الرئيسية / الاسلام والحياة / الاكتفاء بما روي في أصحاب الكساء

الاكتفاء بما روي في أصحاب الكساء

(غزوة مؤتة):

75 – وأمّا غزوة مؤتة(6) فأخبرنا أَبُو القاسم بن السَّمَرْقَنْدي، أنا أبو الحُسَين بن النَقُّور، أنا أَبُو طاهر المخَلّص، نا أَبُو الحُسَين رضوان بن أَحْمَد بن جالينوس (حيلولة).
وأخبرنا أَبُو عَبْد اللَّه الفُرَاوي، أنا أَبُو بكر البيهقي، أنا أَبُو عَبْد اللَّه الحافظ، نا أَبُو العبَّاس مُحَمَّد بن يعقوب، قالا: نا أَحْمَد بن عَبْد الجبار، نا يونس بن بُكَير، عن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، حدثني مُحَمَّد بن جعفر بن الزبير، عن عُرْوَة بن الزبير قال:
قدم رسول اللَّه(ص) من عمرة القضاء المدينة في ذي الحجة، فأقام بالمدينة حتى بعث إلى مؤتة في جمادى الأُولى من سنة ثمان، قال: وأمَّر رَسُول اللَّه على الناس في مؤتة زيدبن حَارثة ثم قال: «فإن اُصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعَبْد اللَّه بن رواحة، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلاً فليجعلوه عليهم».

 
فتجهّز الناس وتهيأوا للخروج. فودع الناس أمراء رَسُول اللَّه(ص) وسلموا عليهم وودّعوا عَبْد اللَّه بن رواحة – وقال البيهقي: فلما ودعوا عَبْد اللَّه بن رواحة بكى، فقالوا: مايبكيك ياابن رواحة؟ قال: أما واللَّه ما بي حبّ الدنيا ولا صبابة إليها، ولكني سمعت رَسُول‏اللَّه(ص) يقرأ – وقال البيهقي: ولكني سمعت اللَّه يقول: «وإنْ مِنْكُمْ إلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلى‏ رَبِّكَ حَتْمَاً مَقْضِيّاً»(7) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود. فقال المسلمون: صحبكم اللَّه وردّكم إلينا صالحين، ودفع عنكم. فقال ابن رواحة:

 
لكني أسأل الرَّحمن مغفرة
وضربة ذات قرع تقذف الزَّبدا

أو طعنةِ بيَدي حرّان مُجهِزَة
بِحَربة تنفذُ الأحشاءَ والكبدا

وقال البيهقي: «حمران» بدل حران:
حتى يقولوا وقد مَرُّوا على جدثي
يا أرشد اللَّه مِن غازٍ وقد رَشدا

ثم أتى عَبْد اللَّه بن رواحة رَسُول اللَّه(ص) فودّعه ثم قال – وقال البيهقي: فقال -:
وثبّت اللَّه ما آتاك من حسنٍ
تثبيت موسى وَنَصراً كالذي نصروا

إنّي تفرّست فيك الخير نافلةً
واللَّه يعلم أنّي ثابت البصر

أنت الرَّسُول فمن يُحرم نوافله
والوجه منه فقد أزرى به القدرُ

 

 

ثم خرج القوم حتى نزلوا مُعَان فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مئة ألف من الروم، ومئة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين فقالوا – وقال البيهقي: وقالوا – : نبعث إلى رَسُول اللَّه(ص) فنخبره بكثرة عدوّنا، فإما أن يُمدّنا، وإما أن يأمرنا أمراً، فشجع الناس عَبْداللَّه بن رواحة فقال: – وقال البيهقي: وقال: – ياقوم واللَّه إن التي تكرهون لَلَّتي خرجتم لها إياها تطلبون: الشهادة، وما يقاتل الناس بعددٍ ولا كثرة وانما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا اللَّه به. فربما فعل، وإن تكن الاُخرى فهي الشهادة وليست بشرّ المنزلتين. فقال الناس: واللَّه لقد صَدق ابن رَواحة فانشمر الناس وهم ثلاثة آلاف حتى لقوا جموع الروم -زاد ابن النَقُّور: وهم وقالا: – بقرية من قرى البلقاء يقال لها: شَرَاف‏(8) ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة قرية فوق أحساء(9) – زاد ابن النَقُّور: ابن موت.

 
وكان سبب هذه الغزوة فيما أخبرنا أَبُو بكر مُحَمَّد بن عَبْد الباقى الفَرَضي، أنا أَبُو مُحَمَّد الجوهري، أنا أَبُو عمر بن حَيّوية، أنا عَبْد الوهاب بن أبي حَيّة، نا مُحَمَّد بن شجاع الثلجي، نامُحَمَّد بن عمر، حدثني ربيعة بن عُثْمَان، عن عمر بن الحكم، قال: بعث رَسُول اللَّه(ص)

 

 

الحارث بن عُمَيْر الأزدي ثم أحد بني لِهْب إلى ملك بُصرى بكتاب. فلما نزل مؤتة عرض له شُرَحبيل بن عمرو الغسّاني فقال: أين تريد؟ قال: الشام. قال: لعلك من رُسْل مُحَمَّد؟ قال: نعم، أنا رَسُول رسول اللَّه(ص) فأمر به فأوثق رباطاً، ثم قدّمه فضرب عنقه صبراً. ولم يقتل لرَسُول اللَّه رَسُول غيره، فبلغ رَسُول اللَّه(ص) الخبر فاشتد عليه وندب الناس وأخبرهم بمقتل الحارث ومن قتله، فأسرع الناس وخرجوا فعسكروا بالجُرْف، ولم يبيّن رَسُول‏اللَّه(ص) الأمر، فلما صلى رَسُول اللَّه(ص) ا

 

 

لظهر جلس وجلس أصحابه حوله، وجاء النعمان بن مِهَضّ اليَهُودِي، فوقف على رَسُول اللَّه(ص) مع الناس. فقال رَسُول اللَّه(ص): «زيد بن حارثة أمير الناس، فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب، فان اُصيب جعفر فعَبْد اللَّه بن رواحة، فإن أُصيب عَبْدُ اللَّه بن رواحة فلَيرتض المسلمون بينهم رجلاً فليَجعلوه عليهم» فقال النعمان بن مهض: أبا القاسم إن كنت نبياً فسمّيت من سمّيت قليلاً أو كثيراً أُصيبوا جميعاً، إن الأنبياء في بني اسرائيل إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا: إن اُصيب فلان، فلو سمّى مئة اُصيبوا جميعاً. ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة: اعهد فلا ترجع إلى مُحَمَّد أبداً إن كان نبياً. فقال زيد: فأشهد أنّه نبيّ صادق بارّ، فلما أجمعوا المسير وقد عقد رَسُول اللَّه(ص) لهم اللواء ودفعه‏(10) إلى زيد بن حارثة – لواء أبيض – مشى الناس إلى أُمراء رَسُول اللَّه(ص) يودّعونهم ويدعون لهم وجعل المسلمون يودّع بعضهم بعضاً، والمسلمون ثلاثة آلاف، فلما ساروا من معسكرهم نادى المسلمون: دفع اللَّه عنكم، وردّكم صالحين غانمين. قال ابن رواحة عند ذلك:

 
لكنني أسأل الرَّحمن مغفرةً
وضربة ذات قرع تقذف الزبدا

وهي أبيات أنشدنيها شعيب بن عُبَادة(11).
76 – أخْبَرَنا أَبُو القاسم بن السَّمَرْقَنْدي، أنبأ أَبُو الحُسَين بن النَقُّور، أنبأ أَبُو طاهر المخلص، أنا أَبُو الحُسَين رضوان بن أَحْمَد بن جالينوس، أنا أَحْمَد بن عَبْد الجبار العطاردي، نا يونس بن بكير، عن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، قال: فبكى حسّان أهلَ مؤتة فقال:
تأوَّبني‏(12) ليل بيثرب أعسر
وهمٌّ إذا ما نوّم الناس مسهرُ

لذكرى حبيب هيجت لي عبرة
سفوحاً وأسباب البكاء التذكّر

بل إن فقدان‏(13) الحبيب بليّة
وكم من كريم يبتلى ثم يصبر

رأيت خيار المؤمنين تتابعوا(14)
شعوباً وخلف‏(15) بعدهم متأخر(16)

فلا يبعدنّ اللَّه قتلى تتابعوا
بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعَبْد اللَّه حين تتابعوا
جميعاً وأسباب المنية تخطر

غداة مضوا(17) بالمؤمنين يقودهم
إلى الموت ميمون النقيبة(18) أزهر

أغرّ كضوء البدر من آل هاشم
أبيّ‏(19) إذا سيم الظلامة مجسر(20)

فطاعن حتى مات غير موسّد
بمعترك‏(21) فيه القنا متكسر(22)

فصار مع المستشهدين ثوابه
جنان وملتفّ الحدائق أخضر

وكنا نرى في جعفر بن مُحَمَّد
وفاء وأمراً حازماً(23) حين يأمر

وما زال في الإسلام من آل هاشم
دعائم عزّ لا يزول‏(24) ومفخر

هُمُ جبل‏الإسلام والناس حولهم‏(25)
رضام‏(26) إلى طود يروق‏(27) ويقهر(28)

بهاليلُ‏(29) منهم جعفر وابن اُمّه
عليّ ومنهم أَحْمَد المتخيّر

وحمزة والعبَّاس منهم وفيهم
عقيل وماء العود من حيث يعصر

بهم تفرج اللأواء(30) في كل مأزق
حماش إذا ما ضاق بالناس مصدر(31)

هُمُ أولياء اللَّه منزل حكمه
عليهم وفيهم ذا الكتاب المطهر(32)

وقال كعب بن مالك‏(33) يبكي جعفراً وأصحابه يوم مؤتة:
نام العيون ودمع عينك تهطل‏(34)
سحّاً(35) كما وكفّ الضباب‏(36) المخضلُ‏(37)

في ليلة وردت عليّ همومها
طوراً أحنُّ وتارة أتململ

واعتادني حزن فبتّ كأنني
ببنات نعش والسماك موكل

وكأنّما بين الجوانح والحشا
ممّا تأوّبني‏(38) شهاب‏(39) مدخل

وجداً على النفر الذين تتابعوا
يوماً بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

صلى الإله عليهم من فتية
وسقا عظامهم الغمام المسبل‏(40)

صبروا بمؤتة للإله نفوسهم
حذر الردى وحفيظة(41) أن ينكلوا(42)

فمضوا أمَام المؤمنين كأنهم
فنق‏(43) عليهنَّ الحديد المرمل‏(44)

إذ يقتدون بجعفر ولوائه
قدّام أولهم، ونعم الأول

حتى تفرّجت الصفوف وجعفر
حيث التقى وعث الصفوف مجدّل

فتغير القمر المنير لفقده
والشمس قد كسفت وكادت تأفل‏(45)

قرم علا بنيانه من هاشم
فرعٌ أشمّ وسؤدد ما ينقل

قوم بهم عصم الإله عبَادة
وعليهم نزل الكتاب المنزل

فضلوا المعاشر عزة وتكرّما
وتغمّدت أحلامهم من يجهل

لا يطبقون إلى السفاه حباهم
ويرى خطيبهم بحق يفصل

بيض الوجوه ترى بطون أكفهم
تندى إذا اغبرّ الزمان الممحل‏(46)

وبهديهم رضي الإله لخلقه
وبجدّهم‏(47) نصر النبي المرسل‏(48)

شاهد أيضاً

قصيدة تلقى قبل أذان الصبح في حضرة الإمام الحسين عليه السلام في شهر رمضان المبارك

  أشرب الماءَ وعجّل قبل َأن يأتي الصباح  أشربَ الماءَ هنيئا أنهُ ماءٌ مباح أشربَ ...