الرئيسية / الاسلام والحياة / الاكتفاء بما روي في أصحاب الكساء

الاكتفاء بما روي في أصحاب الكساء

(مرض النبي(ص))
98 – عن عائشة قالت:
رجع رسول الله(ص) من البقيع – وفي رواية: من جنازة من البقيع – فدخل فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارأساه. قال: «بل أنا والله ياعائشة وارأساه». ثم قال: «ومايضرّك لو متِّ قبلي فقمتُ عليكِ فكفنتُكِ ثم صلَّيت عليكِ ودفنتُكِ؟» قالت: والله لَكأني بكَ لو فعلتَ ذلك قد رجعتَ إلى بيتي، فأعرستَ فيه ببعض نسائك. قالت: فتَبَسَّم رسول الله(ص). قال: وتتامّ به وجعه حتى استُعِزَّ به‏(96)، وهو في بيت ميمونة، فدعا نساءهُ فسألهنَّ أن يأذَنَّ لهُ أن يمرض في بيتي، فأذنَّ لهُ، فخرج رسول الله(ص) يمشي بين رجلين من أهله، أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر، تخطُّ قدماه، عاصباً رأسهُ حتى جاء بيتي.

 
قال عبيد الله: فحدثتُ هذا الحديث عبد الله بن عباس قال: تدري مَن الرجل الآخر؟ قال: قلتُ: لا. قال عليّ.
ثم غُمّي على رسول الله(ص) واشتدَّ به وجعهُ، ثم أفاق. قال: أهريقوا عليّ سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم.قالت: فأقعدناه في مِخضب لحفصة بنت عمر، فصببنا عليه الماء حتى طفق يقول بيده: حسبكم حسبكم. قال: ثم خرج عاصباً رأسه، فجلسَ على المنبر، فكان أوَّل ماتكلم بهِ أن صلَّى على أصحاب اُحُد، فأكثر الصلاة عليهم ثم قال: «إنَّ عبداً من عباد الله خيَّرهُ الله بين الدنيا وبين ماعند الله فاختار ماعنداللّه». قال: ففهمها أبو بكر فبكى، وعرف أن رسول الله(ص) نفسهُ يريد.قال: «على رسلك يأبابكر. انظروا هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدّوها إلَّا ماكان من بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحداً كان أفضل عندي في الصحبة منه»(97).

 
99 – وروى ابن إسحاق عن الزهري ويزيد بن رومان وأبي بكر بن عبد الله:
أنَّ الذي كان ابتدأ به رسول الله(ص) من وجعه الذي لزِمهُ أن دخل على عائشة وهو يجد صداعاً، فوجدها تُصَدَّع وتقول: وارأساهُ. فقال: «بل أنا والله ياعائشة وارأساه»(98).

 
100 – قال أنس بن مالك:
دخلتْ فاطمة بنت رسول الله(ص) على رسول الله(ص) وقد اُغمي عليه فقالت: «واكرباه لكربك ياأبتاه» قال: فرفع رأسهُ ونظر إليها فقال: «يابنية، لاكَرْبَ على أبيك بعد اليوم، لقد حضر من أبيك ماليس اللهُ بمؤخِّر عنه أحداً لموافاة يوم القيامة».
قال: ثم أُغمي عليه، فأتاه آتٍ فقال: السلام عليك، أأدْخل؟ فقال مَنْ حول رسول‏الله(ص): إن كنتَ من المهاجرين أو من الأنصار فارجع فإن رسول الله(ص) عنك مشغول، فرفعَ رأسه فقال: «من تطردون؟ تطردون داعي ربي عزَّ وجل؟! ادخل ياملك الموت».قال: وكان أُمَرألّا يدخل عليه إلَّا بإذن، فقال: «ماجاء بك؟» قال: جئت أقبض روحك. قال: «جئتَ تقبض روحي؟ ولم ألقَ حبيبي ياملك الموت؟

 

 

أنظِرني حتى ألقى حبيبي جبريل». قال: ذلك لك يامحمد. قال: وكان أمَرَهُ بذلك. فخرج ملك الموت، فلقيهُ جبريل فقال: أين ياملكَ الموت؟ قال: إنهُ سألني ألَّا أقبضَ روحهُ حتى يلقاك. قال: ياملك الموت، أما ترى أبواب السماوات قد فُتحت لجيئة محمد(ص)؟. أما ترى أبواب‏الجنان قدفتحت لجيئة محمد(ص)؟ أما ترى الملائكة قد نزلوا لجيئة محمد(ص)؟

 

 
قال: فأقبلا جميعاً حتى دخلا عليه، فسلَّما، فقال رسول الله(ص): «ياجبريل، مابدَّ من الموت؟» قال: يامحمد «وَمَاجَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلدَ أفَإن مِتَّ فَهُمُ الخالدون كُلُّ نفسٍ ذائقَةُ المَوْتِ»(99) قال: «ياجبريل، فمن لأمتي؟» قال: يامحمد «كلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإنَّما تُوَفَّونَ اُجُورَكُمْ يومَ القِيَامَة فَمَنْ زُحزِحَ عنِ النَّارِ واُدخِلَ الجنَّةَ فَقَدْ فَازَ ومَا الحياةُ الدُّنيا إلَّا مَتَاعُ الغُرُور»(100) قال: فقبضهُ ملك الموت، وإنَّ رأسَهُ لَفي حجر جبريل عليه السلام.

 
فلمَّا قبض قالت فاطمة: واأبتاه، إلى جبريل ننعاه، من ربُّه أدناه، أهل السماوات بالبشرى تلقاه، والرسل به تحظى في غرف الجنان مأواه. ثم إنها قعدت فقالت: «إنَّا لله وإنا إليهِ راجعون ثم إنَّا للّه وإنا إليه راجعون. انقطع الخبر من السماء، وما جبريل بنازل علينا أبداً أبداً»(101).

 
101 – وروى سعيد بن عبد الله عن أبيه قال:
لمَّا رأت الأنصار أنَّ رسول الله(ص) يزداد ثقلاً أطافوا بالمسجد، فدخل العباس إلى النبي(ص) فأعلمه بمكانهم وإشفاقهم، ثم دخل عليه الفضل فأعلمه بمثل ذلك ثم دخل عليه عليّ فأخبره بمثل ذلك فمدَّ يده وقال: ها – فتناولوه، فقال: «مايقولون؟» – قال: يقولون: نخشى أن يموت. وتصايح نساؤهم لاجتماع رجالهم إلى النبي(ص)، فثار النبي(ص) فخرج متوكئاً على عليّ والفضل، والعباس أمامه،

 

 

والنبي(ص) معصوب الرأس يخط برجليه، حتى جلس على أسفل مرقاة من المنبر وثاب الناس إليه. فحمدَ الله وأثنى عليه. وقال:
أيُّها الناس، بلغني أنكم تخافون عليّ الموت، كأنه استنكار منكم للموت، وماتنكرون من موت نبيكم، ألم أُنعَ إليكم؟ وينعى لكم أنفسكم؟ هل خُلِّد نبيّ قبلي فيمن بُعثَ إليه، فأخلدَ فيكم؟ ألا إني لاحقٌ بربي وإنكم لاحقون به. وإني أُوصيكم بالمهاجرين الأولين خيراً وأُوصي المهاجرين فيما بينهم فإنَّ الله تعالى يقول: «والعصر إنَّ الإنسان لفي خسر» – إلى آخرها(102) – وإنَّ الأُمور تجري بأمر الله. فلايحملنكم استبطاء أمرٍ على استعجاله، فإنَّ الله لا يعجل لعجلة أحد. ومن غالب الله غلبه، ومن خادع الله خدعهُ «فَهَلْ عَسَيْتُم إنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فى الأرضِ وَتُقَطِّعُوا أرْحَامَكُمْ»(103)

 

 

 

اُوصيكم بالأنصار خيراً؛ فإنهم الذين تبوَّؤوا الدار والإيمان؟ من قبلهم أن يحسنوا إليكم، ألم يشاطروكم الثمار؟ ألم يوسّعوا عليكم في الديار؟ ألم يؤثروكم على أنفسهم وبهم الخصاصة؟ ألا، فمن وُلي أن يحكم بين رجلين فليَقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم. ألا، ولا تستأثروا عليهم. ألا، وإني فُرُط لكم وأنتم لاحقون بي. ألا وإنّ موعدكم الحوض. حوضٌ أعرض مما بين بصرى الشام وصنعاء اليمن يصُبّ فيه ميزاب الكعبة ماء أشدَّ بياضاً من اللبن وألين من الزبد، وأحلى من الشهد، من شربَ منهُ لم يظمأ أبداً، حصباؤه اللؤلؤ، وبطحاؤه في مسك، من حُرمه في الموقف غداً حُرِمَ الخير كُلَّهُ. ألا، فمن أحبَّ أن يَرِدَهُ عليّ غداً فليكفُف يدهُ ولسانه إلَّا مما ينبغي».
فقال العباس: يانبي الله أَوصِ بقريش، فقال: «إني إنما أُوصي بهذا الأمر قريشاً، الناس تبع لقريش بَرّهم لبَرَّهم، وفاجرهم لفاجرهم، فاستوصوا آل قريش بالناس خيراً. ياأيُّها الناس، إن الذنوب تغيِّر النِعَم، وتبدِّلُ القسم، فإذا برّ الناس برَّهم أئمتهم، وإذا فَجَر الناس عقّوهم. قال الله تعالى: «وَكَذَلِكَ نُولِىَ بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضَاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(104).

 
102 – وفي حديث آخر عن أنس بن مالك، قال:
لمَّا كان يوم الإثنين كشف رسول الله(ص) ستر الحجرة، فرأى أبا بكر وهو يُصَلِّي بالناس. قال: فنظرتُ إلى وجهه كأنه ورقة مصحف، وهو يتبسم، فكدنا أن نفتتن في صلاتنا فرحاً برؤية رسول الله(ص). قال فأراد أبو بكر أن ينكُص. قال: فأشار إليه أن كما أنت، ثم أرخى‏ الستر فقُبضَ من يومه، فقام عمر فقال: إنَّ رسول الله(ص) لم يمت، ولكن ربه أرسل إليه كما أرسل إلى موسى، فمكث عن قومه أربعين ليلة. والله إني لأرجو أن يعيش رسول‏الله(ص) حتى يقطع أيديَ رجال من المنافقين وألسنتهم يزعمون – أو قال: يقولون – إنَّ رسول الله(ص) قد ماتَ‏(105).

 
103 – وعن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده، قال:
قال رسول الله(ص) في مرضه: «ادعوا إليَّ أخي» قال: فدعي له عليّ. فقال: «ادن منّي فدنوتُ منه، فاستند إليّ فلم يزل مستنداً إليّ، وإنه ليكلمني حتى إن بعض ريق النبي(ص) ليصيبني، ثم نزل رسول الله(ص) وثقل في حجري، فصحتُ: ياعباس، أدركني فإني هالك.فجاء العباس، فكان جهدهما جميعاً أن أضجعاه‏(106).

 
104 – وعن عائشة:
أنها سمعت النبي(ص) وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مستند إلى صدرها يقول: «اللهم اغفر لي، وارحمني، وألحقني بالرفيق»(107).
105 – وعن عائشة:
أنَّ أبا بكر أقبل على فرس ومسكنه بالسُّنح‏(108) حتى نزل، فدخل وأكب عليه، فقبله وبكى. قال: بأبي أنت. والله لا يجمع الله عليك موتتين أبداً، أمَّا الموتة التي كتبت عليك فقد متّها(109).

 
106 – وعن ابن عباس:
أنَّ أبا بكر خرج وعمر يكلِّم الناس فقال: اجلس، وأبى عمر أن يجلس. فقال: اجلس، فأبى أن يجلس، فتشهد أبو بكر، فمال الناس إليه وتركوا عمر، فقال: أيُّها الناس، من كان منكم يعبد محمداً فإنَّ محمداً قد مات. ومن كان منكم يعبد الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموت. قال‏الله تعالى: «وَمَا مُحَمّدٌ إلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبلِهِ الرُّسلُ أفإنْ مَاتَ أو قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أعْقَابِكُمْ وَمَنْ ينقلِبْ عَلَى عَقَبَيهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وسَيَجْزي اللهُ الشاكرين»(110).

 
قال: والله لكأنَّ الناس لم يكونوا يعلمون أنَّ الله أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها الناس كلّهم، فما سُمع بشرٌ إلَّا يتلوها. قال عمر: والله ماهو إلا أن سمعتَ أبا بكر تلاها عَقِرتُ‏(111)، حتى ماتلتقي رجلاي، فأهويت إلى الأرض، وعرفتُ حين سمعته تلاها: أنَّ رسول الله(ص) قد مات‏(112).

 
107 – وفي حديث عكرمة:
توفي رسول الله(ص) يوم الإثنين فحبس بقية يومه وليلته والغد، حتى دفن ليلة الثلاثاء. وقالوا: إنَّ رسول الله(ص) لم يمت، ولكنه عرج بروحه كما عرج بروح موسى. والله لا يموت رسول الله حتى يقطع أيدي أقوام وألسنتهم، فلم يزل عمر يتكلّم حتى أزبد شدقاه مما توعَّد ويقول.
فقام العباس فقال: إنَّ رسول الله(ص) قد مات، وإنه لَبشر، وإنه يأسَن كما يأسن البشر. أي قوم، فادفنوا صاحبكم، فإنه أكرم على الله أن يميته إماتَتَيْنِ‏(113).

شاهد أيضاً

مع اية الله العظمى الامام الخامنئي والاحكام الشرعية من وجهة نظره

رؤية الهلال س833: كما تعلمون فإن وضع الهلال في آخر الشهر (أو أوّله) لا يخلو ...