أولا : نحن لا نقصد من سفرنا هذا إلا زيارة أخينا الإمام الرضا (ع) في طوس .
وثانيا : نحن لم نخرج من المدينة المنورة، ولم نقطع هذه المسافة البعيدة إلا بإذن من الخليفة وبموافقة منه، ولهذا فلا مبرر لصدنا عن المسير .
ذهب الرسول وبلغ مقالته إلى (قتلغ) ثم رجع وهو يقول : إن القائد (قتلغ) أجاب قائلا : بأن الخليفة أصدر إلينا أوامر جديدة تحتم علينا وبكل قوة أن نمنعكم من السفر إلى طوس، ولعلها أوامر أخرى اقتضتها الظروف الراهنة، فلا بد لك أن ترجعوا من هنا إلى الحجاز .
وهنا أخذ الأمير السيد أحمد يشاور اخوته وغيرهم من ذوي الرأي والحجى من رجال القافلة في الأمر، فلم يوافق أحد منهم على الرجوع، وأجمعوا على مواصلة السفر إلى خراسان مهما كلفهم الأمر، فجعلوا النساء في مؤخرة القافلة، والأقوياء من الرجال المجاهدين في المقدمة، وأخذوا يواصلون سفرهم .
وتحرك (قتلغ خان) بجيشه وقطع عليهم الطريق، وكلما نصحهم السادة أبناء رسول الله (ص) بتخلية الطريق لم ينفعهم نصحهم، وانجر الموقف إلى المناوشة والمقاتلة، ومنها شبت نيران الحرب والقتال بين الطرفين، فحمى الوطيس وانهزم جيش المأمون على أثر مقاومة بني هاشم وشجاعتهم .
فتوسل (قتلغ خان) بالمكر والخديعة وأمر جماعة من رجاله أن يصعدوا على التلال وينادوا بأعلى أصواتهم : يا أبناء علي وشيعته ! إن كنتم تظنون أن الرضا سوف يشفع لكم عند الخليفة، فقد وصلنا خبر وفاته، وجلوس الخليفة في عزاءه، فلماذا تقاتلون ؟! فإن الرضا قد مات !!
أثرت هذه الخديعة أثرا كبيرا في انهيار معنويات المقاتلين والمجاهدين، فتفرقوا في ظلام الليل وتركوا ساحة القتال، وبقي أبناء الرسول (ص) وحدهم، فأمر الأمير السيد أحمد اخوته ومن بقي معه أن يرتدوا ملابس أهل القرى ويتزيّوا بزيهم، ويتفرقوا في سواد الليل، ويتنكبوا عن الطريق العام حتى يسلموا على أنفسهم ولا يقعوا في يد (قتلغ خان) ورجاله، فتفرقوا من هنا وهناك، في الجبال والقفار مشردين مطاردين .
وأما الأمير السيد أحمد، وكذا السيد محمد العابد، والسيد علاء الدين، فقد دخلوا شيراز مختفين، وانفرد كل منهم في مكان منعزل وانشغل في عبادة ربه .
نعم يقال : أن المراقد المنسوبة إلى أل النبي (ص) في إيران وخاصة النائية منها في القرى وبين الجبال، أكثرها لأصحاب تلك الوقعة الأليمة .
ترجمة الأمير السيد أحمد:
الأمير السيد أحمد هو أخ الإمام الرضا (ع)، وأفضل أولاد أبيه بعد أخيه الإمام علي بن موسى الرضا (ع)، وأورعهم وأتقاهم .
وهو الذي اشترى في حياته ألف عبد مملوك وأعتقهم لوجه الله، ويلقب باللقب المعروف (شاه جراغ) وبعد أن نجاه الله من تلك المعركة، توجه مختفيا مع أخويه إلى شيراز، وأقاموا فيها متنكرين متفرقين .
ونزل السيد أحمد في شيراز عند أحد الشيعة في محلة (سردزك) وهو المكان الذي فيه مرقده الآن، واختفى في بيت ذلك الموالي واشتغل بالعبادة .
وأما (قتلغ خان) فقد جعل العيون والجواسيس في كل مكان لاستقصاء أخبار السادة المشردين والعثور عليهم، وبعد سنة تقريبا عرف مكان السيد أحمد فحاصره مع رجاله، وأبى السيد أن ينقاد ويستسلم لعدوه، فقاتلهم ذابا عن نفسه، وأبدى شجاعة وشهامة هاشمية، أعجبت الناس كلهم، وكان كلما ضعف عن الحرب يلتجئ إلى منزله فيستريح فيه لحظات ثم يخرج ويدافع عن نفسه .
فلما رأى (قتلغ) أنهم لا يستطيعون القضاء عليه عبر المواجهة المسلحة، احتالوا عليه بالدخول إلى بيت جيرانه والتسلل إليه عبر ثغرة أحدثوها من بيت الجيران، فلما دخل السيد بيته ليستريح فيها قليلا، خرجوا وغدروا به، فضربوه بالسيف على رأسه، فخر صريعا، ثم أمر(قتلغ خان)، فهدموا البيت على ذلك الجسد الشريف وبقي تحت التراب والأنقاض .
ولما كان أغلب الناس في ذلك الزمان من المخالفين، ولم يكونوا شيعة لآل محمد (ص) إلا القليل منهم، وذلك على أثر الأكاذيب التي كانت تنشر بواسطة الدولة ورجالها ضدهم، لم يرعوا حرمة ذلك المكان، ولا حرمة الجسد الشريف، ولم يرقبوا فيه رسول الله (ص) بل تركوه مدفونا تحت الأنقاض وأكوام التراب.