسلام
وللنية في الإسلام دورٌ مهمٌّ في إعطاء الفعل والموقف الإنساني قيمته الحقيقية، كما لها دورٌ في تقييم الفاعل أي تحديد قيمته وموقعه أو رتبته الحقيقية. فالإسلام لم يعط الفعل العبادي ولا الفاعل قيمةً ولا أهمّيةً مجرّدة عن النية والقصد وبمعزلٍ عنهما، بل إن الفعل العبادي في نظر الإسلام هو جهدٌ إنساني تحدّد قيمته النية والقصد، لأن مدار الأعمال على النيات فهي التي تعطي العمل قيمته الواقعية.
وبما أن النية تعبيرٌ عن الموقف الداخلي، وعن التوجّه الذاتي، والحقيقة الباطنة للإنسان التي هي روح الفعل الحقيقية، لذلك فإن النية تعتبر أداة كشفٍ عن حقيقة الباطن
الإنساني. تلك الحقيقة التي ليس بإمكان الفعل أن يكشفها لأن الفعل يمكن أن يخضع لعملية تزوير مقصودة من قبل الانسان، وذلك أنه صياغةٌ لجهدٍ ظاهر، يمكن أن يخرجه الفرد بشكلٍ لا يتطابق بالضرورة مع حقيقته الداخلية ومحتواه الباطن.
ومن أجل إيضاح الفكرة أكثر نقول إننا نرى الكثير من الناس يبذل المال، ويبدي حسن الخلق، ويصلّي ويصوم. ونحن نشاهد تلك الصور الظاهرة للأفعال متساوية في الظاهر عند جميع الممارسين لها، فنحسبها سواء، ولكن لتقييمها في نظر الإسلام وسيلة أخرى، ولوزنها ميزان آخر، وهو النية.
فالأعمال الّتي تكون على هيئة واحدة في الظّاهر، مثل الذّهاب للجهاد، لا تكون كلها متساوية في النية والدافع. فيمكن أن يكون الباعث لهذا العمل كسب الغنائم أو الاستعلاء على النّاس والتفاخر بالبطولات، أو قد يكون دافِعُهُ نصرة الحقّ ودفع الظّلم وإطفاء نار الفِتن وأمثال ذلك.
ولأجل ذلك، أتت الأوامر بإصلاح النيّة، وتنقيتها من الشّوائب، قبل السّلوك في أيّ طريق، وما السّالك في خطّ الله، والكمال المعنوي بِمُستثنى عن ذلك، فهل أنّ هدفه من سلوك سبيل التهذيب والرياضة، هو التّكامل المعنوي، والوصال الحقيقي، أم أنّه يريد كسب عنصر القّوة في عالم النفس، والتّسلط على ما وراء الطّبيعة، ليشار إليه بِالبَنان؟!
وما ورد في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “إِنّما الأَعمالُ بالنِّيَّاتِ ولكل امرئ ما نوى”[4] إشارةٌ لهذا المعنى، وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنه قال: “إن الرجلين من أمتي يقومان في الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد وإن ما بين صلاتيهما مثل ما بين السماء والأرض”[5].
وعندما يضع الإسلام موازينه ليزن الفعل، ويقوّم الفاعل، يتّخذ النية أساساً في الوزن والتقييم. فإن لم تكن النية خالصةً لله تعالى، كان هذا الفعل باطلاً، لا قيمة له، وخاسراً لا أجر لصاحبه. لأن فاعله لم يقصد القربة إلى الله، ولم يتوجّه إليه، بل كان كل همّه نفسه
من أجل إظهارها بمظهر الصلاح والمقبولية لدى الآخرين.
لذا شدّد الدين الإسلامي التأكيد على أهمّية النيّة في تحديد قيمة الفعل، والمعيار بسيطٌ وهو: هل يُراد بهذا الفعل وجه الله تعالى أو سوى ذلك؟
وقد جاء الحديث النبوي الشريف واضحاً صريحاً في تأكيد هذا المعنى عندما قال صلى الله عليه وآله وسلم: “إنما الأعمال بالنيات، ولكل امرىءٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه”[6].
وقد جاء في حديث الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله: “صاحب النية الصادقة، صاحب القلب السليم”[7]. وسئل الامام جعفر الصادق عليه السلام عن العبادة وحدّها التي إذا فعلها فاعلها كان مؤدّياً فقال: “حسن النية بالطاعة من الوجوه التي يطاع الله منه”[8]. فالنية إذاً هي مصدر قيمة الفعل، وعليها يتوقّف مدى قبوله عند الله، ونيل ثوابه.
إن الهيكل الشكلي الظاهري للفعل العبادي لا يعبّر عن إيمان صاحبه، حتى وإن توافق مع الشروط الفقهية والمظهر الخارجي للعبادات، إلاّ إذا كان صادراً عن نيّة صادقة مخلصة.
لأن تناقض النيّة مع الفعل العبادي الذي لا يُراد به سوى وجه الله تعالى، يفقده قيمته الحقيقية ويبطله، فلا يجني صاحبه إلاّ الجهد والعناء.
لذا فإن الأجر والثواب لا يوزنان عند الله تعالى وفق المقدار المؤدّى من الأفعال ولكن بقدر إخلاص النيّة في هذا الفعل، وبمدى تطابقه مع إرادة الله سبحانه. ففي الحديث الشريف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “أَخْلِصْ قَلْبَكَ يَكْفِكَ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَمَلِ”[9].
ما هو الإخلاص ومن هو المخلص؟
قلنا إن النية هي ميزان قبول الأعمال وإن المعيار هو كونها خالصة لله، فما معنى أن تكون النية خالصةً لله تعالى؟ وما هو الإخلاص؟ وما هي حقيقته؟
في كتابه الآداب المعنوية للصلاة يقول الامام الخميني دام ظله: “من مهمات آداب النية وهو في نفس الوقت من مهمات جميع العبادات ومن المقررات الكلية الشاملة، الإخلاص، وحقيقته تصفية العمل عن شائبة سوى الله وتصفية السرّ عن رؤية غير الحق تعالى في جميع الأعمال الصورية واللبّية والظاهرية والباطنية وكمال الإخلاص ترك الغير مطلقاً وجعل الإنّيّة والأنانية والغير والغيرية تحت قدميك”[10].
الإخلاص في العمل هو تنزيه العمل أن يكون لغير الله فيه نصيب. وفي الحديث الوارد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: “إن لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، وَما بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الإِخلاصِ حَتّى لا يُحِبَّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَى شَيء مِنْ عَمَل لله”[11].
والإخلاص لله هو غاية الدين كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: “الإخلاص غاية الدين”[12]، وهو أفضل العبادات، بل هو روح العبودية لله وجوهرها، كما أخبر عن ذلك إمامنا الصادقعليه السلام: “أفضل العبادة الإخلاص”[13]. فحقيقة الإخلاص تخليص نيّة الإنسان وعمله من شائبة غير الله تعالى، وهو لا يتحقّق إلا عند من كان محبّاً لله عزّ وجلّ بحيث لا يبقى لحبّ الدنيا وشهواتها وملذّاتها وسمعتها وجاهها ومناصبها في قلبه قرار. فعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: “لا يَكُونُ العَبْدُ عابِداً للهِ حَقَّ عِبادَتِهِ حَتّى يَنْقَطِعَ عَنِ الخَلْقِ كُلِّهُ إِلَيهِ، فَحِينَئِذ يَقُولُ هذا خالِصٌ لِي فَيَتَقَبِّلَهُ بِكَرَمِهِ”[14].
فالمخلص هو الذي لا يطلب من وراء أيّ عملٍ يقوم به سوى الله تعالى، ولا يكون له
مقصدٌ أو دافعٌ سوى رضاه، والتقرّب إليه، ونيل الزّلفى لديه. بحيث تكون نيّته متوجّهةً دائماً إلى الله، فلا تطلب إلّا رضاه ووجهه الكريم، حبّاً به، وطمعاً في فضله وإحسانه، لأن العمل الخالص هو الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحدٌ سوى الله تعالى.
الله تعالى لا يقبل إلا العمل الخالص، إن أعمال الناس مرهونة بالنيّات وإذا لم تكن النوايا خالصةً، فهذا يعني أنّه يشوبها الشّرك والله تعالى لا يغفر أن يشرك به: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِۦ ﴾[15]، لأن الشّرك ظلمٌ عظيمٌ ﴿ يَٰبُنَيَّ لَا تُشرِك بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيم ﴾[16].
والله تعالى لم يأمر إلا بالإخلاص كما في قوله: ﴿ وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعبُدُواْ ٱللَّهَ مُخلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ﴾[17]، وهو بالأصل لا يقبل إلا ما كان له خالصاً، كما في الحديث القدسيّ المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام قال: “قال الله عزَ وجلّ أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلا ما كان لي خالصاً”[18] فما لم يكن العمل مقبولاً عند الله فلا قيمة له على الإطلاق.
فالله تعالى قد اختار لنفسه الدين الخالص حيث قال: ﴿ أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلخَالِصُ ﴾[19]، فإذا كان لشيءٍ من الأهواء النفسيّة والحظوظ الدنيويّة دخلٌ في الدين فلا يكون خالصاً، وما كانت فيه شائبة الغيريّة والنفسانيّة فهو خارج عن حدود دين الحق. فإذا صار همّ الإنسان الناس ونظرتهم إليه وما يقولونه فيه، وأصبح هدفه وقصده الملذّات الدنيويّة والشهوات الرّخيصة، اتّباعاً لأهواء النفس وأوامرها فمن الطبيعي أن لا يصل إلى درجة الإخلاص، لأن المطاع ليس الله، كما أن المقصد والمطلوب أيضاً ليس الحق عزّ اسمه، بل المطاع هي الأنا والأهواء، والمراد هو الملذّات والشهوات، والدنيا الفانية. والنتيجة الحتميّة لطاعة النّفس والهوى هي الضّلالة كما أخبر تعالى في كتابه العزيز حيث قال: ﴿ أَفَرَءَيتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلم وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمعِهِۦ وَقَلبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَة فَمَن يَهدِيهِ مِن بَعدِ ٱللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾[20].
وعليه نخلص من كل ما سبق إلى أن الإخلاص أساس الدين ودعامته التي يرتكز عليها في عمليّة بناء الإنسان على خطّ الإيمان بالله والتوجّه الدائم إليه وتوحيده. كما أنه رأس الفضائل، والمناط في قبول الأعمال وصحّتها، فلا قيمة لعملٍ لا إخلاص معه، كما ورد عن مولى الموحّدين الإمام علي عليه السلام: “من لم يصحب الإخلاص عمله لم يقبل”[21].
وقال عليه السلام في شأن المخلصين: “طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه ولم يحزن صدره بما أعطي غيره”[22].
آثار الإخلاص
للإخلاص آثارٌ وخصائص عديدةٌ وردت في النصوص والروايات الشريفة، لا يتمتّع بها إلّا المخلصون والمنقطعون إلى الله تعالى بنيّاتهم وأعمالهم، أما الآخرون فمحرومون من هذه النِّعم والكرامات السَّنيّة. وفيما يلي نذكر بعضاً منها:
أولاً: عدم تسلّط الشيطان على الإنسان المخلص، بحيث لا يعود للشيطان قدرة على إغوائه. لأن الله تعالى حاضرٌ دائماً في حياته، فهو لا يرى غيره، ولا يفكّر إلّا فيه، ونيّته دائماً متوجّهة إليه، فلا يكون للشيطان إليه سبيل: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنهُمُ ٱلمُخلَصِينَ ﴾[23].
ثانياً: الإنسان المخلص مُعفى من الحساب في يوم الحشر وعند الوقوف في عرصات يوم القيامة. فقد أشار القرآن الكريم إلى وجود فئة من الناس تأمن صعقة يوم القيامة وفزعه: ﴿ وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرضِ إِلَّا مَن شَاءَ ٱللَّهُ ﴾[24]، وفي آيةٍ أخرى يقول الله تعالى: ﴿ فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُم لَمُحضَرُونَ ١٢٧ إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلمُخلَصِينَ ﴾[25]، فإذا ضممنا
هذه الآية إلى الأولى يتّضح أن هذه الطائفة من النّاس هي عباد الله المخلصين، لأنه ليس لهؤلاء أعمال توجب حضورهم في عرصات يوم القيامة، فهم قد قتلوا النفس الأمّارة بالسوء في ساحات جهاد النفس وترويضها بالمراقبة والعبادة والأعمال الصالحة، وتمّ لهم حسابهم خلال فترة جهادهم لعدوّهم الباطنيّ والظاهريّ في الحياة الدنيا.
ثالثاً: كلّ ما يُعطى الإنسان في يوم القيامة من ثوابٍ وأجرٍ فهو مقابل ما عمله في الحياة الدنيا إلّا طائفة المخلَصين من الناس، فإن الكرامة الإلهيّة لهم تتعدّى حدود الأجر على العمل كما أخبر تعالى بذلك في كتابه الكريم حيث قال: ﴿وَمَا تُجزَونَ إِلَّا مَا كُنتُم تَعمَلُونَ ٣٩ إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلمُخلَصِينَ ٤٠ أُوْلَٰئِكَ لَهُم رِزق مَّعلُوم ﴾[26]، فعباد الله المخلَصين لن يكون جزاؤهم بحسب أعمالهم، بل الله المنّان سوف يعطيهم بفضله وكرمه. فهم لا ينالون الجزاء مقابل العمل وإنّما ينالون من الكرامات الإلهيّة وفق إرادته تعالى ومشيئته وفيض كرمه وسعة عطائه الذي لا حدّ له.
رابعاً: إن لهؤلاء المقام المنيع والمنصب الرّفيع والمرتبة العظيمة التي يستطيعون فيها أداء الحمد والشّكر والثناء للذّات المقدّسة كما هو لائقٌ بها. قال عزّ من قائل ﴿ سُبحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٥٩ إِلَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلمُخلَصِينَ ﴾[27]، وهذه غاية كمال المخلوق. فهذه الآية وصفت المخلصين بأنهم الوحيدون الذين يصحّ منهم وصف الذات الإلهيّة المقدّسة، مما يدلّ على عمق معرفتهم بالله سبحانه وتعالى، فلم يكن في وصفهم لله تعالى أيّ إشكال بخلاف سائر الناس.
خامساً: من يخلص لله يرزقه الله العلم والحكمة كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “من أخلص العبادة لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه”[28]. فالمداومة على الإخلاص تورث الإنسان العلم الإلهي الّذي ليس فوقه أيّ علم.
سادساً: من يخلص لله تعالى في النيّة والعمل يرزقه الله تعالى البصيرة في دينه، فلا تلتبس عليه الأمور، ولا يقع في مضلّات الفتن، ويصبح عارفاً بطريقه جيّداً وموقناً بما يفعله. فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “عند تحقّق الإخلاص تستنير البصائر“[29].
سابعاً: نجاح الأعمال، فقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: “فِي إخلاصِ النيّاتِ نَجاحُ الأمورِ“[30]. وقال عليه السلام أيضاً: “لَو خَلُصَتِ النِّيَّاتُ لَزَكَتِ الأَعمالُ”[31].
كيف يتحقّق الإخلاص؟
يتحقّق الإخلاص من خلال إزالة المانع الذي يحول دون تحقّقه، وهذا المانع هو هوى النفس. فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: “كيف يستطيع الإخلاص من يغلبه الهوى!”[32].
والهوى هو حبّ النفس واتّباع الأوامر الصادرة منها، وهو ما يُعتبر شركاً، لأنّ المُطاع فيه هو نفس الإنسان وليس الحقّ عزّ وجلّ. إن اتّباع الهوى يؤدّي بالإنسان إلى الضّلال عن سبيل الله عزّ وجلّ وصراطه المستقيم، ذلك أن سبيله تعالى مرهونٌ بأمرين هما التوحيد والطاعة، وقد قال عزّ من قائلٍ: ﴿ وَلَا تَتَّبِعِ ٱلهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾[33]. وللأسف فإننا في كثيرٍ من الموارد نجعل أهواءنا مكان الله تعالى، وننصاع لميولنا النفسيّة بدل الانصياع لأحكام الشّرع.
من هنا يقول الحقّ تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفسَ عَنِ ٱلهَوَىٰ ٤٠ فَإِنَّ ٱلجَنَّةَ هِيَ ٱلمَأوَىٰ ﴾[34]، فإن حبّ النفس يؤدّي إلى طاعتها واتّباع أوامرها، واتّباع أوامرها يعني أن المُطاع ليس الله تعالى، ممّا يكون سبباً في وقوع الإنسان في المعصية والمخالفة لأوامر الحق عزّ وجلّ، وبالتالي البعد عن الله والحرمان من الهداية.
وهناك أمرٌ آخر يساعد أيضاً على تحقّق الإخلاص وهو اليقين. لأن الإخلاص لله هو وليد الإيمان واليقين العميق بالمعارف الإلهيّة، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: “الإخلاص ثمرة اليقين“[35]. فلكي يغدو الإنسان مخلصاً يجب أن يكون صاحب يقينٍ على مستوى التوحيد، ومؤمناً بأنه لا مؤثّر في الوجود إلا الله، وأنّ كلّ شيء في هذا العالم يبدأ من الله ويعود إليه، ليكون من: ﴿ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَٰبَتهُم مُّصِيبَة قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَٰجِعُونَ ﴾[36].
والخطوة الأولى نحو اليقين الصحيح تكمن بالعلم والمعرفة بأسس هذا الدين ومبادئه ومعارفه الإلهية، ومن دون هذه المعرفة يبقى يقين الإنسان ضعيفاً ومتزلزلاً، وبالتالي محروماً من فضيلة الإخلاص. عن أمير المؤمنين الإمام عليعليه السلام أنه قال: “أوّل الدين معرفته وكمال معرفته، التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له”[37].
التمارين
ضع إشارة û أو ü في المكان المناسب:
1 – الفعل العبادي في المنظور الإسلامي هو جهدٌ إنساني تُحدّد قيمته النية والقصد
2 – اتباع الهوى يؤدّي بالإنسان إلى الضّلال عن سبيل الله عزّ وجلّ وصراطه المستقيم
3 – إنّ الأجر والثواب على الأعمال يوزنان عند الله تعالى وفق المقدار المؤدّى من الأفعال فقط
4 – الإخلاص في العمل هو تنزيه العمل من أن يكون لغير الله فيه نصيب
5 – العمل الخالص هو الذي تريد أن لا يمدحك عليه أحدٌ سوى الله تعالى
6 – إنّ الإخلاص في الأعمال لله سبحانه وتعالى يؤدّي إلى عدم تسلّط الشيطان على إرادة الإنسان وبالتالي انحرافه عن جادّة العبادة الحقّة
7 – الخطوة الأولى نحو اليقين الصحيح تكمن بالالتزام بالأوامر الإلهية ومن دون ذلك فلا يقين يسير بالعابد نحو الحق تعالى
8 – يتحقّق الإخلاص من خلال إزالة المانع الذي يحول دون تحقّقه، وهذا المانع هو هوى النفس
9 – إنّ الإخلاص لله هو وليد الإيمان واليقين العميق بالمعارف الإلهيّة الحقّة
10 – الهوى هو حبّ النفس واتّباع الأوامر الصادرة منها، وهو لا يُعتبر شركاً، بل انحراف عن طريق العبادة الصحيحة
المفاهيم الرئيسة
-
الفعل العبادي في نظر الإسلام هو جهدٌ إنساني تُحدّد قيمته النية والقصد، لأن مدار الأعمال على النيات فهي التي تعطي العمل قيمته الواقعية.
-
إن الأجر والثواب لا يوزنان عند الله تعالى وفق المقدار المؤدّى من الأفعال، ولكن بقدر إخلاص النيّة في هذا الفعل، وبمدى تطابقه مع إرادة الله سبحانه.
-
الإخلاص في العمل هو تنزيه العمل أن يكون لغير الله فيه نصيب. وهو غاية الدين وهو روح العبودية لله وجوهرها. وحقيقة الإخلاص تخليص نيّة الإنسان وعمله من شائبة غير الله تعالى. والعمل الخالص هو الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحدٌ سوى الله تعالى.
-
الله تعالى قد اختار لنفسه الدين الخالص حيث قال: ﴿ أَلَا لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلخَالِصُ ﴾، فإذا كان لشيءٍ من الأهواء النفسيّة والحظوظ الدنيويّة دخلٌ في الدين فلا يكون خالصاً، وما كانت فيه شائبة الغيريّة والنفسانيّة فهو خارج عن حدود دين الحق.
-
للإخلاص آثار وخصائص عديدة على المخلص: عدم تسلّط الشيطان، إعفاؤه من الحساب يوم القيامة، نيل الكرامات الإلهيّة، يصحّ منه وصف الذات الإلهيّة المقدّسة، يرزق العلم والحكمة والبصيرة في دينه، نجاح الأعمال.
-
يتحقّق الإخلاص من خلال إزالة المانع الذي يحول دون تحقّقه، وهذا المانع هو هوى النفس. وأيضاً من خلال اليقين، لأن الإخلاص لله هو وليد الإيمان واليقين العميق بالمعارف الإلهيّة.
-
الخطوة الأولى نحو اليقين الصحيح تكمن بالعلم والمعرفة بأسس هذا الدين ومبادئه ومعارفه الإلهية، ومن دون هذه المعرفة يبقى يقين الإنسان ضعيفاً ومتزلزلاً.
للمطالعة
في بيان الإخلاص بعد العمل
اعلم أنّ ما ورد في الحديث الشريف “الإِبْقَاءُ عَلَى العَمَلِ حَتَّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ العَمَلِ” حثّ على لزوم المحافظة والمواظبة على الأعمال، التي تصدر من الإنسان، حين إنجازها وبعد تحقّقها، إذ قد يأتي الإنسان بالعمل من دون عيب ونقص، ويكون خالياً من الرياء والعُجب وغيره، ولكنه بعد العمل وبواسطة ذكره للآخرين يُعاب بالرياء. كما ورد في الحديث الشريف المنقول عن الكافي: “عَنْ أبي جَعْفَرٍ عليه السلام أنَّهُ قَالَ: الإبْقاءُ عَلَى العَمَلِ أشَدُّ مِنَ العَمَلِ. قالَ: وَمَا الإبْقاءُ عَلَى العَمَلِ؟ قالَ: يَصِلُ الرَّجُلُ بِصِلَةٍ وَيُنْفِقُ نَفَقَةً لِلّهِ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ فَكُتِبَ لَهُ سِرّاً ثُمَّ يَذْكُرُها فَتُمْحى فَتُكْتَبُ لَهُ علانَيةً ثُمَّ يَذْكُرُها فَتُكْتَبُ لَهُ رِياءً”[38].
إنّ الإنسان حتى نهاية حياته لا يأمن أبداً من شرّ الشيطان والنفس، وعليه أن لا يظنّ بأنه عندما أتى بعمل لوجه الله، من دون ملاحظة رضا المخلوق، أصبح في مأمنٍ من شرّ النفس الخبيثة. وإنه إذا لم يراقب العمل ولم يواظب عليه، فمن الممكن أن تجبره نفسه على إظهاره أمام الآخرين. وقد يتمّ الإظهار بالإيماء والتلويح، فمثلاً: إذا أراد أن يكشف عن صلاة الليل التي أتى بها للناس، التجأ إلى أساليب اللفّ والدوران، فيتحدّث عن حسن جوّ السَحَرِ أو رداءته وعن مناجاة الناس أو أذانهم في السحر، وضيّع عمله من جرّاء المكائد الخفيّة للنفس، وألغاه من الاعتبار.
يجب أن يكون الإنسان مثل الطبيب الرحيم، والمرافق الرؤوف يراقب نفسه، ولا يسمح لفلتان زمامها مِنْ يده، لأنها في لحظة من الغفلة تنفلت من يده وتقوده إلى الذل والهلاك. وعلى أي حال نستعيذ بالله من شرّ الشيطان والنفس الإمّارة. ﴿ وَمَا أُبَرِّئُ نَفسِي إِنَّ ٱلنَّفسَ لَأَمَّارَةُ بِٱلسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُور رَّحِيم ﴾[39] [40].
[1] سورة الشعراء، الآيتان 88-89.
[2] راجع الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص 167، الباب الثالث، الفصل الأول:في حقيقة النية في العبادات. ترجمة السيد عباس نور الدين، الطبعة الأولى، بيروت 2009.
[4] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج1، ص48.
[5] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج81، ص249.
[6] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص90، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1987م، ط 1، باب استحباب نية الخير والعزم عليه.
[7] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص210.
[8] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص83.
[9] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج70، ص175.
[10] الإمام الخميني، الآداب المعنوية للصلاة، ص 171، الباب الثالث في سر النية وآدابها، الفصل الثاني: في الاخلاص.
[11] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج69، ص30.
[12] الليثي، الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، ص19، تحقيق وتصحيح البيرجندي، قم، نشر دار الحديث، 1418هـ، ط1.
[13] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص245.
[14] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص101.
[15] سورة النساء، الآية 116.
[16] سورة لقمان، الآية 13.
[17] سورة البينة، الآية 5.
[18] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص295.
[19] سورة الزمر، الآية 3.
[20] سورة الجاثية، الآية 23.
[21] الآمدي، غرر الحكم، ص155.
[22] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص16.
[23] سورة ص، الآيتان 82-83.
[24] سورة الزمر، الآية 68.
[25] سورة الصافات، الآيتان 127-128.
[26] سورة الصافات، الآيتان 39-41.
[27] سورة الصافات، الآيتان 159-160.
[28] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، ج53، ص326.
[29] التميمي، الآمدي، عبد الواحد بن محمد، غرر الحكم ودرر الكلم، ص198. تحقيق وتصحيح محمد أبو الفضل إبراهيم، قم، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404هـ، ط1.
[30] م. ن، ص93.
[32] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج12، ص115.
[33] سورة ص، الآية 26.
[34] سورة النازعات، الآيتان 40 – 41.
[35] سورة البقرة، الآية 156.
[36] السيد الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة خطب الإمام عليعليه السلام، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، قم، دار الهجرة، 1414هـ.، ط 1،خطبة1.
[37] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 296.
[38] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 296.
[39] سورة يوسف، الآية 53.
[40] الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، الحَديث العشرون: النيَّة.
2019-03-23