الرئيسية / بحوث اسلامية / دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

دور أهل البيت عليهم السلام في بناء الجماعة الصالحة

الاهداف العامة للجماعة الصالحة

 يمكن تلخيص الاهداف الاساسيّة من وراء بناء الجماعة الصالحة في نفس الاهداف التي عرفناها لدور الائمة عموماً وهي مبادئ التجربة الاسلامية والمرجعية العامة الفكرية والدينية للمسلمين، والدفاع عن الاسلام والعقيدة الاسلامية، وحفظ الوجود الاسلامي من خلال المحافظة على الحكم الاسلامي والمجتمع الاسلامي والكتلة البشريّة التي تنتمي للاسلام وسوف تتبين الكثير من معالم هذه الاهداف في تفاصيل الحديث عن بناء الجماعة الصالحة، ولكن نشير هنا إلى النقاط التالية:

أ ـ المساهمة في قيادة التجربة

الاسلامية ( تسلّم الحكـم الاسـلامي )

لا شك في أن الهدف الاول والاهمّ من وجود الائمة(عليهم السلام) واُطروحتهم في الرسالة الخاتمة هو قيادة التجربة الاسلامية والوصول بها إلى الدرجة العالية من التكامل، كما عرفنا ذلك في بداية هذا البحث. حيث كان التخطيط الربّاني للرسالة الخاتمة يقضي أن تبلغ التجربة الاسلامية الدرجة التكامليّة المناسبة لها خلال المدّة التي تتولّى فيها الحكم القيادة المتمثّلة بالائمة المعصومين الاثني عشر والتي يمكن تقديرها بثلاثة قرون من الزمن على أقل تقدير، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أقل فرضية للعمر الطبيعي للائمة الاثني عشر.

وهذا التكامل يمكن ان نفترضه على جميع المستويات المعنوي والعلمي والخلقي، ومستوى الحكم والعلاقات والتنظيم، والمستوى المادي في التنمية الاقتصادية، والضمان والتكافل الاجتماعيين، والقوة العسكرية، وانتشار الدعوة الاسلامية وثقافة الاسلام في مختلف أرجاء العالم، وغير ذلك من شؤون الحياة الانسانية، بحيث يكون ذلك مصداقاً عملياً وواقعياً لقوله تعالى: (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)([1][2]).

وكان إقصاء أهل البيت(عليهم السلام) عن هذا الدور الاساسي ـ بفعل الانحراف، وسوء الاختيار، والاهواء الشخصية والسياسية ـ السبب في هذا التخلّف والاحباط، والاوضاع السيئة التي يعيشها المسلمون، بل تعيشها البشريّة الان وفي العهود السابقة. ويتحمل «الانسان» المسؤولية في هذا الامر كما يتحمّلها في جميع الادوار والمواجهات وقضايا الاحباط الاخرى عبر التاريخ البشري، منذ خلق الله تعالى آدم وجعله وزوجه في الجنة، إلى المواقف الاخرى تجاه رسالات الانبياء(عليهم السلام) عندما تخلّفت البشرية عن الاستجابة لرسالاتهم ونداءاتهم الربانية (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاّ الّذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم)([2][3]).

وقد حاول الائمة(عليهم السلام) أن يعيدوا الحق إلى نصابه، وخططوا لتسلّم التجربة الاسلاميّة بعد إقصائهم عنها عقيب وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم). وكان أحد معالم هذا التخطيط بناء الجماعة الصالحة التي يمكن أن يكون لها دور المساهمة في قيادة التجربة الاسلامية.

ويمكن أن نلاحظ ذلك بوضوح من خلال دراسة المرحلة التي عاشها الائمة الثلاثة الاوائل علي والحسن والحسين(عليهم السلام)([3][4]) حيث كانت محاولة تسلّم هذه القيادة قائمة هدفاً مطروحاً في الامة على مستوى تلك المرحلة وذلك من خلال الخطاب السياسي في الامة.

وقد تمكّن الامام عليّ(عليه السلام) بالفعل من الوصول إلى هذا الموقع القيادي، واستمر هذا الامر مدة قصيرة من حياة الامام الحسن(عليه السلام). ثم كان المسلمون يأملون أن ترجع التجربة إلى سابق عهدها في زمان الامام الحسين(عليه السلام) وطلبوا منه القيام بهذه المهمة إلى أن حدثت المأساة المروّعة في كربلاء.

ولاشك أنّ النخبة الصالحة التي تمكّن الامام علي(عليه السلام) من تربيتها وبناء الوضع الروحي والتنظيمي لها وقاتلت إلى جانبه، وقدمت التضحيات العظيمة في خدمة الاسلام وتثبيت المثل والقيم التي دعا إليها(عليه السلام).

وكذلك ما قام به الامام الحسن(عليه السلام) من المحافظة عليها حيث كان أحد الاهداف المهمة لاتفاقية الهدنة مع معاوية هو المحافظة على هذه الجماعة.

ان هذه النخبة كان لها دور مهم ورائد في زمن الامام الحسين(عليه السلام); إذ تمكّنت أن تكسر الجمود وحالة الاستسلام للحكم الاموي، وتعطي المبرر الموضوعي والاجتماعي لحركة الامام الحسين(عليه السلام) التي رفعت شعار سقوط الحكم الاموي، واستهدفت الاطاحة به وتهيئة الارضيّة لتأخذ ثورة الحسين(عليه السلام) مداها الواسع في أوساط الامة الاسلاميّة، ويكون لها تأثيرها في مسار التاريخ الاسلامي، وقد تحقق الكثير من أهدافها، ومنها اسقاط الحكم الاموي في نهاية المطاف.

ففي مرحلة الائمة الثلاثة الاوائل يمكن أن نقول: إن الهدف الاول والاهم من بناء الجماعة الصالحة هو المساهمة في عملية تسلّم قيادة التجربة الاسلامية، وهو هدف يأتي منسجماً مع الاعمال التي قام بها الائمة(عليهم السلام) على مستوى الحفاظ على الامّة الاسلامية في بُعدها الاول، وهو إقامة الحكم الاسلامي الاصيل سواء على مستوى الوجود الخارجي لهذا الحكم الذي تحقق على يد الائمة مدة قصيرة، أو على المستوى النظري والطموح; إذ أوجد الائمة تياراً في الامة يدعو لاقامة هذا الحكم بحيث كان أحد عوامل الضغط لتصحيح مسار الحكم على مرّ التاريخ الاسلامي.

([1][2]) سورة التوبة: 33.

([2][3]) سورة البقرة: 213.

([3][4]) لاشك في أنّ الامام الحسين(عليه السلام) ـ كما سنذكر في تحليلنا لحركته ـ كان يعلم بأنه لا يصل إلى تسلّم قيادة التجربة، ولكن الهدف المعلن والمطروح له وخطابه السياسي وكذلك نشاطه السياسي إنما كان يصب في هذا الاتجاه، وهو ما تقتضيه وظيفته الشرعية ومسؤوليته الانسانيّة، وتفرضه الظروف الموضوعيّة، وإن كان هدفه الواقعي من هذا التحرك تحقيق أمور أخرى نذكرها عند الحديث عن تاريخ ومواقف الائمة (الكتاب الخامس).

شاهد أيضاً

قيادي في الحرس الثوري: إعادة النظر في الاعتبارات النووية في حال وجود تهديدات اسرائيلية

قال قائد قوات حماية المراكز النووية التابعة للحرس الثوري العميد احمد حق طلب: إذا كانت ...