الملحق الثّاني: الأديان الإلهيّة
الملحق الثّاني: الأديان الإلهيّة – النداء الهام لسماحة الإمام الخامنئي دام ظله في القمة الألفيّة لزعماء وممثلي الأديان في العالم في تاريخ 30/08/2000م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى اللّه على جميع أنبياء اللّه ورسله، لا سيّما خاتم النبيّين محمد وآله الطاهرين، والسّلام على بقيّة الله في الأرضين.
إنّ انعقاد مؤتمر ممثلي الأديان في العالم هو عمل مطلوب ومبارك، وأسأل اللّه لكم توفيق العمل بالأقوال ومواصلة الجهد لإفادة البشرية من الدين الإلهي.
إنّ قادة الأديان يعتبرون أنفسهم اليوم خلفاء الأنبياء ومقتفي آثارهم ومواصلي نهجهم وطريقهم. فما كان هدف الأديان؟ وأيّ رسالة جاء بها الأنبياء من الله سبحانه وتعالى وبيّنوها لمخاطبيهم؟ الجواب عن هذا السؤال يجب أن يُنير الطريق ويوضح المنهج لكلّ الذين يرفعون لواء الدين اليوم.
لا شكّ في أنّ الأديان كافة تهدف إلى فلاح الإنسان ورشده ونجاته، وكلٌّ بحسب ظروف الزمان والمكان، وقابلية المخاطَبين قد استنزل للناس من عند الله برنامجاً وشريعة. لقد خاضوا ( الأنبياء) عموماً على طريق إبلاغ رسالاتهم وتحقّقها جهادًا شاقًّا وطويلاً، وقدّموا نماذج استثنائيّة للتضحية والفداء في سبيل العقيدة والدين بقيت خالدة في الذاكرة.
كان هذا الجهاد والسعي المخلص لأجل سعادة الإنسان وفي سبيل اللّه، وبشكل عام
449
387
الملحق الثّاني: الأديان الإلهيّة
في قِبَال الرغبات والمصالح، أو مقابل الجهالات الّتي كان يبثّها أصحاب المصالح في ذلك النطاق، وقد حفل تاريخ العالم والكتب المقدّسة للأديان بذكر هذه المجاهدات وتعظيم هؤلاء المجاهدين.
إنّ الدين الإلهيّ لا يطلب السعادة لعدد خاص من الناس في زمان معيّن وفي منطقة محدّدة، ولا يكره الناس على قبوله، ولا يختصّ ببعض جوانب وميادين حياتهم. إنّ جميع الناس على
اختلاف أماكنهم وأزمانهم، وسواء في حياتهم الفرديّة أو الاجتماعيّة هم مخاطبون من قِبَل أنبياء اللّه، هؤلاء قدّموا للناس الهداية الإلهيّة عبر استثارة الإيمان فيهم، وتنمية عقولهم وشحذ هممهم، وشقّوا لهم الصراط المستقيم ليسيروا نحو الفلاح والصلاح.
وليس صواباً حصر ما جاء به الرسل لأجل سعادة الإنسان في إطار الممارسات الفرديّة وعلاقة الفرد الروحيّة مع اللّه، وتجريد الميدان العظيم لعلاقة الإنسان بالإنسان، والفرد بالمجتمع،
والإنسان بالبيئة، وبناء النظام الاجتماعيّ والسياسيّ، عن برنامج الرسل الإلهيّين.
إنّنا نعتقد بأنّ جميع أنبياء الله قد ساروا على هذا النهج الواضح، ونحن نؤمن بهم ونُحبّهم كافّة: ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾1.
إنّ الأديان الإلهيّة تعتبر الدنيا دار تربية الإنسان ومحلّ امتحانه، وترى أنّ طريق التكامل المعنويّ للبشر يكمن حصراً في بناء عالم سليم وخالٍ من آثار أطماع وأنانيات وضيق أفق طلّاب السلطة، ومنزّه عن ضعف وجهالة وانفعال قصيري النّظر، وقد جاهدت من أجل إيجاد مثل هذا العالم. إنّ إهمال وتجاهل الطبيعة والقوى والقوانين الّتي أودعت فيها لأجل سمو الإنسان هو أمر مرفوض ومدان، شأنه شأن التصرّف فيها بالظلم والفساد.
إنّ سلامة البيئة التربويّة للإنسان تعني أن يتعامل الإنسان مع ربّه ومع نفسه ومع البشر والطبيعة من حوله بسلام وأمانة. السلام بهذا المعنى العام يُعدّ من أكبر احتياجات البشر للتقدّم والسموّ والسعادة.
إنّ هذا السّلام ينبغي أن يكون وليد الإيمان والفكر. وقد حرص الأنبياء على جعل هذه الحقيقة أمراً واقعاً. إنّ أجواء الصمت والسكوت الناجمة عن إرهاب القوّة ومنطق الرعب والخداع لحكّام المال والقوّة في بعض بقاع العالم تُناقض تمامًا السّلام الّذي ينادي به
1- سورة البقرة، الآية 285.
450
388
الملحق الثّاني: الأديان الإلهيّة
مبشّرو السعادة والفلاح للإنسان. ينبغي أن يقوم السلام على أساس العدل واحترام كرامة الإنسان وبعيدًا عن أطماع السلطويّين في العالم.
إنّ فرض الصمت والخنوع على شعب نهض للدفاع عن حقوقه المسلوبة ليس هو السلام الّذي نادى به حملة رسالة السلام السماوية.
لقد حاولت القوى الطامعة التي لا تُفكّر إلّا في إشباع رغباتها، على مدى التاريخ، استغلال الدين وعلماء الدين لتحقيق أهدافها السلطويّة. ولم يوافق أيّ دين إلهي على هذه الخدعة الكبرى. إنّ الكثير من الحروب الّتي أُجّجت باسم الدين كانت مشوبة بمثل هذه النيّات السيّئة.
إنّ الدين لا يكون في خدمة السياسات السلطويّة، وإنّما يعتبر شؤون السياسة وإدارة شؤون المجتمعات البشرية ضمن صلاحياته وواجباته، وإنّ نظاماً سياسياً كهذا يعتمد على حبّ الناس
وإيمانهم يُحارب تلك السياسات.
إنّ الكثير من أرباب السلطة والسياسيّين الساعين للهيمنة يُحذّرون من تدخُّل الدين بالشؤون السياسيّة، ويضعون خطوطًا حمراء ممنوعة العبور بين الدين والسياسة، وإن كانت هذه الحدود لا تمنعهم أبداً من التدخّل في نطاق الدين واستغلاله كوسيلة لأغراضهم.
إنّ العالم يشهد اليوم تجربة ناجحة لإقامة نظام سياسيّ على أساس التعاليم الدينيّة في إيران الإسلاميّة. وإنّ أكبر تحدٍّ تواجهه الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم هو إفشال مخطّطات كبار سلطويّي العالم والمشاكل التي يفرضونها عليها. فهؤلاء لا يرغبون في أن تقف أيّ عقبة أمام قهرهم وظلمهم وأطماعهم في هذه البقعة من العالم أيضًا.
أيّها الأصدقاء والضيوف! إذا قَبِل قادة الأديان الإلهيّة أنْ يقوموا مقام الأنبياء، فإنّ الطريق المشرق لدعاة فلاح الإنسان وسعادته واضح أمامهم. هذا الطريق يتطلّب الجهد الحثيث، وهو
حافل بكثير من العوائق، غير أنّه رغم ذلك طريق يُحقّق البهجة والرضى لسالكه، ويعقب في النهاية بالتالي الرضى الإلهي، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ﴾1.
والحمد لله ربّ العالمين
السيّد علي الخامنئي
1- سورة الحج، الآية 40.