يقول الله تعالى:﴿يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ﴾11.
هناك كارثة عدم الشعور بتلك المسؤولية الّتي ذكرناها في النقطة السابقة، وبالتالي عدم معرفة ما يجب أن نفعله تجاه أولادنا، نعم نحن نُهيّئ لهم الخبز والجبن واللحم، ولكن ليس بالخبز فقط يحيا الإنسان.
فلنلقِ نظرة على ما ينبغي تقديمه للأولاد جرياً على مقتضى ما قدّمناه من رسالية
9- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 15، ص 176.
10- م.ن، ج 5، ص 176.
11- سورة النساء، الآية: 11.
في بناء وتشكيل الأسرة، ولنستفد من حقّ الولد الوارد في رسالة الحقوق لإمامنا زين العابدين عليه السلام، يقول عليه السلام:
“وأمّا حقّ ولدك فتعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب والدلالة على ربّه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه ولا قوّة إلا بالله”12.
أوّلاً: يذكِّرك الإمام عليه السلام بأنّ الولد بما هو ولد وبما فيه من خير أو حتّى شرّ هو منسوب ومضاف إليك. يقول الإمام علي في وصيّته للإمام الحسن عليهما السلام : “وجدتك بعضي بل وجدتك كلّي حتّى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني”13.
فليس لك أن تتبرّأ منه كما قد يتفق وتتبرأ من صاحب أو صديق، بل لا بُدّ أن يبقى الأمل دائماً بإصلاحه والشعور بالمسؤولية تجاهه لردِّه إلى الرشد والصلاح – طالما أنّه لم يتحوّل إلى عدوٍّ لله وللدِّين وإلا فإنّ خطاب “إنّه ليس من اهلك” ـ الّذي نزل بشأن ابن النبيّ نوح عليه السلام ـ سوف يشمله وينطبق عليه، يقول الإمام علي عليه السلام:
“الولد غير الصالح كالإصبع الزائد إن قطعته آلمك وإن تركته شانك”.
وإنّما قال عليه السلام في رسالة الحقوق: “في عاجل الدنيا” لأنّه في الآخرة تنقطع الإضافات والأنساب: ﴿فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ﴾14.
ثانياً:إنّك مسؤول عن عدّة أمور ترجع إلى السعادة الدنيوية والأخروية وهي كالتالي:
- إنّك مسؤول عمّا ولّيته من الأدب، فإنّه كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: “لا
12- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 15، ص 176.
13- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 74، ص 200.
14- سورة المؤمنون، الآية: 101.
ميراث كالأدب”. والأدب هو الأمور الّتي تجعل الإنسان متميّزاً عن السوقة والجهلة والسفهاء والحمقى، بأن يأتي الإنسان في كلّ موقف بما يُناسبه ممّا يستحسنه العقلاء ويُقرّه الشرع والحكماء، فللكلام أدبه، وللجلوس، وللطعام، وللمشي، وللضحك، وللصوت… لكلّ فعل، أو موقف، أو حديث، أدبه الخاصّ به، فأنت مسؤول عن توليته هذه الآداب، فاسأل نفسك هل تعتبر ذلك تحت نطاق مسؤوليتك، أم أنّك لو تعطّفت بالالتفات إلى العائلة والأولاد يقتصر انعطافك على تأمين الطعام والكسوة وأمثال ذلك من الأمور البدنية؟!
وأمّا الأمور المعنويّة الّتي منها تلقين الآداب لأولادك فهذا ليس من الأولويات عندك؟
ب- أنت مسؤول عن دلالة أولادك على ربِّهم تعالى، فهل تُلقّنهم دروس التوحيد والعقيدة يا تُرى بحسب ما تقتضيه أعمارهم منذ الصغر، تغرس في نفوسهم الإيمان بالله تعالى حتّى ينشؤوا ويترعرعوا وقد تغلغل الإيمان في أعماقهم وجرى في دمائهم؟
أنت مكلّف أن تُهيّئ لأولادك الثقافة والعلم والأجواء الفكرية والاجتماعية من صداقات ولقاءات وغيرها لكي يصلوا إلى العقيدة الصلبة في معرفة الله تعالى، وأيضاً ما يقوّيها ويُساعد على تثبيتها، ولا يجوز تركهم بلا دلالة، فأنت الدالّ ويجب عليك تهيئة الدليل وتقريبه إليهم لكي يصلوا إلى الدلالة الواضحة على الله تعالى. نعم الوالدان مكلّفان بذلك ولا يجوز لهما إهمال هذا الجانب. وللأسف قد يكون الأمر بالعكس بأن يُترك الأولاد وشأنهم يُخالطون الفاسدين المفسدين الّذين يؤثِّرون سلباً على عقيدتهم.
ج- المعونة لابنك على طاعة الله تعالى معرفته لله تعالى، فأنت تأخذ بيده إلى معرفة الله تعالى، ومعلوم أنّ المعرفة تستدعي الطاعة، فعليك بمساعدته أيضاً على أن يكون تقياً مطيعاً لله تعالى.