الرئيسية / القرآن الكريم / المرأة في القرآن والسنة – النبوغ الفكري والسياسي للمرأة

المرأة في القرآن والسنة – النبوغ الفكري والسياسي للمرأة

لقد اهتمّ الإسلام العزيز بالمرأة أيّما اهتمام، إلى الحدّ الّذي أنزلت سورة طويلة مسمّاة باسم “النساء” في القرآن الكريم. وهذا يدلّ على خطورة وأهمّية العنصر النسائي في المجتمع الإنساني، وعلى اهتمام الإسلام بهذا العنصر، إلّا أنّ التاريخ والحاضر قد ظلمها، ولم يلتفت إلى خطورة دورها، فأنقص حقوقها وهدرها. ونحن ذاكرون بعض حقوق المرأة العامّة في الإسلام، عسى أن يكون ذلك دافعاً لردّ بعض الشبهات الّتي قد تعتري بعض الناس حول وضع المرأة في الإسلام.

 

من النماذج البارزة للنبوغ الفكري للمرأة، هو تساويها مع الرجل في أهم الفضائل التي يذكرها الله للإنسان وفي هذا الصدد يمكن ذكر نموذجين: 1- النبوغ الفكري والثقافي. 2- النبوغ السياسي والتواجد في ساحة السياسة والمجتمع.

إن النبوغ الفكري والثقافي ليس هو أن يطلع شخص على موضوع أسرع من الآخرين، فمثلاً إذا طالع شخص كتاباً أسرع من الآخرين واطلع على مضمونه، أو حضر في جلسة علمية قبل الآخرين واطلع على محتوى المحفل، فإن هذا السبق الزماني ليس دليلاً على نبوغه الفكري، لأنه يمكن لو أن هذا الشخص الثاني شارك في ذلك المحفل العلمي في اليوم الأول لكان فهمه أفضل منه. بناء على هذا فإن هذا النوع من السبق والتقدم ليس دليلاً على فضيلة ونبوغ، ولكن إذا طرحت مسألة علمية عميقة وكانت هذه المسألة العلمية نظرية لبعض المستمعين، وضرورية لبعض آخر يتبين أن الذين كانت المسائل العلمية واضحة وضرورية لهم يتمتعون بنبوغ خاص وهذه المجموعة تفهم أفضل من الآخرين، هنا ليس مجرد السبق الزماني حتى لا يكون عامل فخر، بل هو دليل على السبق الفكري والثقافي والعلمي لأولئك الأفراد، فالشخص الذي يفهم مسألة عميقة أسرع من آخر يتضح أنه إما يعرف المبادىء والاسس الاستدلالية لتلك المسألة أو أنه قطع قبل ذلك هذا الطريق أو أنه يقطع هذا الطريق بسرعة. وعلى أي حال يفهم المسألة العلمية العميقة أسرع من الآخرين والسبق هنا دليل نبوغ. كما انه لو قام شخصان بعمل خير مع فارق في الزمن. فان مجرد هذا التقدم والتأخر الزمني ليس دليل فخر، ولكن القيام بالعمل الذي يتطلب إيثاراً وتضحية ليس بمقدور كل شخص وإذا قام شخص من بين هذه المجموعة بذلك العمل بتضحية ونجح، هنا ليس مجرد سبق زمني، بل انه يحكي عن نبوغ فكري واخلاص خاص، وهذه هي قاعدة عامة سواء بشأن النظر والجزم، أو بشأن العمل والعزم.

علة امتياز السابقين
بناء على هذه القاعدة العامة فان هناك حرمة خاصة في القرآن الكريم للذين اسلموا أسرع من الآخرين وصدقوا رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من أجل هذا السبق في اعتناق الإسلام وكذلك الذين نصروا الدين بالارواح والأموال قبل الآخرين وتواجدوا في ميدان الحرب والدفاع عن الحق قبل الآخرين لهم احترام خاص ودرجة خاصة، في هذا النوع من الحالات، ليس سبب الفضيلة هو مجرد السبق الزمني، بل هو النبوغ الثقافي والفكري في قسم النظر، والنبوغ العملي في مرحلة العمل، وبتوضيح هذه المقدمة يتضح لماذا يذكر القرآن الكريم المهاجرين والأنصار السابقين بتعظيم ويقول:﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَار﴾ِ 1.

الذين عرفوا الذين قبل الآخرين ونصروه، والذين هاجروا قبل الآخرين وجاؤوا من مكة إلى المدينة أو نصروا المهاجرين قبل الآخرين، مثل هؤلاء الأشخاص سبقوا بتضحيتهم وإيثارهم، ولكن أولئك ليسوا أفضل من ناحية أن لهم سبقاً زمانياً فقط بل إن لهم حرمة خاصة من حيث أنهم أدركوا الإسلام أفضل من الآخرين.

في ذلك اليوم حيث كان الفكر السائد هو تفكير الجاهلية وعبادة الأصنام وحب المال، إذا استطاع شخص التحرر من تلك الرواسب الجاهلية وعرف الإسلام الخالص وصدق بحقانيته وداس على جميع العادات الجاهلية وأسلم بشهامة كاملة ودافع عن الإسلام العزيز فكراً وعملاً، فهو يتمتع بنبوغ خاص، لذا ذكر الله تعالى هذه الجماعة بتكريم خاص وقال:﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَار﴾.

وكذلك ذكر تعالى هؤلاء بحرمة خاصة في سورة الحديد وقال:
﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ 2.

أي أن الجميع مأجورون ولكن أجر أولئك الدين نصروا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زمن ضعف الإسلام وأعانوه بالمال والأنفس، هؤلاء يتمتعون بحرمة خاصة والذين آمنوا ونصروا الدين بعد انتشار القرآن والإسلام ليس لهم سهم من تلك الحرمة الخاصة، كما جرى في الثورة الإسلامية في إيران. فالذين التحقوا بالثورة قبل الانتصار لا يستوون مع الذين أصبحوا ثوريين بعد الانتصار. إن تحديد حقانية الإسلام يتطلب نبوغاً فكرياً وثقافياً، والخدمة بإيثار قبل الثورة حتى مرحلة انتصارها يتطلب شجاعة خاصة، لذا لا تتساوى إعانه الثورة قبل النصر مع إعانتها بعد النصر، كما أن ما جرى قبل القبول بالقرار 598 لمجلس الأمن وبعد قبول القرار ليسا متساويين، الإيثار والتضحية في زمن الحرب لا يستوي مع الايثار والتضحية في زمن السلم، فان تلك تكشف عن شهود ثقافي وشهامة وعزم عملي.

إن الشواهد القرآنية التي تذكر السابقين بعظمة وتذكر طلائع الثورة بتكريم أدت لإدراك المحققين في الروايات التي وردت في مدح علي بن أبي طالب عليه السلام إحدى الفضائل البارزة لأمير المؤمنين عليه السلام والتي احتج بها الإمام نفسه وكذلك استدل سائر أهل البيت بهذه الفضيلة واستند عليها المحققون والعلماء الشيعة هي ان ” أمير المؤمنين أول القوم إسلاماً” 3، ان قوله:” يا علي، أنت أول المؤمنين إيماناً وأول المسلمين إسلاماً “4.

إن هذا ليس من أجل ان تقدم أمير المؤمنين على الآخرين كان مجرد تقدم زماني، أي انه اسلم قبل ان يسلم الآخرون، لأن مجرد السبق الزماني ليس دليل فخر. ولا حداً وسطاً لبرهان مستدل. لا يمكن ان يستدل للخلافة أو الإمامة أو الولاية أو إثبات مقامات أفضل بمجرد السبق الزمني، ويقال: بالنظر لأن علي بن أبي طالب عليه السلام آمن قبل الآخرين فهو يتمتع بحرمة خاصة، لأن مجرد السبق الزمني ليس علامة كمال بل المقصود هو السبق الرتبي، أي أنه في اليوم الذي عرض عليكم القرآن والإسلام ورسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنتم لم تستطيعوا تحديد الحقانية أساساً أو كان تحديدكم ضعيفاً، أو إذا كنتم حددتم لم تستطيعوا الدفاع ولم تكن فيكم شهامة الايثار والتضحية، ولم يكن لديكم ذلك الصبر في تحمل المشقة، فهم علي عليه السلام حقانية ذلك بسرعة وآمن به ودافع عنه. هذا النوع من المعرفة والصبر هو علامة نبوغ فكري في قسم النظر، وعلامة شهامة في قسم العمل.
يتضح من هذه المقدمة القصيرة لماذا يتمتع السابقون في الإسلام بحرمة خاصة.

 

00003

شاهد أيضاً

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر العربيّ

[ يا أَيُّها الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْبَطَلُ ] – قصيدةٌ من ديوان السّباعيّ الذّهبيّ في الشّعر ...