02 نعم تختلف الطرق المتبعة للوصول إلى الهدف المذكور ، فبعضهم يسلك السبيل
المعقول وبعضهم يخطئ فيقع في متاهات الضلال .
2 الأعمال التي تصدر من الانسان لا تكون الا في اطار خاص من الأنظمة والقوانين .
هذا بديهي لا يقبل الانكار ، ولو خفي في بعض الحالات ليس إلا لشدة وضوحه .
ذلك لأن الانسان من جهة لا يعمل شيئا الا بعد أن يريده فعمله صادر عن إرادة نفسية
يعلمها هو ولا تخفي عليه . ومن جهة أخرى انما يعمل ما يعمل لأجل نفسه ، يعني انه يحس
بضرورات حياتية لا بد من توفرها ، فيعمل ليوفر تلك الضرورات على نفسه . فبين أعماله
ارتباط مستقيم يربط بعضها ببعض .
الأكل والشرب والنوم واليقظة والجلوس والقيام والذهاب والمجئ ، هذه الاعمال وغيرها
من الأعمال الكثيرة التي يقوم بها الانسان ، هي ضرورية له في بعض الحالات وغير
ضرورية في حالات أخرى ، وهي تنفع في بعض المجالات وتضر في مجالات أخرى . فكل ما يعمله
الانسان نابع من قانون يدرك كلياته في نفسه . ويطبق جزئياته على أعماله وأفعاله .
كل شخص في أعماله الفردية يشبه حكومة كاملة لها قوانينها وسننها وآدابها ، والقوى
الفعالة في تلك الحكومة عليها أن تطبق أعمالها أولا مع تلك القوانين ثم تعمل .
والأعمال الاجتماعية في مجتمع ما تشبه الأعمال الفردية
فتحكم فيها مجموعة من القوانين والآداب التي تواضع عليها أكثر أفراد ذلك المجتمع ،
والا فسوف تسود الفوضى في أقرب وقت وينفصم عراهم .
نعم إذا كان المجتمع مجتمعا مذهبيا تحكم فيه أحكام المذهب وقوانينه ، ولو كان غير
مذهبي ولكن له نصيب من المدنية فيصبغ أفعاله بصبغة القانون المدني ، أما إذا كان
المجتمع متوحشا فتحكم فيه الآداب والقوانين الفردية المستبدة أو القوانين التي وجدت
من جراء احتكاك مختلف العقائد والآداب بصورة فوضى غير منظمة .
فإذا لابد للانسان من هدف خاص في أفعاله الفردية والاجتماعية ، وللوصول إلى ذلك
الهدف لا محيص من تطبيق أعماله بقوانين وآداب خاصة موضوعة من قبل دين أو اجتماع أو
غيرهما .
والقرآن الكريم نفسه يؤيد هذه النظرية حيث يقول : ( ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا
الخيرات ) ( 1 ) .
والدين في عرف القرآن يطلق على الآداب والقوانين بصورة عامة ، فان المؤمنين
والكافرين – وحتى المنكرين لله تعالى – لا يخلون من دين ما ، لأن كل انسان يتبع
قوانين خاصة في أعماله ، كانت تلك القوانين مستندة إلى نبي ووحي أو موضوعة من قبل
شخص أو جماعة ما ، يقول تعالى في أعداء
الدين : ( الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا ) ( 1 ) .
3 ان أحسن وأثبت الآداب التي يليق بالإنسان أن يتبعها هي الآداب التي توحيها اليه
الفطرة السليمة ، لا النابعة من العواطف والاندفاعات الفردية أو الاجتماعية .
ولو تأملنا في كل جزء من أجزاء الكون لنرى ان له هدفا خاصا وجهته من أول يوم خلقته
تحقيق ذلك الهدف من أقرب الطرق وأحسنها ، وهو يشتمل على ما لا بد منه لتحقيق هدفه من
الوسائل والآلات . هذا شأن كل مخلوق في الكون ذي روح أم غير ذي روح .
مثلا حبة الحنطة من أول يوم توضع في بطن الأرض وتخرج منها الخضرة تسير في طريق
التكامل لتكون لها سنابل تحمل حبات كثيرة من الحنطة ، وهي مجهزة بوسائل خاصة تستفيد
بواسطتها من العناصر التي لا بد من توفرها من أجزاء الأرض والهواء بنسب معلومة ،
وتعلو يوما فيوما وتتحول من شكل إلى آخر حتى يكون لها سنابل في كل سنبلة ، حبات ،
وحينئذ تكون قد وصلت إلى هدفها المنشود وكمالها الذي كانت تهدف اليه .