15)بحث حول الآية
مصاديق من التقدُّم على رسول الله في المجال التشريعي:
1- البدعة في الدين: البدعة في الدين من المعاصي الكبيرة والمحرّمات العظيمة، التي دلّ على حرمتها الكتاب والسنّة، كما وأُوعِد صاحبُها النار على لسان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأنّ المبتدع ينازع سلطان الله تبارك وتعالى في التشريع والتقنين، ويتدخّل في دينه ويُشرِّع ما لم يُشرِّعه، فيزيد عليه شيئاً وينقص منه شيئاً في مجالي العقيدة والشريعة، كلّ ذلك افتراء على الله.
وهناك تعاريف متعدّدة للبدعة نذكر منها[1]:
قال السيد المرتضى رضوان الله عليه: “البدعة: الزيادة في الدين أو نقصان منه من إسناد إلى الدين”.
وقال العلّامة المجلسي رضوان الله عليه: “البدعة في الشرع: ما حدث بعد الرسول ولم يرد فيه نصّ على الخصوص، ولا يكون داخلاً في بعض العمومات، أو ورد نهي عنه خصوصاً أو عموماً فلا تشمل البدعة ما دخل في العمومات مثل بناء المدارس وأمثالها، الداخلة في عمومات إيواء المؤمنين وإسكانهم وإعانتهم، وكإنشاء بعض الكتب العلمية، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية، وكالألبسة التي لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأطعمة المحدثة, فإنّها داخلة في عمومات الحليّة، ولم يرد فيها نهي. وما يُفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة… وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نصّ بدعة، سواء كانت أصلها مبتدعة أو خصوصيتها مبتدعة” ثمّ ذكر كلام الشهيد عن قواعده. وعلى كل حال مقوّم البدعة هو التصرّف في الدين عقيدة وتشريعاً, بإدخال ما لم يعلم أنّه من الدين فيه، فضلاً عمّا علم أنّه ليس منه قطعاً. وتشمل البدعة صورة النقص كحذف شيء من أجزاء الفرائض[2].
2- لقياس والاستحسان: القياس المراد هنا هو التمثيل في مصطلح علماء المنطق “التمثيل هو: أن ينتقل الذهن من حكم أحد الشيئين إلى الحكم على الآخر لجهة مشتركة بينهما. وبعبارة أخرى هو: إثبات الحكم في جزئي لثبوته في جزئي آخر مشابه له. والتمثيل هو المسمّى في عرف الفقهاء بـ “القياس” ويرفض الإمامية حجيته والاعتماد عليه في فهم الشريعة.
مثاله: “إذا ثبت عندنا أنّ النبيذ يشابه الخمر في تأثير السكر على شاربه، وقد ثبت عندنا أنّ حكم الخمر هو الحرمة، فلنا أن نستنبط أن النبيذ أيضاً حرام، أو على الأقل محتمل الحرمة، للاشتراك بينهما في جهة الإسكار”[3].
3- الفتوى من دون فحص: إنّ الفتوى من دون فحص كامل في الكتاب والروايات الشريفة، وتحقيق في المباني الفقهية هو نوع من التقدُّم على الله ورسوله. “لا بد للمجتهد في مقام الاستنباط، وتشخيص وظيفته ووظيفة العامي، من استفراغ الوسع في الفحص عن الأدلة، والمعارضات، والقرائن الدخيلة في تعيين مفاد الدليل. وليس له الاكتفاء بما وصل له من الأدلة، فضلاً عن الرجوع للأصل من دون فحص عن الدليل لو لم يطلع عليه…”[4].
4- توهين الأحكام الدينية: من معاني الاستخفاف لغةً: الاستهانة، يقال: استخفّ به إذا استهان به وأهانه، واستخفّه خلاف استثقله أي رآه خفيفاً، كما قد يكون الاستخفاف بمعنى التهاون. ولا يخرج الاستعمال الفقهي عن ذلك. وقد يعبّر عن الاستخفاف – بالمعنى الأوّل – بالاستحقار والاحتقار والانتقاص والازدراء.
والاستخفاف له صور متعدّدة والمراد به هنا الاستخفاف بالدين والأحكام الدينية ونذكر نموذجاً قد يوضح الموضوع.
عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتاه رجل فقال: وقعت فأرة في خابية فيها سمن، أو زيت، فما ترى في أكله؟ قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: لا تأكله، فقال له الرجل؟ الفأرة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها قال: فقال له أبو جعفر عليه السلام: إنّك لم تستخف بالفأرة، وإنّما استخففت بدينك، إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء[5].
5- اتباع الذوق لا الشريعة: (العبادة نموذجاً). على الإنسان أن يتّبع ما تمليه وتأمر به الشريعة في كل خطواته ولا يتقدّم
عليها حتى في تنفيذ الأوامر والبرامج الإلهية، فالشريعة كلٌّ متكامل تراعي كل الجوانب الاجتماعية في تشريعاتها فلا
يحقّ للمؤمن وبحجة توافقه النفسي مع العبادة أن ينعزل عن المجتمع ويتعبّد ويترك عيلولة عياله فهذا النوع من العبادة هو نوع من التقدُّم على الله ورسوله.
[1] من هذه الكتب: البدع والنهي عنها، لابن وضّاح القرطبي،الحوادث والبدع، للطرطوشي، الاعتصام، لأبي إسحاق الشاطبي الغرناطي في جزءين وقد أسهبَ الكلام فيها، البدعة أنواعها وأحكامها، لصالح بن فوزان بن عبد الله فوزان طبع الرياض، البدعة تحديدها وموقف الإسلام منها، تأليف الدكتور عبد الملك السعدي طبع بغداد، البدعة في مفهومها الإسلامي الدقيق، تأليف الدكتور عبد الملك السعدي طبع بغداد، البدع المحدثة، للشريف أبو القاسم الكوفي المتوفّى بفسا سنة 352 هـ وطبع باسم الاستغاثة، في النجف الأشرف،البدع، تأليف الدكتور الشيخ جعفر الباقري، وهي دراسة موضوعية لمفهوم البدعة وتطبيقاتها على ضوء منهج أهل البيت.
[2] راجع: البدعة وآثارها الموبقة،جعفر السبحاني، ص 18-26.(بتصرف).
[3] المنطق، محمد رضا المظفر، التمثيل تعريفه، ص 315.
[4] الكافي في اصول الفقه، ج2، محمد سعيد الحكيم، خاتمة في وجوب الفحص، ص 671.
[5] وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج1، باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة وإن كان كثيرا…، ص 206.