03 إذا عدنا إلى الروايات الشريفة نجد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا تزوّج العبد فقد استكمل نصف الدين فليتّق الله في النصف الباقي”5.
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم تظهر فائدة أكبر للشباب: “ما من شاب تزوّج في حداثة سنّه إلا عجّ شيطانه: يا ويله يا ويله عصم منّي ثلثي دينه، فليتّقِ الله العبدُ في الثلث الباقي”6.
ويمكن أن يُدّعى أنّ: هذا نوع من التشجيع على الزواج، ولكنّه ليس كذلك، بل هو وصف للواقع. إنّ مقوّمات الزواج الذاتية قبل أن ندخل إلى تفاصيلها، تحقّق نصف الدين، لأنّها تشكّل حماية حقيقية من مجموعةٍ من العقد والمشاكل والعقبات بمجرّد حصول الزواج بين الرجل والمرأة، فالزواج في الحقيقة يحقّق مجموعة من الأهداف الهامّة للزوجين وللمجتمع.
فما هي الأهداف الّتي يريد الشارع المقدّس تحقيقها من خلال الزواج، وبناء الأسرة؟ وكيف صار نصف الدين أو ثلثيه؟ هناك عدد من الآيات القرآنية الكريمة تشير إلى هذه الأهداف:
الآية الأولى:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾7.
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 100، ص 217.
5- الراوندي، النوادر، ص113.
6- بحار الأنوار، ج100، ص221.
7- سورة الروم، الآية:21.
يذكر تعالى سبب ومبرّر الزواج في عبارة ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾. وهذه العبارة تعني الاستقرار والاطمئنان والراحة، فالزواج يؤدّي إلى الاستقرار، وهذا الاستقرار شامل ومتنوّع:
1- على المستوى النفسيّ: حيث يصبح الإنسان مرتاحاً يعيش حالة حبّ وانسجام في كلّ العناوين الّتي لها علاقة بالعامل النفسيّ، بشكل ينعكس على حياته كلّها، وفي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “زوّجوا أياماكم8 فإنّ الله يحسن لهم في أخلاقهم ويوسّع لهم في أرزاقهم ويزيدهم في مروّتهم”9.
2- على المستوى الجسديّ: هناك متطلّبات للجسد عند الرجل وعند المرأة لا يمكن معالجتها إلّا بالزواج، الّذي يؤدّي إلى استقرار الجسد ويلبّي متطلّباته.
3- على المستوى الاجتماعيّ: هو سكن اجتماعيّ، لأنّ الإطلالة من خلال علاقات الزواج مع الآخرين تمكّن من أن يبني الإنسان أسرة ويتفاعل مع الآخرين.
4- على المستوى الماديّ: فهو أيضاً سكن ماديّ فيه تنظيم الأداء اليوميّ لحياة الأسرة.
5- على المستوى الإداريّ: هو سكن إداريّ فيه تنسيق للأدوار بين الزوجين.
فكلّ أنواع الاستقرار موجودة في الزواج، سكن نفسيّ وجسديّ واجتماعيّ وماديّ وإداريّ، لأنّ الزواج لم يشرَّع ليعالج زاوية واحدة فقط.
8- الأيم، الأيامى: الّذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء.
9- الراوندي، النوادر، ص 178.
وقد وقع الكثيرون في الخطأ عندما نظروا الى الزواج كمعالج لزاوية واحدة. فعندما ينظر الإنسان إلى الزواج بجزء منه دون الأجزاء الأخرى يعطِّل السكن، لأنّ السكن أشبه بأعمدة لا يمكن أن يستقرّ البناء دون أحدها أو بعضها.
لذلك عندما يقع خللٌ ما في الحياة الزوجية فقد يكون من البداية بسبب طريقة التفكير، فإذا سُئلَ الرجل لماذا تزوّجت؟ يقول لأنّني أريد مَن يخدمني، يعني أنّه أخذ جانباً من هذا الزواج. وإذا سُئلت المرأة لماذا تزوّجت؟ تقول: أنا تزوّجت لأنّي لم أعد أحتمل البقاء عند أهلي. إذاً كلّ واحد منهما أخذ جانباً ولم يلتفت للجوانب الأخرى. لذلك يمكن أن تتعرّض مؤسّسة الزواج بينهما إلى مشاكل، ويقول كلّ واحد منهما أنا لا أشعر بسكن في الزواج، نعم لأنّهما لم يُكملا مقوّمات السكن، فمقوّمات السكن مشتركة ومتعدّدة وبالتالي لا بدّ من العمل معاً لهذا التعدّد من أجل تحقيق السكن فيما بينهما.
الآية الثانية:
﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾10.
هذه الآية الكريمة تشبّه الزوجين بأنّ أحدهما هو كلباس للآخر، وهناك فوائد ثلاث يمكن استفادتها:
1- كلاهما حصن للآخر، فاللباس يحصّن من يلبسه، فيقيه من البرد في الشتاء، ويردّ عنه حرارة الشمس في الصيف. وكلٌّ من الزوجين يقوم بمثل هذا الدور بالنسبة للآخر، فالزوجة حصن للزوج وهو حصن لها، وهذا ما تؤكّده الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من أحبّ أن يلقى الله طاهراً مطهّراً فليلقه بزوجة”11.
10- سورة البقرة، الآية:187.
11- وسائل الشيعة، ج20، ص 18.
فبالزواج يقي الإنسان نفسه من الانزلاق وراء شهواته وغرائزه لأنّ الزواج يلبّي حاجته الطبيعية الّتي غرسها الله تعالى فيه.
2- كلاهما ستر للآخر، فاللباس يستر البدن ويواري سوأته، والزوجة تسدّ الثغرات الموجودة عند الزوج على مستوى الغرائز المعنوية والنواقص المادية، وهو كذلك.
والغرائز هي سجايا مغروزة في الإنسان، لهذا سميت غرائز لأنّها مغروزة فيه منذ فطرته، كغريزة النوع (الإنسان يميل إلى نوعه) ومن مظاهرها العلاقة الجنسية، والحبّ بين الأمّ وولدها، وبين الأخ وأخيه، يعني الميل إلى النوع الإنساني حيث نلاحظ في المظاهر اليومية الانعكاس الطبيعيّ للعلاقة مع الأخ، ومع الزوج، ومع الجار، والصاحب، والزوجة، وهكذا. ونلاحظ مثلاً أنّ الإنسان وبشكل طبيعيّ بمجرّد أن يكون ابناً لفلان يولد عنده حسّ عاطفيّ لا يحتاج معه إلى عناءٍ وجهد، فلا نستغرب وجود هذه المحبّة لأنَّها مغروزة غرزاً، وهذا منسجم مع ما فطرنا الله سبحانه عليه، فإذاً غريزة النوع من مظاهرها الحبّ، العلاقات البشرية، الجنس…، وهي تعبير عن الميل للطرف الآخر كائناً مَن كان، بألوان وأشكال مختلفة.
أيضاً عندنا غريزة حبّ البقاء الّتي تبرز من خلال الطمع والحرص على الحياة والتعلّق بها، والدفاع عن النفس. كلّها مظاهر تدلّ على أن الإنسان يحبّ البقاء ويتمسّك به، لهذا يقاتل من أجل أن يبقى.
إنّها أمور تكوينية مع خلقِ الإنسان، تتهذّب بالتربية وبالاختيار، وتنحرف بعدم التربية وبالاختيار.
وإذا لم يلبِّ الإنسان مطالب الغريزة بشكل سليم، ستنحرف ويؤّدّي انحرافها إلى أزمات نفسية واجتماعية وإن كانت لا تقتل. فلو افترضنا شخصاً ليس لديه أب، أو شخصاً ليس لديه ولد،
أو لم يتزوّج، أو ما شابه ذلك، فإنّه لا يموت بمجرّد ذلك، لأنّ الأب أو الولد أو الزواج ليسوا حاجات عضوية. فمشكلة الغرائز مشكلة الشقاء والسعادة، ونحن عندما نتحدّث عن الزواج نتحدّث عن مظهر من مظاهر الغريزة، أي نتحدّث عن أداء يمكن أن يؤدّي إلى سعادة ويمكن أن يؤدّي إلى شقاء.
3- اللباس زينة لمن يلبسه، وبالتالي فالزوجة تُعتبر زينة للزوج، والعكس صحيح، والزينة تنشأ من تصرّفاته وشخصيّته في المجتمع الّتي ستؤثّر بالتأكيد على الطرف الآخر وصورته في المجتمع، وتنشأ كذلك من طريقة تقديمه للطرف الآخر وعلاقته معه في المجتمع.
الآية الثالثة:
﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾12.
إنّ تكثير النسل المؤمن واستمرار الحياة هدف أساسٌ أيضاً، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً لعلّ الله يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله”13.