40)
خطر الجهالة على المجتمع:
الجهالة من أخطر الأمراض التي تُصيب المجتمع، وكلّما سرت في بنيانه فتكت به ودائماً هناك مستفيدون من جهالة الناس وعلى رأس هؤلاء القوى الاستكبارية والاستعمارية، فالاستعمار من أكبر المستفيدين من جهل القاعدة الشعبية، الاستعمار الفكري والثقافي والعسكري حيث يعتبر جهل الأمة أرضية خصبة لاستيلائه عليها، أما مع وعيها فلا يمكن له أن يُخضعها ويستعمرها، وهذا ما دلّت عليه الشعوب الحيّة فإنّها لا تقبل بالذلّ والاستعباد والاستعمار.
المستفيد الثاني من جهل الأمة أهل المصالح المادية والمعنوية حيث إنّ دكاكينهم لا يكون لها رواج وسوق إلا مع جهل الأمة وترويج القصص الخرافية والرؤى والمنامات ونقل المعجزات الموضوعة والأحاديث الكاذبة بحجة الدفاع عن الدين والمذهب والخوف عليهما، لذلك يضطّربون من أيّ بحث علمي تؤدّي نتيجته إلى خلاف ما اعتادوا عليه وحملوه في أذهانهم. وهؤلاء موجودون من زمن الأئمة إلى يومنا هذا.
الدروس المستفادة من آية النبأ[1]
1- ينبغي على المؤمنين أن يكونوا أهل تحقيق وتثبُّت ولا يطلقوا الكلام على عواهنه. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا … فَتَبَيَّنُوا﴾.
2- إنّ التمسُّك بالآية الكريمة وعدم الأخذ بقول الفاسق من أحد أهمّ الطرق المانعة للفتنة بين المسلمين. ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ﴾.
3- إنّ أرضية الفتنة تنشأ من خلال: سعي المنافقين لإحداث الفتنة.
4- الأصل في الإسلام هو الاعتماد على الآخرين وعدم سوء الظنّ بهم, ولكنّ الفاسقين خارجون عن هذا الأصل، هذا من جهة، ومن جهة أخرى خطورة الخبر”النبأ” تستدعي التثبُّت والتبيُّن ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ … فَتَبَيَّنُوا﴾. ولكن لا بدّ من التنبيه أنّ آية النبأ في صدد بيان وجوب التثبُّت والتبيُّن من النبأ في حال كونه في معرض العمل، فينبغي تقديم التثبُّت والتبيُّن قبل ترتيب أيّ أثر على الخبر، أمّا إذا لم يكن الخبر في معرض العمل وليس مورداً لترتيب الآثار عليه، فهذا المورد ليس خارجاً عن وجوب التثبُّت والتبيُّن بل لعلّه داخل في الآية الثانية عشر الآتية، فلا يجوز التجسُّس على الآخرين لمعرفة صحة وصدق كلامهم من عدمه، لتصنيف الناس على أنّ فلاناً صادقاً وفلاناً كاذب، فوجوب التثبُّت يجب في الموارد التي تشملها آية النبأ وهي الأنباء والأخبار التي لها طابع وأثر اجتماعي لا فردي.
5- في الآية الثانية عشر الآتية قال تعالى ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ﴾ وفي هذه الآية ينبغي بل يجب الفحص والتثبُّت والتبيُّن وهو ينافي عدم سوء الظنّ بالآخرين، فكيف يمكن الجمع بينهما؟.الآية الآتية تتحدّث أنّه
من أخلاقيات المسلم أن لا يُسيء الظنّ بالآخرين وأن يتجنّب هذه الصفة القبيحة، فهي في صدد الكلام عن صِرْف النظرة الإيجابية للأفراد. أمّا آية النبأ فهي في صدد بيان وجوب التثبُّت والتبيُّن في حال إخبار الأفراد أو فرد بخبرٍ ما له أثر عملي وخطير على المجتمع أو حتى على الفرد المتلقّي للخبر، فهنا يجب الفحص لخطورة النبأ الذي يحمله الفرد، وهذا لا علاقة له بسوء الظنّ وعدمه، فلو تجرّد الفرد عن الخبر يدخل في عموم قوله تعالى ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾.
6- ينبغي على المؤمنين أن يسرعوا في التبيُّن، وذلك لوجود حرف الفاء في الآية ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾. فلا بد من دقّة وتحقيق وجهد شديد في مورد النبأ، لأنّ التسامح فيه وفي أمثاله يوجب خللاً وفساداً وابتلاء، وقد ينجرّ إلى اختلال عظيم في المجتمع، كما بيّنت الآيات التي تلي آية النبأ وهي مسألة الفتنة.
7- الفاسق يحاول دائماً إشاعة الأخبار الكاذبة أو المغلوطة بغية إشاعة الفوضى والفتنة. ﴿جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ﴾.
8- الإيمان يقتضي التثبُّت والتبيُّن ﴿آمَنُوا … فَتَبَيَّنُوا﴾.
9- الفاسق قد يُخبر بأخبار صادقة والآية لا تنفي هذا الاحتمال، ولا تطلب منّا تكذيب المُخبِر إذا كان فاسقاً بل تطلب منّا التثبُّت والتبيُّن من صحة وصدق الخبر ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾.
10- المجتمع الإسلامي، معرّض دائماً لهجمات الأخبار والدعايات الكاذبة، وعلى أفراد المجتمع أن يتمتّعوا بذكاء ووعي في مواجهة هذه الأخبار. ﴿إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾.
- في مجال إدارة الشائعات والأنباء، ينبغي مواجهة الواقعة قبل وقوعها أي القيام بإجراءات وقائية فلذا لكي لا نقع في جهالة وندامة، علينا التحقيق ثم البناء طبقاً لما توصّلنا إليه من نتائج. ﴿فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾.
12- الإقدام العجول وعدم التثبُّت من الأخبار هو نوع من الجهل. ﴿بِجَهَالَةٍ﴾. إنّ العمل بالأوامر الإلهية يمنع من وقوع الناس في الندم والحسرة على أعمالهم ﴿فَتَبَيَّنُوا … نَادِمِينَ﴾.
13- المقياس الذي يمكن اعتماده من خلال آية النبأ هو عدم الندامة ﴿نَادِمِينَ﴾.
[1] ينظر: تفسير النور (فارسي)، محسن قرائتي، ج9، ص 171- 172. وتفسيرسورهْ حُجرات (فارسي)، رضا الصدر، ص 236- 242.