المقطع الثاني من الليلة الأولى / بعنوان: الجمع والتفريق في الصلاة
مسالة الجمع أو التفريق بين الصلاتين
ولما استقرّ بنا المجلس بعد الصلاة،
خاطبني أحد الحاضرين، ويدعى النواب عبد القيوم خان،
وكان يعد من أعيان العامة وأشرافهم، وهو رجل مثقف يحب العلم والمعرفة، فقال لي : في هذه الفرصة المناسبة التي يتناول العلماء فيها الشاي أستأذنكم لأطرح سؤالا خارجا عن الموضوع الذي كنا فيه، ولكنه كثيرا ما يتردد على فكري ويختلج في صدري .
قلت : تفضل واسأل، فإني مستعد للاستماع إليك .
النواب L كنت أحب كثيرا أن ألتقي بأحد علماء الشيعة حتى أسأله : أنه لماذا تسير الشيعة على خلاف السنة النبوية حتى يجمعون بين صلاتي الظهر والعصر وكذلك المغرب والعشاء ؟!)
سلطان الواعظين
أولا : السادة العلماء ـ وأشرت إلى الحاضرين في المجلس ـ يعلمون أن آراء العلماء تختلف في كثير من المسائل الفرعية، كما أن أئمتكم ـ الأئمة الأربعة ـ يختلفون في آرائهم الفقهية فيما بينهم كثيرا، فلم يكن إذن الاختلاف بيننا وبينكم في مثل هذه المسألة الفرعية شيئا مستغربا .
ثانيا : إن قولك : الشيعة على خلاف السنة النبوية، ادّعاء وقول لا دليل عليه، وذلك لأن النبي (ص) كان يجمع حينا ويفرق أخرى .
النواب
ـ وهو يتوجه إلى علماء المجلس ويسألهم ـ : أهكذا كان يصنع رسول الله (ص) يفرق حينا ويجمع أخرى ؟
الحافظ :
يلتفت إلى النواب ويقول في جوابه : كان النبي (ص) يجمع بين الصلاتين في موردين فقط : مورد السفر، ومورد العذر من مطر وما أشبه ذلك، لكي لا يشق على أمته .
وأما إذا كان في الحضر، ولم يك هناك عذر للجمع، فكان يفرّق، وأظن أن السيد قد التبس عليه حكم السفر والحضر !!
سلطان الواعظين
كلا، ما التبس عليّ ذلك، بل أنا على يقين من الأمر، وحتى أنه جاء في الروايات الصحيحة عندكم : بأن رسول الله (ص) كان يجمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر .
الحافظ :
ربما وجدتم ذلك في رواياتكم وتوهمتم أنها من رواياتنا !!
سلطان الواعظين
لا، ليس كذلك، فإن رواة الشيعة قد أجمعوا على جواز الجمع بين الصلاتين، لأن الروايات في كتبنا صريحة في ذلك، وإنما الكلام والنقاش يدور فيما بين رواتكم حول الجمع وعدمه، فقد نقلت صحاحكم وذكرت مسانيدكم، أحاديث كثيرة وأخبارا صريحة في هذا الباب .
الحافظ :
هل يمكنكم ذكر هذه الروايات والأحاديث وذكر مصادرها لنا ؟
سلطان الواعظين
نعم، هذا مسلم بن الحجاج، روى في صحيحه في باب (الجمع بين الصلاتين في الحضر) بسنده عن ابن عباس، أنه قال : صلّى رسول الله (ص) الظهر والعصر جمعا، والمغرب والعشاء جمعا، في غير خوف ولا سفر .
وروى أيضا، بسنده عن ابن عباس، أنه قال : صلّيت مع النبي (ص) ثمانيا جمعا، وسبعا جمعا(27) .
وروى هذا الخبر بعينه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج2 ص221 وأضاف إليه حديثا آخر عن ابن عباس أيضا، أنه قال : صلى رسول الله (ص) في المدينة مقيما غير مسافر، سبعا وثمانيا .
وروى مسلم في صحيحه أخبارا عديدة في هذا المجال، إلى أن روى في الحديث رقم 57، بسنده عن عبدالله بن شقيق، قال : خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، فجعل الناس يقولون : الصلاة .. الصلاة ! فلم يعتن ابن عباس بهم، فصاح في هذه الأثناء رجل من بني تميم، لا يفتر ولا ينثني : الصلاة .. الصلاة !
فقال ابن عباس : أتعلمني بالسنة ؟ لا أم لك !
ثم قال : رأيت رسول الله (ص) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
قال عبدالله بن شقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة فسألته، فصدّق مقالته .
وروى مسلم في صحيحه الحديث رقم 58 ذلك أيضا بطريق آخر عن عبدالله بن شقيق العقيلي، قال : قال رجل لابن عباس ـ لما طالت خطبته : الصلاة ! فسكت، ثم قال : الصلاة ! فسكت . ثم قال : الصلاة ! فسكت، ثم قال : لا أم لك ! أتعلمنا بالصلاة، وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله (ص) ؟!
وروى الزرقاني وهو من كبار علمائكم، في كتابه (شرح موطأ مالك ج1 ص 263، باب الجمع بين الصلاتين) عن النسائي، عن طريق عمرو بن هرم، عن ابن الشعثاء، أنه قال : إن ابن عباس كان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وصلاتي المغرب والعشاء في البصرة، وكان يقول هكذا صلى رسول الله (ص).
وروى مسلم في صحيحه، ومالك في (الموطأ) وأحمد بن حنبل في (المسند) والترمذي في صحيحه في (باب الجمع بين الصلاتين) باسنادهم عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال : جمع رسول الله (ص) بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء بالمدينة، من خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس : ما أراد بذلك ؟
قال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
هذه بعض رواياتكم في هذا الموضوع، وهي أكثر من ذلك بكثير، ولكن ربما يقال : إن أوضح دليل على جواز الجمع بين الصلاتين، من غير عذر ولا سفر، هو أن علمائكم فتحوا بابا في صحاحهم ومسانيدهم بعنوان : (الجمع بين الصلاتين) وذكروا فيه الروايات التي ترخص الجمع مطلقا، في السفر والحضر، مع العذر وبلا عذر .
ولو كان غير ذلك، لفتحوا بابا مخصوصا للجمع في الحضر وبابا مخصوصا للجمع في السفر، وبما أنهم لم يفعلوا ذلك، وإنما سردوا الروايات في باب واحد، كان دليلا على جواز الجمع مطلقا !