آثار التقوى وقيمتها
التقوى تصون الإنسان وتحفظه من الانزلاق في متاهات الشهوة والغريزة، وعلى الإنسان أن يسعى جاهداً للحفاظ عليها من الضعف والتلاشي، ولا بدّ من التعرف على آثار التقوى، فإنّ لها آثاراً دنيويّة، فضلاً عن آثارها الأخرويّة المتمثِّلة في أنّها الطريق الوحيد للنجاة من الشقاء الأبديّ في الآخرة، فما هي آثار التقوى الدنيويّة؟
أ- شفاء من كلّ داء
يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ـ وهو الّذي تحدّث عن التقوى ورغّب فيها كما لم يفعل أحد غيره ـ ذاكراً آثار التقوى ومبيّناً فوائدها:
1- “فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ مِفْتَاحُ سَدَاد، وَذَخِيرَةُ مَعَاد، وَعِتْق منْ كلّ مَلَكَة، وَنَجَاة مِنْ كلّ هَلَكَة، بِهَا يَنْجَحُ الطَّالِبُ،
وَيَنْجُوا الْهَارِبُ، وَتُنَالُ الرَّغَائِبُ”1 .
2- “فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ دَوَاءُ دَاءِ قُلُوبِكُمْ، وَشِفَاءُ مَرَضِ أَجْسَادِكُمْ، وَصَلاَحُ فَسَادِ صُدُورِكُمْ، وَطُهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ”2 .
فكلّ آلام البشر وابتلاءاتهم بنظر عليّ عليه السلام، يمكن أن تجد لها حلّاً من خلال التقوى، فالتقوى واحدة من أركان حياة الإنسان، فرداً كان أم في المجتمع، ولولاها لتزلزلت أركان الحياة.
ب- ضبط حركة الفرد والمجتمع
فما من شيء يقوم مقام التقوى في ضبط حركة الفرد الشخصيّة والاجتماعيّة، فكم وضعوا من القوانين والقرارات، وكم بدّلوها وغيّروها، لتتناسب مع التطوّر والتقدّم الحاصلَيْن في المجتمعات البشريّة؟!
ولكنّ ذلك كلّه لم يؤتِ الثمار المرجوّة منه، وذلك لأنّ مجرّد وضع قانون ما أمر غير مثمر، فإنّ من وظيفة
________________________________________
1- نهج البلاغة، الخطبة رقم 229.
2- نهج البلاغة، الخطبة رقم 198.
لقانون أن يضع الحدود، ولكنّ ثمرة وضع تلك الحدود لا تظهر إلّا حينما يملك الناس الإرادة والقدرة على احترام تلك الحدود؛ وتلك هي التقوى.
ولا احترام للقانون ما لم تُحترم مبادئ التقوى، فالكثير من المشاكل الموجودة اليوم في المجتمع سببها الأوّل والأخير انعدام التقوى، أو ضعفها في نفوس الناس أثناء تعاطيهم للأمور الحياتيّة والاجتماعيّة.
والمؤسف أنّ بعض الباحثين في الشؤون الاجتماعيّة يردّون هذه المشاكل إلى أسباب وعوامل مختلفة لا علاقة لها بالأسباب الحقيقيّة لهذه المشاكل ألا وهي انعدام التقوى بكافّة أنواعها أو ضعفها في نفوس الناس.
سؤال وجواب
ولعلّ بعضاً يسأل: كيف يقول أمير المؤمنين عليه السلام عن التقوى أنّها:
“شِفَاءُ مَرَض أَجْسَادِكُمْ”؟
وما الرابط بين التقوى وسلامة الجسم؟
والجواب: إنّ افتقاد التقوى يعني افتقاد المستشفى الجيّد والطبيب الجيّد والدواء الجيّد، كما أنّ من يعيش روحيّة التقوى لا تشغله الأطماع، ولا يندفع وراء الملذّات ولو كانت مضرّة بسلامته وصحّته، وهذا ما يعني أنّ التقيّ سيحيا صحيح الجسم، سليم الروح، وفي سلامة اجتماعيّة مع نظرائه وأقرانه.
أثران آخران
ويبقى للتقوى أثران مهمّان، وهما:
1- تنوير القلب والبصيرة: حيث جاء في الآية الكريمة:
﴿إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾3 .
وهذا هو المدخل إلى السلوك العرفاني.
2- إزالة الخوف والضيق وجلب الرزق: حيث يقول الله:
﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾4.
________________________________________
3- سورة الأنفال، الآية: 29.
4- سورة الطلاق، الآيتان: 2ـ 3.